آخر الأخبار

علاقات المغرب وتونس تتأرجح بين الغموض السياسي والمجاملات الدبلوماسية

شارك الخبر

في سياق العلاقات المغاربية المتشابكة والمعقدة، يبرز تساؤل حول مستقبل العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وتونس، خاصة بعد التوترات الأخيرة التي شابت هذه العلاقة.

وفي ظل التطورات التي شهدتها المنطقة، يراقب الباحثون والمهتمون مسار هذه العلاقات، خاصة في ظل التفاعل الأخير بين وزراء خارجية البلدين.

يرى البعض أن هذه اللقاءات قد تفتح نافذة جديدة لإعادة الدفء إلى العلاقات، لكن الشكوك لا تزال قائمة حول مدى إمكانية ترجمة هذه الإشارات الدبلوماسية إلى خطوات ملموسة تعيد العلاقة إلى طبيعتها.

في هذا السياق، يسعى الباحث المغربي محمد شقير إلى تحليل هذه الديناميكيات من خلال تسليط الضوء على المجاملات الدبلوماسية التي طغت على اللقاءات الأخيرة، وتوضيح الأسباب التي تجعل عودة العلاقات بين البلدين رهن بمواقف سياسية واضحة وصريحة، خاصة فيما يتعلق بموقف تونس من قضية الصحراء المغربية.

نص المقال:

رأى بعض المتتبعين للعلاقات المغاربية أن الاتصال الهاتفي واللقاء الذي جمع مؤخرا بين وزير الخارجية ناصر بوريطة ونظيره التونسي محمد علي النفطي، على هامش منتدى التعاون الصيني الأفريقي في العاصمة بكين، قد يكون فرصة لإعادة الدفء للعلاقات التونسية المغربية والتمهيد لعودتها إلى طبيعتها، مستندين في ذلك إلى أن هذه الخطوة تأتي بعد المصافحة بين رئيس الحكومة المغربية عزيز أخنوش ووزير الخارجية التونسي على هامش الاحتفال الدولي بالذكرى الثمانين لإنزال بروفانس في فرنسا. لكن يبدو أن رسائل التودد التي تبادلها هؤلاء المسؤولين على هامش اجتماعات دولية، لا يمكن أن يتم البناء عليها للدفع بإمكانية تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين؛ نظرا لأنها تدخل ضمن مجاملات دبلوماسية، ونظرا أيضا للوضع السياسي الغامض الذي ما زال يكتنف العلاقات الرسمية بين البلدين المغاربيين.

المجاملات الدبلوماسية بين البلدين

على الرغم من الاهتمام الإعلامي في كل من تونس والمغرب الذي حظي به اللقاء الذي جمع بين رئيس الحكومة المغربية ووزير خارجية تونس الأسبق في باريس، واللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين ببكين، إلا أن الأمر لا يمكن إلى حد الآن إلا أن يندرج ضمن المجاملات الدبلوماسية الذي جرى عليها التقليد في تعامل الدول فيما بينها، بدليل أن برقيات التهنئة التي يتبادلها كل من العاهل المغربي والرئيس الجزائري في كل مناسبة وطنية أو دينية لم تعكس أي انفراج في العلاقات المتوترة بين البلدين الجارين لأكثر من عقدين على الأقل، لا سيما وأن سبب القطيعة السياسية بين البلدين، التي استدعي فيها السفير المغربي للعودة من تونس، كانت على إثر استقبال الرئيس التونسي قيس سعيد زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي للمشاركة في الدورة الثامنة لقمة “تيكاد”، التي نظمتها اليابان بالشراكة مع الاتحاد الأفريقي في شهر غشت 2022، في الوقت الذي حدد فيها العاهل المغربي المتحكم في صنع السياسة الخارجية التي تعتبر مجالا ملكيا محفوظا، علاقات المملكة مع شركائها وفق مواقفها من قضية الصحراء، حيث ظهر ذلك جليا مع جل الدول الاوروبية، بما فيها إسبانيا وفرنسا.

وبالتالي، فمادام الرئيس التونسي لم يتخذ أي خطوة في هذا الاتجاه، فإن مصافحة بين وزيرين أو لقاء بين وزيرين بدولتين أجنبيتين لا يمكن إدراجهما إلا ضمن المجاملات الدولية والاستهلاك الإعلامي، على الرغم من أن هذه اللقاءات تبقى مؤشرا على أن هناك جهات عدة داخل مربع القرار السياسي التونسي ترى أن ذلك الاستقبال الذي قام به الرئيس قيس سعيد كان خطأ ولا يخدم علاقات البلدين.

وعليه، فإن أهم مؤشر سيعمل على إعادة العلاقات بين الرباط وتونس إلى طبيعتها، هو تقديم إشارة إيجابية من الرئيس التونسي قيس سعيد؛ كونه من استقبل زعيم ما يسمى بجبهة البوليساريو، إضافة إلى عودة تونس إلى منطقة الحياد الإيجابي الذي كانت عليه سابقا.

غموض العلاقات المغربية الثنائية

يعود الغموض الذي يكتنف واقع ومستقبل العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وتونس إلى عوامل رئيسية عدة، تتمثل في عدم وضوح الرؤية لدى الرئاسة التونسية، التي تفتقر إلى التجربة السياسية الكافية، فضلا عن عدم الاستقرار السياسي الذي يمكن أن يبلور رؤية دبلوماسية واضحة في التعامل مع المحيط الإقليمي، بدليل أنه بعد اللقاء الذي جمع وزير الخارجية بتونس نبيل عمار برئيس الحكومة بالمغرب، سرعان ما تم تعويض عمار بوزير خارجية جديد، هو محمد النفطي الذي تم تعيينه في إطار تعديل وزاري موسع قام به الرئيس قيس السعيد قبيل الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 6 أكتوبر 2024.

بالإضافة إلى ذلك، يبدو أن الضغوط السياسية التي تمارسها السلطات الجزائرية قد تلعب دورا مهما في تعقيد المشهد الدبلوماسي بين البلدين؛ فالنظام التونسي يعاني حاليا من أزمة اقتصادية خانقة، تجعل من الصعب على قيس السعيد صياغة سياسة دبلوماسية واضحة تجاه المغرب، خاصة بعد فوز الرئيس الجزائري بولاية رئاسية ثانية لعب فيها عسكريو الثكنات دورا مباشرا وأساسيا في التصويت لصالحه في ظل نسبة مشاركة انتخابية ضعيفة لم تتجاوز 48%.

وبالتالي، سيواصل الرئيس تبون استغلاله لهذه الأزمة الاقتصادية الداخلية لمضاعفة ضغوطه المالية والسياسية على تونس التي أصبحت الحلقة الضعيفة في المنطقة المغاربية التي سيواصل النظام الجزائري توظيفها لفك العزلة الدبلوماسية التي يعاني منها، سواء على الصعيد الأوروبي بعد الموقف الإسباني الأخير، وبخاصة الموقف الفرنسي المساند للتوجه المغربي، فيما يتعلق بالصحراء، أو على الصعيد الأفريقي، خاصة بعد التوتر مع مجموعة من الدول الأفريقية المجاورة، وعلى رأسها الدولة المالية.

ولعل هذا الوضع السياسي غير المستقر سيزيد من غموض التحرك الدبلوماسي التونسي، ويجعل من الصعب تحديد كيفية تعامل السلطات التونسية مع المغرب، خاصة في ظل اقتراب الانتخابات الرئاسية التونسية التي تفتح المجال لكافة السيناريوهات الممكنة، والتي قد تؤدي إلى تغييرات كبيرة في السياسة الخارجية لتونس، مما يزيد من عدم اليقين في العلاقات بين البلدين. في حين بالنسبة للمغرب، فإن عودة العلاقات الثنائية مع تونس إلى طبيعتها رهين بالاعتراف بمغربية الصحراء، وهذا ما تم اعتماده مع فرنسا وإسبانيا وغيرها من الدول التي كانت تناكف المغرب في صحرائه وتونس لن تخرج عن هذا المنحى الذي رسمه عاهل البلاد.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك الخبر

إقرأ أيضا