في عالم تتقاذفه النزاعات المسلحة والأزمات الجيوسياسية المتصاعدة، لم يعد التعليم مجرد ترف معرفي، بل تحول إلى أداة حماية حيوية وصمام أمان لملايين الأطفال.
وفي هذا السياق، تبرز مؤسسة "التعليم فوق الجميع" الدولية، ومقرها قطر، كأحد أهم الفاعلين الدوليين في هذا الملف، حيث كشفت عن وصول برامجها إلى 14.5 مليون طفل من المحرومين حول العالم، في محاولة لاستعادة كرامتهم وفاعليتهم في مجتمعاتهم.
وشددت مدير إدارة الاتصال والمشاركة بالمؤسسة، الجازي حسن درويش، في مقابلة خاصة مع وكالة الأنباء الألمانية، على أن "التعليم يجب ألا يكون أبدا ضحية للأزمات".
وأوضحت أن المؤسسة تتبنى رؤية تعتبر التعليم "خط الدفاع الأول"، حيث يوفر التعليم في بيئات الأزمات، الاستقرار والدعم النفسي ويعيد الشعور بالحياة الطبيعية للأطفال.
وأكدت الجازي درويش أن استمرارية التعليم هي الحصن الذي يمنع التجنيد القسري في الجماعات المسلحة، ويحد من ظاهرتي الزواج المبكر والاستغلال، مانحا الشباب المهارات اللازمة لإعادة بناء مجتمعاتهم المدمرة.
ورغم هذه الإنجازات، دقت الجازي ناقوس الخطر بشأن تراجع المساعدة الإنمائية الرسمية من دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، حيث انخفضت بنسبة 7.1% في عام 2024. وأوضحت أن حصة التعليم من إجمالي المساعدات تراجعت من 9.3% في عام 2019 إلى 7.6% في عام 2022.
هذا الانخفاض، حسب الجازي درويش، ينعكس مباشرة على الميدان، حيث تتقلص موارد المدارس، ويغيب الدعم النفسي، وتتفاقم أزمة نقص المعلمين، خاصة في مناطق ملتهبة كاليمن والسودان وغزة.
وحذرت من أن نقص التمويل يجبر المنظمات على التركيز على الاكتفاء بـ"الوصول" للتعليم فقط على حساب "الجودة"، واللجوء لحلول مؤقتة بدلا من الاستدامة، مما يعمق الفجوة التعليمية ويقوّض جهود بناء السلام العالمي.
وفيما يخص قطاع غزة، الذي تعرض لحرب إبادة إسرائيلية على مدار عامين، أشارت مدير إدارة الاتصال والمشاركة بالمؤسسة، إلى خطة الاستجابة الشاملة التي بدأت في ديسمبر/كانون الأول 2023 بحزمة "إعادة الأمل" التي استهدفت أكثر من 233 ألف فلسطيني. ولم تقتصر الجهود على الدعم النفسي والإغاثي، بل امتدت لتمكين الكوادر المستقبلية عبر تخصيص 100 منحة دراسية في تخصصات الطب والهندسة والتكنولوجيا للمساهمة في إعادة الإعمار.
ولفتت إلى المرحلة الثانية من مشروع "إعادة الأمل" التي أطلقت في مايو/أيار 2025، والمخصصة لطلاب الثانوية العامة (التوجيهي). ويستهدف المشروع 90 ألف طالب وطالبة في القطاع عبر إنشاء 100 مركز تعليمي مجهز بالكامل بالإنترنت والطاقة، لضمان استكمال مسيرتهم الأكاديمية رغم الدمار الذي طال البنية التحتية التعليمية.
وتتجاوز رؤية المؤسسة بحسب الجازي درويش، أسوار المدارس إلى آفاق العمل؛ حيث ساهمت في التمكين الاقتصادي لأكثر من 3.3 ملايين شاب، وقدم "برنامج قطر للمنح الدراسية" أكثر من 11.6 ألف منحة.
وأضافت أنه مع تزايد مخاطر الذكاء الاصطناعي والمعلومات المضللة، أطلقت المؤسسة منصة "ديجي-وايز" لتمكين اليافعين من التفكير النقدي ومواجهة التلاعب الرقمي. وفي المقابل، لم تغفل المؤسسة المناطق ذات الموارد المحدودة، حيث وفرت "بنك الموارد التعليمية المجانية" الذي يعمل دون الحاجة لتكنولوجيا معقدة في 15 دولة.
وتعتمد مؤسسة "التعليم فوق الجميع" على نموذج "التمويل المشترك" بالتعاون مع البنك الدولي، والبنك الإسلامي للتنمية، ومنظمات الأمم المتحدة.
وترى المؤسسة أن تقاسم المسؤولية المالية يجعل المشاريع أكثر استقرارا وأقل عرضة للتقلبات السياسية، مؤكدة أن المطالبة بالشفافية والنزاهة في دعم التعليم لم تعد ترفا، بل ضرورة لحماية العقل الجمعي للأجيال الجديدة من التزييف والضياع.
المصدر:
الجزيرة