آخر الأخبار

"حياة الماعز".. تشويه للسعودية أم واقع حقيقي؟

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

"هذا الفيلم لا يحمل إساءة لأي دولة، أو شعب، أو مجتمع، أو عرق"، بهذه العبارة ينطلق الفيلم الهندي "حياة الماعز" الذي يعرض على منصة "نتفليكس"، ويحكي "قصة حقيقية" لعامل هندي يدعى "نجيب" وصل مطلع التسعينيات إلى السعودية، ليجد نفسه تحت رحمة "كفيل" وهمي، أودى به إلى الصحراء، في رحلة استعباد وظروف غير إنسانية للعيش امتدت لـ 3 أعوام قبل الهرب.

بتلك العبارة الافتتاحية، حاول صناع الفيلم والقيمون عليه، تفادي ما حصل فعلاً، ويبدو كان متوقعا، من ضجة وانزعاج كبيرين لدى الجمهور الخليجي بشكل عام، والسعودي بصورة خاصة، بعدما شكل العمل السينمائي منطلقاً لمهاجمة نظام الكفالة القائم في السعودية للعمالة الأجنبية، وما يتيحه من تجاوزات تمس بحقوق العامل وحقوق الإنسان الرئيسية، كانت على مدى عقود ماضية موضع انتقاد وتصويب منظمات إنسانية وجهات حقوقية دولية.

ووصل تأثير الفيلم إلى حد إثارة انتقادات سياسية للمملكة، التي تسعى جاهدة خلال السنوات الماضية لتحسين صورتها أمام العالم، وإبراز التغييرات الجوهرية التي تشهدها في سياق "رؤية 2030" على الأصعدة الاجتماعية والاقتصادية والحقوقية.

جدل كبير شهدته مواقع التواصل الاجتماعي في السعودية وبعض الدول العربية، لاسيما الخليجية، بين مناصرين للفيلم ورسالته، مؤكدين على ما يحمله من تصوير لواقع العمال الأجانب ومساوئ نظام الكفالة في السعودية، وبين من يرون في الفيلم قصة خيالية غير واقعية، تحمل مؤامرة تهدف لتشويه صورة السعودية، ومطيّة لمهاجمتها في وقت حساس تستعد فيه لاستقبال فعاليات عالمية، أبرزها كأس العالم للعام 2034.

قصة الفيلم

"حياة الماعز" وبالإنجليزية "The Goat Life”، و "أدوجيفيثام" باللغة المالايامية، التي يتحدثها سكان ولاية كيرلا في الهند حيث ينحدر بطل القصة، هو اسم الفيلم المنبثق عن رواية للكاتب الهندي بنجامين، نشرت بعنوان "أيّام الماعز" عام 2008 وتصدرت الأكثر مبيعاً حينها، تحكي قصة حقيقيّة حدثت عام 1991، حيث نجح الشاب الهندي "نجيب"، بطل الفيلم، في الحصول على فرصة عمل في السعودية كلفته 650 دولارًا، بعدما باع كل ما يملكه، ليصل إلى المملكة، وتتبدّد كل أماله، حين تعرض للخداع من رجل ادعى أنه كفيله عند وصوله إلى المطار، نقله إلى الصحراء واحتجزه هناك ليرعى الماعز والأغنام في ظروف قاسية غير إنسانية لمدة 3 سنوات، قبل رحلة هروبه.

يصور الفيلم على مدى 3 ساعات، كيف انعكس ما حصل مع "نجيب" على وضعه النفسي والذهني والجسدي، وكيف حولته التجربة المريرة إلى إنسان جديد مهشّم معنف، يعجز حتى عن التعرف على نفسه في المرآة.

يجسد الفيلم مساوئ نظام الكفالة السعودي الذي كان قائما، وكيف جعل العمال الأجانب، لاسيما الأكثر ضعفاً، تحت رحمة "الكفيل" الذي سمح له القانون التحكم بكافة جوانب حياته، من المأكل والمشرب والمسكن، وحتى الحق في التنقل والسفر والانتقال في العمل، وهو ما يمثل انتهاكاً متعدد الجوانب لأبسط حقوق الإنسان والعامل.

وقد سجل الفيلم، من إخراج الهندي بليسي إيبي توماس، نجاحاً كبيراً مع عرضه ونال استحسان النقاد، حيث تصدر قائمة الأكثر مشاهدة في العديد من دول العالم، لاسيما العربية منها، وحصد في الهند 5  جوائز في مهرجان "كرييتف كريتكس" السينمائي في جنوب الهند، حيث نال جائزة أفضل فيلم، وجائزة أفضل ممثل دور أول، وجائزة أفضل موسيقى، وجائزة أفضل هندسة صوت، وجائزة أفضل مخرج.

لم تثر الضجة الأكبر حوله مع بداية عرضه في مارس، ولا مع إتاحته على منصة نتفليكس في يوليو الماضي، إلا أن صدور الترجمة العربية له في أغسطس الجاري، رفع من نسب مشاهدته في الدول العربية، وأطلق العنان لردود أفعال أوسع، جعلت الفيلم حديث مواقع التواصل الاجتماعي في الخليج العربي على مدى الأيام الماضية.

وبالإضافة إلى نظام الكفالة السعودي، أثار الفيلم انتقادات واسعة لناحية ما وصف بالإساءة للعرب بشكل عام، ولشخصية الرجل البدوي السعودي، الذي تم تصويره على أنه "جشع قاس، بخيل ومحتال وقذر"، حيث يصف "نجيب" كفيله، الذي أدى دوره الممثل العماني طالب البلوشي، في إحدى المشاهد على أنه رجل "لم يلمس الماء جسده منذ سنوات، نتن يستحم ببوله وعرقه"، وهو ما وصف بأنه تنميط مسيء للبدو والعرب بشكل عام، وأثار انتقادات للبلوشي نفسه ولقبوله "الدور المسيء". 

مشاهد الفيلم الهندي، والتي جرى تصويرها بين الأردن والجزائر والهند بشكل أساسي، واستغرق تصويره نحو 5 أعوام، حملت بدورها بحسب الانتقادات، "التنميط المعهود" للدول العربية وطبيعتها والمشاهد المتوقعة منها، والتي لطالما أثارت من قبل انتقادات لشركات إنتاج الأفلام السينمائية العالمية، لاسيما "هوليوود"، ما أوقع الفيلم بحسب الانتقادات "في فخ التعميم والتحيز".

"من نسج الخيال"

فيلم من هذا المستوى مقدم على أنه "قصة حقيقية"، كان يفترض وفقاً لما يقول الناقد الفني السعودي ورئيس قسم الفن والثقافة في جريدة الرياض، عبد الرحمن الناصر، أن يكون "واقعياً أكثر، وليس من نسج الخيال."

وفي حديثه لموقع "الحرة"، يوضح الناصر أن هذا الفيلم الذي يحكي قصة وقعت قبل 33 عاماً، لم يراع الواقع الذي يدركه جميع السعوديين، لناحية نظام الجوازات والعمالة في السعودية في حينها، والذي كان واضحاً جداً فيما يتعلق بالكفيل والمكفول للعمالة بشكل عام.

حيث "لم يكن ممكنا بأي حال من الأحوال"، وفق الناصر، أن يخرج العامل الوافد من المطار في السعودية، بدون كفيله الرسمي، وبدون توقيعه على التزامات تحمي الطرفين، "هذا النظام قديم جدا ومعمول به منذ ما قبل ذلك التاريخ."



 وعليه يرى الناقد الفني السعودي أن قصة الفيلم بنيت على "جهل من القيمين بماهية الأنظمة في السعودية، حيث لم يدرسوا الواقع بما فيه الكفاية ليعكسوه في الفيلم المقدم كقصة حقيقية، وهو ما أدى إلى أخطاء جسيمة جداًِ أنتجت هذه البلبلة، وعكست نيّة لتشويه صورة المملكة."

بالإضافة إلى ما سبق، يعدد الناصر أخطاءً كثيرة وردت في الفيلم، من بينها مشهد دخول أحد المفتشين السعوديين وقيامه بضرب أحد العمال، "وهذا ما لا يمكن أن يحصل في السعودية لا من قبل ولا الآن، خاصة وأن السعودية واضحة في رعايتها للمواطنين والمقيمين على حد سواء ولا تفرق بينهما، وهذه سياسة عميقة جدا ومعتمدة في السعودية نتيجة وعي المسؤولين لكون هذه العمالة الأجنبية تساهم وتساعد في صناعة مستقبل هذه الدولة، لذا فإنها تضع القوانين التي تحدد حقوق العاملين وتحميهم كما تحمي المواطن."

هذه القصة "لم ولن تحصل في السعودية"، بحسب ما يؤكد الناصر، والذي يعتبر أن الصورة المقدمة في الفيلم للمواطن السعودي وأهل البادية السعودية والرجل البدوي، "تناقض المعروف عنه من أصالة وكرم وعطاء."  

ويلفت الناصر إلى أن الفيلم الذي أتى ضمن فئة "القصة الأصلية"، وهي الفئة المفضلة في المهرجانات السينمائية وحظوظها الأعلى في تصدر المراتب وتحقيق الأرقام القياسية في نسب المشاهدة والعرض في دور السينما، "ولكن هذه الفئة يكون فيها الحرص كبيرا على ملاءمة الحقيقة، بعكس هذا الفيلم الذي ناقض الواقع السعودي، فشوه الصورة الحقيقية للسعودية والخليج وبالغ في التصوير التنميطي والخيالي."

لماذا الآن؟

من جهته، يرى الكاتب والناقد الفني السعودي أحمد البن حمضة، أن الجدل القائم حول الفيلم، لا يقتصر فقط على جمهور يدافع عن نفسه أو صوره بلده ضد رواية الفيلم، "ولكن هناك أيضاً جهات معيّنة أخذت الفيلم إلى سياقات أخرى، لتقدمه وكأنه "يعري السعودية" والخليج بشكل عام، فبات الفيلم مطية لمن يريد مهاجمة السعودية." 

 

يحمل الفيلم بحسب الناقد الفني "إساءة واضحة لا لبس فيها للسعودية وشعبها وللخليج، إن كان عبر الحوارات الواردة فيه خاصة مع بداية الفيلم، أو من خلال المشاهد النمطية المصورة، كذلك في الخاتمة حيث كان هناك رسالة "زادت الطين بلة"، وفحواها أن هذا الفيلم لا يهدف إلى تقديم قصة البطل فقط، وإنما قالوا إنه موجه لكل شخص "ضاع في صحراء الخليج" بشكل عام، وهو ما يوحي أن صحراء الخليج أو السعودية تبتلع العمال الأجانب."

الإشكالية ليست بالكلام عن الأمر، وفقاً للكاتب والناقد السعودي، تكمن في "من يتكلم عن الأمر، هل هو مخول أن يتحدث؟" مضيفاً أنه وإذا ما كان هناك حساسية لدى الجمهور الخليجي تجاه هذا النوع من الأفلام، فإنها ناجمة عن كونها تعزز الصورة النمطية والإساءة المستمرة التي عادة ما تقدمها السينما الغربية وحتى الهندية في تصويرها للعرب وبلادهم وسلوكهم.

إلا أن الفيلم لم يكن التماس الأول للجمهور السعودي، مع القصة الأصلية للرجل الهندي، حيث كانت ولا تزال الرواية المكتوبة عام 2008 متوفرة ومتاحة في السوق السعودية، وبالتالي لم يكن هناك مشكلة مع الرواية نفسها، بحسب ما يؤكد البن حمضة لموقع "الحرة".

ويعيد الناصر، وهو مستشار الاتحاد العام للفنانين العرب، سبب عدم إثارة الرواية المكتوبة منذ سنوات لتلك الضجة، إلى واقع أن للروايات روادها المخمليين، حيث لا تأخذ الانتشار الواسع في الأوساط الشعبية كما هو حال الأفلام والسينما، وبالتالي لم تبرز القصة وتنتشر بهذا الشكل كما في الفيلم، ولم يناولها الإعلام الجديد ووسائل التواصل كما هو حاصل الآن.

ويضيف أن هناك الكثير من الكتب التي تنشر وتسوق في السعودية، خاصة الآن، "حيث تعيش المملكة حقبة مختلفة تنظر إلى المستقبل بعين مشرقة وانفتاح وتشهد تطوراً كبيرا وسريعاً على أصعدة مختلفة من بينها الصعيد الفني والثقافي والترفيهي والعمراني والسياحي، بحيث باتت تزاحم العالم المتقدم، وبالتالي تفسح المجال أمام العديد من الأعمال والانتاجات الثقافية والفنية ومن بينها روايات عديدة مثل رواية هذا الفيلم."

ما علاقة كأس العالم؟

في المقابل يحسم الناصر أن هذا الفيلم "وجد ليشوه سمعة السعودية في الماضي والحاضر"، خاصة وأنه يأتي في وقت تشهد السعودية اندفاعة وانطلاقة كبيرة في مختلف المجالات، "اليوم نشهد في السعودية كأس العالم للألعاب الإلكترونية وسنشهد أولمبياد الألعاب الإلكترونية، وبطولة آسيا، وكأس العالم 2034، وبالتالي أرى أن كل ذلك مرتبط وليس من فراغ، لأننا بلاد بات لديها رؤية مستقبلية تزاحم الدول المتقدمة."

ويشدد الناقد الفني أن صورة السعودية الإيجابية أمام العالم اليوم "أوضح، وليس من السهل والبسيط تشويهها، ففي مقابل هذا الفيلم الواحد الذي يحكي قصة شخص واحد، هناك الملايين من الجاليات الذين يعيشون ويعملون في السعودية ونتشارك معهم حياتنا في هذه البلاد، حتى أن بعضهم يحب ويحترم السعودية أكثر من أوطانهم الأم."

فوز السعودية في استضافة فعاليات كأس العالم لعام 2034، حوّل أنظار المهتمين بواقع العمال، ولاسيما العمالة الأجنبية، من دولة قطر التي كانت المضيف الماضي وتعرضت لانتقادات واسعة من المنظمات الحقوقية بشأن واقع العمال الأجانب بعد تسجيل نسب وفيات عالية في صفوفهم نتيجة ظروف العمل القاسية، إلى السعودية التي ستكون المضيف المستقبلي، لاسيما وأن الفيفا تلتزم بقواعد وشروط تتعلق بالعناية الواجبة بشأن حقوق الانسان ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الحرة المصدر: الحرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا