آخر الأخبار

حضارات سريعة الزوال.. لماذا اندثرت مدن أوروبية فجأة قبل 6200 سنة؟

شارك الخبر

مقدمة للترجمة

يحاول علماء الآثار والأنثربولوجيا حل لغز طالما أرق الكثيرين منهم، يتعلق بحضارة تريبيليا التي نشأت قبل أكثر من ستة آلاف سنة شرقي أوروبا، لكنها فنت بشكل مفاجئ، ولم تترك ورائها أية آثار بشرية يمكن دراسة حمضها النووي. في هذه المادة المترجمة من نيوساينتست، يحاول فريق من العلماء اقتراح أسباب لفناء تلك الحضارة الصغيرة، وخلالها نتعلم بعضا من أساليب تفكير علماء الآثار والأنثربولوجيا المعاصرين.

 

نص الترجمة

قبل حوالي 6200 عام تقريبًا، قرر المزارعون الذين يعيشون في ضواحي شرق أوروبا -المعروفة الآن بأوكرانيا- القيام بأمرٍ عصي على التفسير. إذ خلَّف هؤلاء وراءهم قراهم التي بنوها في العصر الحجري الحديث نازحين إلى الغابات والسهوب ذات الكثافة السكانية المنخفضة. وهناك في تلك المنطقة التي يُقارب حجمها حجم بلجيكا تقريبًا وتقع بين مدينتي كييف وأوديسا اليوم، تجمّعوا في مستوطنات جديدة بلغ حجمها ضعف حجم مستوطناتهم القديمة بـ20 مرة.

تعود هذه الثقافة الغامضة، المعروفة باسم "كوكوتيني-تريبيليا"، إلى زمن يسبق أقدم المدن المعروفة في بلاد ما بين النهرين (ميزوبوتاميا). استمرتْ هذه الحضارة المشوبة بالغموض لمدة 800 عام، لكنها انهارت فيما بعد بطريقة غامضة بقدر الغموض الذي بدأت به. والغريب أن سكان هذه الثقافة  لم يتركوا وراءهم سوى القليل جداً من الأدلة المادية على وجودهم في المنطقة، كما لم يعثر الباحثون على أي بقايا بشرية يمكن أن يعوّل عليها. وتعليقًا على ذلك، يقول أليكسي نيكيتين، عالم الحفريات القديمة بجامعة جراند فالي ستيت بولاية ميتشيغان الأمريكية: "لم يتركوا وراءهم خنصرًا واحدًا أو حتى سِناً يمكن أن نهتدي إليه."ً

أثار هذا النقص المحيّر في الأدلة جدلًا واسعًا بين العلماء حول ما يُسميه نيكيتين "عصور الظلام" لحقبة ما قبل التاريخ الأوروبي. وعن ذلك يقول: " تخيَّل أنك إذا تحدثت إلى خمسة علماء آثار متخصصين في ثقافة تريبيليا، ستتلقى منهم خمسة آراء مختلفة!" ورغم ذلك، لم يقلل نقص البيانات حول هذه الحضارة الغامضة من اهتمام الباحثين، بل على النقيض من ذلك.

ففي السنوات الأخيرة، بذلت مشاريع بحثية جهودًا لتكوين فكرة عما كانت عليه "المدن الأولية" لثقافة تريبيليا. فعلى الرغم من تغلغل خلافات مستعصية بين العلماء حول تفسير هذه الحضارة، فإن ما يتبدى الآن هو صورة لمحاولة مبكرة وفريدة من نوعها في التحضر. ومن يعلم! فقد تكون هذه المحاولة مفتاحًا لفهم كيف تطورت أوروبا الحديثة من العصر الحجري، وقد تساهم أيضاً في تسليط الضوء عامةً على بزوغ الحضارة البشرية.

تعتبر أوروك وتل براك، اللتان نشأتا في بلاد ما بين النهرين في أوائل الألفية الرابعة قبل الميلاد، أول مدينتين في العالم. وتشير الحفريات في هاتين المدينتين إلى زيادة في الكثافة السكانية بالإضافة إلى تأسيس نظام اجتماعي هرمي جديد، وهما سمتان تعتبران جزءًا أساسيًا من تعريف المدينة. وقد تطلب نمو عدد السكان أن يجتمع الغرباء معًا في مساحة مشتركة و محاولة التعايش في ظل ما جادت به الحياة بمذاقاتٍ جديدة. وتأكيدًا على ذلك، تقول مونيكا سميث،عالمة الأنثروبولوجيا بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، ومؤلفة كتاب "المدن: أول 6000 عام": "أعتقد أن هذه الفترة كانت العتبة النفسية الحقيقية للتمدّن. لكن المشكلة أن مستوطنات تريبيليا العملاقة لا تستوفي هذين المعيارين، لذا يبقى السؤال الأهم هنا: إن لم تستوفِ هذه الحضارة الشروط الكافية  فكيف سيتسنى لنا فهمها؟"

هياكل حضرية قديمة في تل براك (ويكيبيديا)

اهتدى علماء الآثار الأوكرانيون إلى المدن الضخمة لهذه الحضارة منذ أكثر من قرن من الزمان، ومع ذلك لم تبدأ عمليات التنقيب الممنهجة إلا بعد الحرب العالمية الثانية، كما لم تحظَ هذه المستوطنات بالاهتمام الدولي إلا قبل عقد مضى. لكن اليوم، ومن بين عدة آلاف من المستوطنات التريبيليانية المعروفة، توجد نحو 15 مستوطنة "موغلة في الضخامة" باعتبار أنها تمتد على أكثر من 1 كيلومتر مربع، وأكبرها تالجانكي التي  يزيد حجمها عن ثلاثة أضعاف هذا الحجم، مما يجعلها أكبر قليلاً من الحي المالي في لندن ، وأكبر حتى من أوروك خلال معظم الألفية الرابعة قبل الميلاد.

ورغم ضخامة مواقعها، لم تكن هذه الحضارة مكتظة بالسكان كما قد يخيِّل للبعض، إذ كانت منظمة بصورة دائرية، بمنازل مبنية من شبكة من الأغصان المجدولة المُغطاه بمادة لزجة كالطين، تصطف على الطرق الدائرية التي تحيط بمساحة مركزية واسعة. انطوتْ أكبر هذه المدن على عدة آلاف من المنازل بما يصل إلى 15,000 نسمة، مقارنة بما لا يزيد عن بضع مئات من الأشخاص في  القرى التقليدية للعصر الحجري الحديث. وقد تأجج نقاش حاد حول هذه الأعداد، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أنه ليس من الواضح ما إذا كانت هذه المواقع مأهولة بالكامل على مدار العام أو لا، وهو ما يثير تساؤلاً آخر: ما الغرض من هذه الأماكن إذن إن لم تكن مأهولة بالسكان؟"

 

لا تشبه المدن الأولى التي ظهرت بعد عدة قرون

تشير وجهة النظر التقليدية حول سبب وجود تلك المدن الضخمة لحضارة تريبيليا هي أن هذه المواقع شُيدتْ استجابة للضغط  السكاني المتزايد، وهو ما أدلى به ميخايلو فيديكو من جامعة بوريس جريتشينكو في كييف بأوكرانيا. يرى فيديكو أن السبب الذي ربما ساهم في تيسير نزوح سكان حضارة التريبيليان، هو ظهور أدوات متطورة كالزلاجات التي تجرّها الثيران أو الحيوانات الأخرى، إذ أتاحتْ هذه الزلاجات نقل الطعام والموارد الأخرى على مسافات تصل إلى عشرات الكيلومترات أو أكثر من القرى القائمة أو الحقول النائية إلى المواقع الجديدة. ويضيف فيديكو أنه لم تكن ثمة طرق ليشقوا سبيلهم عبرها، بل كانت جميع المناطق عبارة عن امتدادات من غابات وأودية نهرية.

من ناحية أخرى، يعتقد يوهانس مولر من جامعة كيل في ألمانيا أن هذه المواقع كانت ببساطة عبارة عن قرى موغلة في الضخامة، وبزغ الاختلاف بينها في الحجم فقط وليس في التصميم، بمعنى أن هذه المواقع لم تكن تختلف جذريًا عن القرى الأصغر في تصميمها، بل كانت ببساطة أكبر بكثير من حيث الحجم فقط. يرى مولر أن تصميم المنازل على هيئة دائرة متحدة المركز لم يكن بالأمر الجديد، بل كان موجودًا منذ 4800 عام قبل الميلاد في مستوطنات أقدم تضم في كنفها ما لا يزيد عن 50 منزلًا.

لكن على النقيض من ذلك، يعارض جون تشابمان وبيسيركا غايدارسكا من جامعة دورهام في المملكة المتحدة هذه الفكرة بشدة، وعن ذلك يقول تشابمان: " إن وجهة النظر هذه أشبه بأن نشير إلى حاملة الطائرات باعتبارها يخت موغل في الضخامة" (يرى تشابمان أن المواقع الضخمة تختلف تمامًا عن القرى الصغيرة من حيث الطبيعة والتعقيد.)

بالنسبة لوجهة نظر تشابمان وغايدارسكا حول طبيعة المدن الضخمة لحضارة تريبيليا، يرى الاثنان أن ذلك كان بمثابة تجربة أشعلتْ فتيل النظام الاجتماعي، وأن ظهور المدن الضخمة في ذلك الوقت يعكس هذا التحول الأيديولوجي. كان كل موقع مُقسمّاً إلى أرباع تنتشرمن المركز على هيئة شطيرة دا ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا