الحدث الذي يستمر ثلاثة أيام، والذي وصفته وزارة الخارجية الصينية بأنه "أكبر حدث دبلوماسي تستضيفه الصين في السنوات الأخيرة"، ليس سوى واحد من سلسلة من البرامج والمبادرات والتجمعات التي أطلقتها بكين لتوثيق روابطها الدبلوماسية والتجارية مع دول في جميع أنحاء الجنوب العالمي.

على مدى العامين الماضيين، خضع نهج شي جين بينغ تجاه العالم النامي لتغيير كبير: فقد أصبحت الصين بشكل متزايد مهووسة بالتنافس الجيوسياسي مع الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها. هذا التحول سيكون له عواقب كبيرة على علاقات بكين مع الجنوب العالمي، ودور الصين في النظام الدولي، ومستقبل مسار قوتها العالمية.

ووفق تقرير المجلس، فإن:

  • الهدف من "استراتيجية شي" هو بناء تحالف من الدول داخل الجنوب العالمي ليكون بمثابة ثقل موازن لنظام التحالف العالمي الأميركي وقاعدة لتعزيز المصالح السياسية والاقتصادية والأيديولوجية للصين.
  • يريد شي تقويض النظام الدولي القائم على القواعد الذي تقوده الولايات المتحدة من خلال إنشاء نظام بديل بقيادة الصين قائم على مبادئ سياسية غير ليبرالية يمكنها من دحر نفوذ الولايات المتحدة وتشكيل حوكمة عالمية من خلال المؤسسات والمنتديات الدولية، على حد وصف التقرير.
  • لقد أدى هذا الهدف إلى تعزيز أهمية الجنوب العالمي في السياسة الخارجية الصينية.

ويوضح التقرير أن مواجهة طموحات شي تتطلب من واشنطن تخصيص المزيد من الموارد الدبلوماسية والمالية والتركيز على العالم النامي، فضلاً عن تعزيز رؤيتها الخاصة للحوكمة العالمية الأكثر شمولاً في إطار النظام الدولي الليبرالي القائم.

ما الذي يدفع الصين لتوسيع نطاق تواجدها في الجنوب العالمي؟

يشير تقرير المجلس إلى أن التغيير في نهج بكين تجاه الجنوب العالمي هو جزء من معاداة شي المتزايدة لأميركا، والتي تشكل معظم جوانب برنامجه السياسي في الداخل والخارج. كما أن التركيز المتزايد من جانب شي على "الاكتفاء الذاتي" الاقتصادي وتطوير التقنيات المحلية من خلال البرامج الصناعية التي تقودها الدولة مصمم للقضاء على نقاط ضعف الصين في مواجهة العقوبات المحتملة من واشنطن.

وفي سياسته الخارجية، تحدى شي بشكل أكثر صراحة النظام الذي تقوده الولايات المتحدة، على سبيل المثال، من خلال الترويج لإطاره الأيديولوجي لإعادة تشكيل الحوكمة العالمية من خلال مبادرته للأمن العالمي ومبادرة التنمية العالمية.

ويضيف التقرير: إن الدوافع وراء سياسة شي تجاه الجنوب العالمي متشابهة ــ حماية أمن الصين وتعزيز المصالح الصينية العالمية في بيئة من المنافسة المتزايدة مع الولايات المتحدة.

في البداية، كان الغرض الأساسي لشي في نهجه تجاه الجنوب العالمي هو تعزيز الروابط السياسية والاقتصادية الصينية مع البلدان النامية لتعزيز المصالح العالمية للصين. وقد صُممت مبادرة الحزام والطريق التي أعلن عنها في عام 2013 لتعزيز التجارة والتمويل والاستثمار بين الصين والجنوب العالمي وملاحقة المصالح التجارية الصينية في الأسواق الناشئة.

وتهدف مشاركة الصين في المنتديات مثل منظمة شنغهاي للتعاون وترويجها أيضا إلى تعزيز مثل هذه العلاقات، فضلا عن تعزيز صوت البلدان النامية في الشؤون الدولية. ومن خلال كل هذه المبادرات، كان شي يعتزم تصوير الصين كبديل للولايات المتحدة وشركائها وكبطل لمصالح الدول الأكثر فقرا في العالم.

التحول الذي يقوده شي

لقد بدأ التحول في نهج شي يصبح واضحا مع اندلاع الحرب في أوكرانيا. فمن خلال إقامة علاقة "بلا حدود" مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في فبراير 2022 ــ بينما كان الجيش الروسي على أهبة الاستعداد على حدوده مع أوكرانيا، استعدادا للحرب ــ اتخذ شي خيارا مصيريا: ملاحقة موقف أكثر صراحة في المواجهة تجاه الولايات المتحدة وحلفائها وشركائها، وهو ما من شأنه أن يفتح حتما انقساما أعمق بين الصين والديمقراطيات المتحالفة معها.

وبمجرد أن دخلت دبابات روسيا إلى أوكرانيا بعد ثلاثة أسابيع، أصبحت هذه النتيجة حتمية. فقد حفزت الحرب شراكات الأمن بين حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة ودول المحيطين الهندي والهادئ، مما سمح للرئيس الأميركي جو بايدن بسد بعض الخلافات داخل هذه التحالفات فيما يتصل بالسياسة تجاه الصين.

ونتيجة لهذا، تمكنت الولايات المتحدة وشركاؤها في أوروبا ومنطقة المحيطين الهندي والهادئ من صياغة موقف أكثر تنسيقا وتماسكا فيما يتصل بسياسة الصين. وكلما سعى شي إلى إقامة علاقات أقوى مع بوتين، حتى مع استمرار الحرب في أوكرانيا، أصبحت سياسة حلفاء الولايات المتحدة تجاه الصين أكثر صرامة. فخلال قمة مجموعة السبع الأخيرة، على سبيل المثال، حذر زعماء المجموعة الصين جماعيا من ضرورة وقف المساعدات المقدمة إلى روسيا والتي تدعم جهود موسكو الحربية أو مواجهة العقوبات.

كان قرار شي بالتحالف مع بوتين خيارا واعيا، وليس مفروضا عليه. فقبل الحرب في أوكرانيا، لم يكن زعماء أوروبا متفقين على رأي واحد بشأن الصين، ولم يكونوا متفقين تماما مع موقف واشنطن. وكانت بكين تحرز تقدما في استغلال هذه الخلافات لتقسيم الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بشأن القضايا المتعلقة بالصين. ورغم أن شي يواصل بذل بعض الجهود لتقسيم الحلفاء ــ ويبدو أنه حدد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون باعتباره حلقة ضعيفة ــ فإن شراكته مع بوتين جعلت هذه المهمة أكثر تحديا، إن لم تكن ....