آخر الأخبار

مستقبل الطلاب في خطر.. "50 دولارا" تهدد التعليم الرسمي في لبنان

شارك الخبر

في بلدة ببنين العكارية شمال لبنان، تواجه مروى مأساة تهدد مستقبل أطفالها بسبب قرار وزير التربية اللبناني عباس الحلبي فرض مساهمة مالية على طلاب المدارس الرسمية في مرحلتي الروضات والتعليم الأساسي.

في 31 أغسطس، أصدر الحلبي قراراً يلزم الأهالي بدفع 4 ملايين و500 ألف ليرة لبنانية عن كل طالب لبناني، وهو ما يعادل حوالي 50 دولاراً، و9 ملايين ليرة، أي نحو 100 دولار، عن كل طالب غير لبناني.

تقول مروى بمرارة لموقع "الحرة"، "يعتقد وزير التربية أن مبلغ الـ 50 دولاراً بسيط، لكنه لا يدرك أن هناك عائلات لا تملك حتى دولاراً واحداً"، وتروي تفاصيل مشاجرتها مع مديرة المدرسة عندما توجهت لتسجيل أطفالها الأربعة، حيث رفضت المديرة تخفيض المبلغ المطلوب، بل طلبت منها أيضاً توفير إخراجات قيد جديدة، ما يعني تكاليف إضافية، حسبما تقول.

زوج مروى عاطل عن العمل نتيجة إصابة في ظهره تعرض لها إثر حادث سير، ولديها طفلة رضيعة في عمر الأربعة أشهر تحتاج إلى حليب، لكنها لا تملك المال لشرائه، وتؤكد أن تمسك الحلبي بقراره سيحرم أطفالها من التعليم، قائلة بقلق "أخشى على مستقبل أولادي. إن حرمانهم من التعليم يعني حرمانهم من أمل في حياة أفضل".

يمثل التعليم الرسمي في لبنان شريان حياة للعديد من العائلات الفقيرة، ومع فرض رسوم تسجيل على الطلاب، يتوقع أن تعجز العديد من الأسر عن حجز مقاعد دراسية لأبنائها.

تهديد خطير

أثار قرار الحلبي جدلاً واسعاً في لبنان، حيث اعتبره كثر عبئاً إضافياً على الأسر اللبنانية وتهديداً لحق آلاف الطلاب في التعليم، خصوصاً في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، في حين اعتبره البعض الآخر ضروري لتأمين الكلفة التشغيلية للمدارس الرسمية.

رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي، الدكتورة نسرين شاهين، تشدد على خطورة قرار وزير التربية، مشيرة إلى أنه "يهدد مجانية التعليم في لبنان"، موضحة أن "الرسوم بدأت مع طلاب الثانوي العام الماضي، حيث فرضت الوزارة مبلغ 750 ألف ليرة على كل طلاب، والآن يتم فرضها أيضاً على طلاب الروضات والابتدائي، في حين يجب أن يكون التعليم مجانياً حتى صف البريفيه."

وتضيف شاهين في حديث لموقع "الحرة" أن "50 دولاراً ليست مبلغاً كبيراً، لكن هناك عائلات لا تستطيع دفعه، راتبها لا يتجاوز 200 دولار، مما يعني أن هذا المبلغ يكفي لمصروف أسبوع."

"تدّعي وزارة التربية أن المبلغ المقرر ليس رسم تسجيل، بل مساهمة في صناديق المدارس"، تقول شاهين "لكن هذه التسمية لا تبرر المساس بمبدأ مجانية التعليم. نحن في الرابطة نعارض زيادة الأعباء على الأهالي، وندعو لتخصيص مخصصات لهم كبدل نقل لمساعدتهم في ظل الأزمة الاقتصادية."

وتشدد على أنه "إذا كان هناك نقص في صناديق المدارس، على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها، فهي تستخدم احتياطيات الخزينة التي تمس بأموال المودعين والجهات المانحة كما تشاء، بينما لا توفر الأموال اللازمة للتعليم ولا تخصص ميزانية كافية للمدارس الرسمية".

وإذا كان هناك بطء في دعم الصناديق من الجهات المانحة هذا العام، فإن ذلك يعود بحسب رئيسة رابطة الأساتذة المتعاقدين في التعليم الأساسي الرسمي إلى "تشكيك هذه الجهات بمصداقية الوزارة في كيفية صرف الأموال"، وتشدد على ضرورة تعامل الوزارة بشفافية شفافة مع هذه الجهات "التي باتت تدقق في كيفية صرف الأموال التي تقدمها".

وتشير إلى أن "أموال صناديق المدارس الرسمية كانت تغطي العام الماضي الكلفة التشغيلية، لكن بعد أن أخذ 2200 أستاذ رواتبهم من هذه الصناديق التي مولتها اليونيسيف، باتت تعاني من شح، في حين أن وزارة التربية تتحمل مسؤولية دفع هذه الرواتب".

تداعيات كارثية

يعبّر رئيس اتحاد روابط مخاتير عكار ومختار بلدة ببنين، زاهر الكسار عن قلقه إزاء قرار الحلبي، مؤكداً أن "هذا القرار سيزيد من تفاقم المشاكل التي يعاني منها المجتمع اللبناني".

ويقول الكسار لموقع "الحرة" أنه "رغم معاناة اللبنانيين في مناطق عدة مثل طرابس، عكار، الجنوب وبعلبك، من الفقر الشديد، يصدر وزير التربية مثل هذا القرار غير آبه بأن 30 إلى 40% من الأهالي لن يتمكنوا من تسجيل أولادهم في المدارس، فمبلغ الـ50 دولاراً كبير جداً بالنسبة للعائلات المحتاجة، وهو إجرام بحق الأطفال الفقراء والأيتام."

ويشير إلى أن "عدداً من الأهالي يتواصلون معي، ومن لديه ثلاثة أولاد يحتاج إلى 150 دولاراً، بالإضافة إلى أسعار القرطاسية المرتفعة جداً"، ويضيف "حين يكون التسجيل في المدارس الرسمية مجانياً يمكن للأهل تأمين القرطاسية لأبنائهم".

كما يطالب رئيس جمعية السالم الاجتماعية، سالم العتري، وزير التربية بالتراجع عن قراره، مؤكداً أنه "يستهدف الفقراء بشكل مباشر ويشجع على التسرب المدرسي والجهل والانحراف."

ويشير العتري في حديث لموقع "الحرة" إلى أن هذا القرار "يزيد من الضغط على المواطنين الذين لا يستطيعون تحمل تكاليف التسجيل"، داعياً إلى التكاتف من أجل تخفيف العبء عن الأهالي ودعم التعليم، الذي يعتبره "سلاح المستقبل والعمود الفقري لبناء جيل واعد".

تحديات متعددة

تواجه وزارة التربية اللبنانية تحديات كبيرة في إطلاق العام الدراسي الجديد، أبرزها تأمين مستحقات الأساتذة التي لا تزال محسوبة على سعر صرف 1500 ليرة للدولار، حيث يدفع للأساتذة 150 ألف ليرة فقط مقابل ساعة التدريس، وتشير شاهين إلى أن "الزيادة في الرواتب يجب أن تكون مدرجة ضمن أساس الراتب، لأنها تضمن للأساتذة العيش الكريم وتؤثر أيضاً على معاشاتهم التقاعدية"، مؤكدة أن استمرار الوضع الحالي يهدد الاستقرار المالي للأساتذة ويزيد من الضغوط على قطاع التعليم في البلاد.

وعن الكتب المدرسية تعلّق "من المفترض أنها على عاتق وزارة التربية، لكنها إلى حد الآن لم تعلن فيما إن كانت الكتب ستكون مؤمنة لهذا العام" لافتة إلى أن بعض الطلاب اضطروا العام الماضي إلى تصوير دروسهم عبر الهاتف أو في المكتبات.

كما تساءلت شاهين عن خطة الوزارة لاستيعاب الطلاب والأساتذة النازحين من المناطق غير الآمنة في جنوب لبنان في ظل هذه الأزمة، لافتة إلى أن "المدارس الرسمية تضم حوالي 270 ألف طالب قبل الظهر، منهم نحو 20% سوريون، وحوالي 150 ألف سوري بعد الظهر".

تواصل الكسار مع مرجعيات عدة، فأشاروا إلى أن صناديق المدارس فارغة وأن مبلغ الـ50 دولاراً ليس شيئاً كبيراً ويمكن للأهل توفيره، لكن مختار ببنين يعتبر أن "هذا ليس حلاً. من لديه الأموال لن يسجل أولاده في المدارس الرسمية، بل في المدارس الخاصة."

ويقول إن أحد المسؤولين اقترح عليه جمع الأموال لتسجيل الطلاب، لكنه يتساءل "كم عدد الطلاب الذين سنتمكن من تسجيلهم؟ وحتى لو نجحنا في تسجيل جميع الطلاب في بلدتنا فما حال الطلاب في البلدات الأخرى؟"

إذا لم يتراجع الوزير عن قراره، فإن الكسار يحذّر من أن "عدداً من الطلاب سيفقد فرصة التعليم، بينما سيضطر بعض الأهالي إلى الاستدانة لتسجيل أبنائهم في المدارس الرسمية، في وقت كان بإمكان الحكومة تأمين المبلغ من جهات مانحة".

دعوات لإلغاء القرار

أشعل قرار الحلبي جدلاً حول مدى شرعيته، فاعتبره رئيس بلدية طرابلس، الدكتور رياض يمق، "يخالف مرسوم إلزامية التعليم ومجانيته حتى سن 15 عاماً في المدارس الرسمية، ويتعارض مع المعاهدات الدولية".

وناشد يمق وزير التربية التراجع عن قراره، مشيراً إلى أن "الأهالي في لبنان، وخاصة في مناطق طرابلس، المنية، الضنية، عكار، البقاع، والجنوب، غير قادرين على تأمين هذه المبالغ، فكيف إذا كان رب العائلة لديه أكثر من ثلاثة طلاب، في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية والقاسية التي تعاني منها البلاد".

ورأى يمق أن "الحل الوحيد لإنجاح العام الدراسي وعدم تشريد التلاميذ إلى الشارع هو إلغاء قرار رسم التسجيل الذي سيؤدي حتماً إلى التسرب المدرسي وبالتالي إغلاق العشرات من المدارس الرسمية".

من جانبه، رفض الرئيس السابق للحزب التقدمي الاشتراكي، وليد جنبلاط، قرار الحلبي، معتبراً أن "هذه المقاربة مخالفة للدستور وللحد الأدنى من العدالة الاجتماعية ولمبدأ مجانية التعليم".

كما دعا النائب أشرف ريفي الوزير الحلبي إلى إلغاء قراره، معتبراً في تغريدة عبر صفحته على منصة "اكس"، أنه"من غير المقبول أن نحمّل الناس لتعليم أولادهم ما يتجاوز المنطق والطاقة".

من جهة أخرى، عبّر النائب السابق مصباح الأحدب في تغريدة عبر منصة "اكس" عن استيائه من حكومة تصريف الأعمال التي "تعمل على إقرار قانون يحمّل المودعين 85 بالمئة من الخسائر بدل أن تهتم بتصريف الأعمال الفعلية، ومنها تأمين استمرارية التعليم الرسمي".

وأشار إلى أن "رسم 50 دولار الذي فرضته وزارة التربية على كل طالب سيضرب جيلاً بأكمله، وسيسمح لكل صاحب مشروع غير لبناني من استغلال جهل الشباب واستخدامهم في مشاريع غير لبنانية".

الحرة المصدر: الحرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا