آخر الأخبار

درنة: كيف أصبحت المدينة الليبية بعد عام من كارثة انهيار السدين؟

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

قبل يومين من الذكرى السنوية الأولى لسيول مدينة درنة الليبية، مر وهيب الجدايمي - وهو رجل أربعيني فقد جميع أفراد عائلته - بمسجد الصحابة في منطقة "وسط البلاد" في المدينة حيث كان يعيش سابقاً، وهي المنطقة ذاتها التي جرفتها السيول بالكامل قبل عام.

يستذكر وهيب في حديثه لبي بي سي اللحظات الأولى للكارثة: "صوت الأمطار الغزيرة، جريان السيول، صوت انفجار السدّين، وصراخ الناس، كأنها البارحة"، كما يقول.

في سبتمبر/أيلول 2023، ضربت عاصفة متوسطية عدة دول في حوض المتوسط، وهي اليونان وتركيا وبلغاريا وليبيا ومصر، وتسببت في خسائر مادية كبيرة قدرتها السلطات اليونانية بأكثر من ملياري دولار، وتسببت في مقتل خمسة أشخاص في تركيا، إلا أن الضرر الأكبر للعاصفة كان في ليبيا، وبالتحديد في مدينة درنة شمال شرق البلاد.

كان وهيب وعائلته في ذات المنزل حين دخلت العاصفة دانيال إلى الأجواء الليبية، ويتذكر أن "المشهد كان مخيفاً يومها"، الأمطار كانت تهطل بغزارة منذ مساء يوم 10 من سبتمبر/أيلول، وارتفع منسوب مياه مجرى الوادي الذي كان يفصل المدينة لجزئين، وكانت مياهه تتدفق بسرعة باتجاه البحر، ومع حلول منتصف الليل، تسببت العاصفة في قطع خطوط الاتصالات والكهرباء عن كامل المدينة، وانقطعت منها الأخبار حتى صباح اليوم التالي.

في صباح 11 سبتمبر/أيلول 2023، أظهرت مقاطع فيديو وصور حجم الدمار الكبير الذي حل بالمدينة التي انهار سداها المتهالكان أساساً جراء غزارة الأمطار في الليلة السابقة، يقول وهيب إنه سمع صوت انفجار السدين بوضوح قرابة الساعة الثالثة فجراً من تلك الليلة، وأدى انهيارهما إلى تدفق ما قدرته السلطات الليبية بنحو 30 مليون متر مكعب من المياه، وتسببت في جرف عدد من الأحياء بالكامل ومقتل وفقد الآلاف.

وقررت حكومة الوحدة الوطنية الليبية، يوم الحادي عشر من سبتمبر/أيلول - اليوم الذي ضربت فيه عاصفة دانيال مدينة درنة - يوم حداد وطني في كامل أنحاء البلاد بسبب الخسائر الكبيرة الذي خلفتها في المباني والأرواح، وعلى الرغم من مرور عام على الكارثة، إلا أنه لاتوجد حتى اليوم إحصائيات نهائية للقتلى والمفقودين بسبب الانقسام الحاصل بين الحكومتين المتنافستين في شرق البلاد وغربها، ويقول الهلال الأحمر الليبي إن فرقه تلقت بلاغاً عن فقدان 3,975 شخصاً، وانتشلت 2,317 جثماناً طيلة فترة عملها في المدينة والتي استمرت ثلاثة أشهر، بينما تقول حكومة شرق ليبيا إن عدد القتلى المسجلين لدى وزارة الصحة التابعة لها وصل إلى 3,845 شخصاً، ورفضت هيئة المفقودين التابعة لحكومة الوحدة الوطنية غرب البلاد، أن تكشف لبي بي سي عن أي إحصائيات حتى الآن.

فقد وهيب والديه وزوجته وابنته واثنين من إخوته، أحدهما فُقد مع زوجته وابنته، وحتى يومنا هذا، لا يزال الرجل يطالب بالكشف عن مصير أفراد عائلته، أو حتى مكان دفن جثامينهم.

يقول وهيب إن السلطات الليبية قامت بتشكيل لجنة للبحث عن المفقودين، وقامت بأخذ عينات للحمض النووي لمطابقتها مع الجثث التي تم العثور عليها، لكن تلك اللجنة لم تستطع الكشف عن مكان جثث أفراد عائلته حتى الآن.

أما عائشة – وهو اسم مستعار لأم من درنة – فلا تعرف ما إذا كان الحظ حليفها حين وجدت جثامين زوجها وطفليْها، أم أنه خالفها حين علمت أنهم قتلوا بعد أن جرفتهم السيول.

تروي عائشة لبي بي سي: "كنا في منزلنا بمنطقة وسط البلاد ، أنا وزوجي وأطفالي الثلاثة أثناء حدوث العاصفة، ولم نكن نعرف ماذا يحدث حولنا، لكنها كانت من أقسى اللحظات في حياتي"، وأكملت بصوت يرتعش حزناً: "توفي زوجي وطفلاي، جرفتهم السيول مع المنزل، ونجوت أنا وابنتي التي تبلغ من العمر 14 عاماً فقط".

وتقول عائشة: "عندما أفقت من الإغماء وجدت إصابات في رأسي وكتفي بسبب سقوط جدران المنزل، وجرفتنا السيول أنا وأسرتي إلى نهاية الشارع، وانتهت بي فوق سقف سيارة أنا وابنتي، أما زوجي وأطفالي، فظلوا مفقودين لفترة، حتى عثرنا عليهم بعد شهرين ونصف".

"القيامة الصغرى"

تأثر سكان درنة بشدة من العاصفة، فإلى جانب الخسائر في المباني والأرواح، ظل الكثير من سكان المدينة المنكوبة في حالة صدمة بعد أن عاشوا ما وصفوه بـ"القيامة الصغرى"، كما تخبرنا المعالجة النفسية الدكتورة صبرية الشاوش والتي عادت للتو من مدينة درنة حين تحدثت معها بي بي سي، إذ كانت ضمن فريق لتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمتضررين طوال العام الماضي.

تقول الدكتورة صبرية إن عدداً كبيراً من المواطنين تم تشخيصهم باضطراب ما بعد الصدمة، مشيرة إلى أن عدداً كبيراً منهم تمت إحالتهم إلى مراكز متخصصة لعلاجهم.

وأشارت الدكتورة صبرية إلى أن فرق الدعم النفسي وثقت عدداً من الحالات التي "حاولت الانتحار أكثر من مرة"، ومن بينها سيدة فقدت جميع أبنائها خلال السيول، وتوضح: "كانت الأوضاع كارثية جداً، حتى من قدموا إلى المدينة من خارجها تضرروا نفسياً بشكل كبير".

وبعد عام من الحادثة، تقول الدكتورة صبرية أن غالبية من تلقوا الدعم النفسي والاجتماعي بدأوا في تجاوز ما جرى، إذ تم إدراج العديد منهم - خاصة النساء والأطفال - في أنشطة وبرامج مجتمعية، وتم استهداف أكثر من ثمانية آلاف طفل للتركيز على دعمهم، مشيرة في ذات الوقت إلى أن هناك عدداً من الحالات المتقدمة التي لا تزال تحتاج إلى فترة أطول للتعافي بشكل كامل.

ويرى بعض من تحدثنا معهم من المتضررين في درنة أن تخصيص يوم للحداد الوطني لن يساعدهم في التعافي من صدمة ذلك اليوم، حيث أن استذكار صور الضحايا ومشاهد الكارثة سيعيد لهم "التفاصيل المرعبة" التي عاشوها في تلك الليلة.

في حين تقدّر اليونيسيف أن السيول في درنة أثرت على أكثر من 300 ألف طفل، واعتبرتهم "جيلاً كاملاً" تضرر بشكل مباشر، حيث عاش هؤلاء الأطفال أكثر من 15 ساعة، إما تحت أنقاض منازلهم أو جرفتهم المياه لأماكن عدة، أو حتى بجانب جثث أشخاص آخرين لقوا حفتهم، وربما جثث عائلاتهم.

وتوضح المنظمة الأممية أن هناك أطفالاً أصيبوا بالاكتئاب وآخرين فقدوا القدرة على النطق، والقدرة على الحركة، وعانوا من اضطراب النوم بسبب ما عاشوه.

أما ابنة عائشة ذات الأربعة عشر ربيعاً، كانت معانتها كطفلة مختلفة عن غيرها، فكونها ولدت لأب غير ليبي، تعيش الآن دون أي أوراق ثبوتية بسبب تلف "الأرشيف الخاص بالأجانب" كما تقول والدتها، إذ يتم تسجيل الأجانب في ليبيا ضمن سجل مدني خاص ويشمل ذلك أزواج المواطنات الأجانب وأبنائهم باعتبار أن ليبيا لا تمنح الجنسية لأبناء المتزوجات من غير الليبيين.

سكتت الأم لوهلة، وتنهدت بحسرة قبل أن تقول: "للأسف تم تمييزنا في كثير من الإجراءات وحُرمت من كثير من المزايا بسبب أنني زوجة أجنبي وابنتي غير ليبية، لا توجد برامج أ ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بي بي سي المصدر: بي بي سي
شارك الخبر

إقرأ أيضا