آخر الأخبار

في رحاب قلعة أربيل.. قصة 73 عاما من حفظ الأصالة الموسيقية في وجه التحديث

شارك

في أعماق قلعة أربيل التاريخية، التي تعد صرحا شامخا ومدرجا على قائمة التراث العالمي لليونسكو، تتوارى كنوز ليست مرئية بالعين، بل مسموعة بالأذن.

إنها أقدم التسجيلات الصوتية في المحافظة وإقليم كردستان، محفوظة بعناية فائقة داخل محل تسجيلات ناز (سابقا) أرشيف الموسيقى الكردستانية (حاليا)، والذي يحتفل هذا العام بمرور 73 عاما على تأسيسه، ليقف شاهدا حيا على تطور صناعة الموسيقى في العراق.

مصدر الصورة واكب المحل جميع التطورات في عالم التسجيلات الصوتية (الجزيرة)

رحلة عبر الزمن: من الأسطوانات إلى الأقراص المدمجة

يعد أرشيف الموسيقى الكردستانية أكثر من مجرد متجر، إنه مؤسسة ثقافية عريقة تسرد حكاية شغف وتفان في الحفاظ على التراث الفني.

يقول أمجد قصاب، صاحب المحل وابن شقيقة مؤسسه عبد اللطيف شخمخشي، للجزيرة نت إن البدايات تعود إلى عام 1952. ومنذ ذلك الحين، واكب المحل جميع التطورات في عالم التسجيلات الصوتية.

"لقد شهدنا كل مرحلة من مراحل تطور التسجيلات، بدءا من الأسطوانات القديمة التي تعود إلى عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، مرورا بالبكرات التي ظهرت في الخمسينيات، ثم الكاسيت في عام 1969، وصولا إلى الأقراص المدمجة (CD) في عام 2000″، يقول قصاب، الذي تسلم إدارة المحل في عام 1976.

وعلى الرغم من مواكبة التكنولوجيا، يشدد قصاب على أن جوهر المحل الأصيل ظل كما هو: "أكبر تحد واجهته على مر السنين هو المحافظة على هذا التراث".

ورغم عدم امتلاكه لصور وثائقية قديمة، فقد حرص على حفظ الأرشيف الغني للمحل، والذي يضم أعمال فنانين عرب وأكراد بارزين مثل يوسف عمر، والقبنجي، وشهاب حسن خود.

يأتي زبائن المحل من جميع المحافظات العراقية، سيما المحافظات الجنوبية والمناطق الكردية، مما يؤكد على مكانته كمركز ثقافي جامع.

ويؤكد قصاب أن المحل أسهم على مدار عقود في "تعريف سكان أربيل بكل ثقافات الشعوب من الفن والغناء"، كما كان محط جذب لمحبي الموسيقى وأسهم في اكتشاف ومساعدة فنانين على الوصول إلى الشهرة، مثل الفنانين ريبر حيدر ورشوان شيخاني وغيرهم.

مصدر الصورة أرشيف الموسيقى الكردستانية (الجزيرة)

دعوة لحماية التراث الفني من "التشويه"

مع التطور التكنولوجي المتسارع، يطرح مدير معهد الفنون الجميلة في أربيل، زيرك أمين، رؤيته حول العلاقة بين الشباب والتراث الفني القديم.

إعلان

وأشار أمين خلال حديثه للجزيرة نت إلى أن التكنولوجيا الحديثة تحمل في طياتها جوانب إيجابية وسلبية فيما يتعلق بالحفاظ على هذا الإرث الثقافي.

وأضاف أن عددا كبيرا من الشباب يستمعون إلى الأغاني الفولكلورية والتراثية عبر التقنيات الحديثة، لكنه يحذر بشدة من ممارسات "الريميكس" التي تغير من جوهر الأغنية الأصلية. "السلبية تكمن في تغيير نكهة وحس الأغنية عن طريق إدخال آلات جديدة وتأثيرات أو إيقاعات حديثة، مما يؤثر سلبا على الطعم الأصيل للتسجيل القديم وصوت المغني الأصلي، فهذا يدمر الأغنية ويغير أسلوبها".

وفي نصيحة للشباب المتحمس لاستخدام التكنولوجيا في التراث، يؤكد أمين: "إذا أردت إحياء التراث بشكل جميل أو بطريقة جديدة، يجب أن تأخذ الأغنية وتعيد توزيعها وتأليفها من جديد بشكل كامل".

وعلى الرغم من مخاوفه، يعرب أمين عن سعادته برؤية الشباب في أماكن الموسيقى الحية يطلبون الأغاني القديمة، مما يعكس اهتماما بالتراث، داعيا إلى ضرورة أن تتحمل المؤسسات الحكومية مسؤولية الحفاظ على هذا الإرث.

وشدد على الحاجة الملحة لإنشاء مكتبات وطنية متخصصة لحفظ التراث العراقي والكردي. يعبر عن أسفه لعدم وجود مثل هذه المؤسسات في العراق أو إقليم كردستان، مما يفتح الباب أمام سرقة الألحان الكردية والعراقية من قبل دول أخرى ونسبتها لنفسها، مشيرا إلى غياب قوانين حقوق الملكية الفكرية في البرلمان العراقي لحماية هذا التراث.

مصدر الصورة الأرشيف يضم أعمال فنانين عرب وأكراد بارزين مثل يوسف عمر والقبنجي (الجزيرة)

سحر الماضي في أذن الحاضر

يعكس المواطن مصعب غازي، أحد محبي الموسيقى القديمة، الأسباب الجوهرية لتفضيله للأغاني القديمة، أبرزها اللحن الأصيل والكلمات المعبرة التي كانت سمة بارزة لتلك الحقبة.

يقول غازي للجزيرة نت إن "الأغاني الصاخبة في الوقت الحاضر لا ترقى إلى مستوى الطرب الأصيل القديم"، مشيرا إلى الفارق الكبير في المحتوى الفني والعمق العاطفي بينهما.

ويشدد على ضرورة تحقيق التوازن بين الفن القديم والحديث، مؤكدا أنه "إذا أردنا الموازنة بين القديم والحديث، فيجب علينا أن نحافظ على القديم ونطور الجديد".

بدوره، يؤكد المواطن الكردي سيدار شنكالي أن الشباب الكردي يولي اهتماما كبيرا للتراث والفن القديم، لما يحملانه من قيمة جمالية عميقة.

يقول شنكالي للجزيرة نت إن الفن القديم "يعبر عن تاريخنا وماضينا الجميل"، مشيرا إلى أن الماضي كان أجمل مقارنة بالحاضر. ويعزو ذلك إلى قلة الأجهزة وعدم وجود التكنولوجيا في السابق، مما أضفى على تلك الفترة طابعا هادئا وجميلا.

ويضيف: "كانت الموسيقى هادئة والأغاني رقيقة، تعبر عن فن وتراث الأكراد بأجمل ما يكون".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار