آخر الأخبار

وائل حلاق: إدارة جامعة كولومبيا باعت روحها للشيطان

شارك الخبر

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

قدم وائل حلاق أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة كولومبيا والمفكر العربي البارز والغزير الإنتاج، في حواره مع الجزيرة نت رؤيته حول ما أسماه بـ"الانتفاضة العظمى" التي اندلعت في غزة منذ السابع من أكتوبر 2023؛ حيث يوضح حلاق أن هذه الانتفاضة ليست مجرد رد فعل محلي ضد إسرائيل، بل هي حركة عالمية تعكس تحولا معرفيا يعيد صياغة الأفكار والمواقف العالمية تجاه القضية الفلسطينية؛ حيث يرى أن هذه الانتفاضة أظهرت هشاشة إسرائيل وأثبتت أن استمرار وجودها يعتمد بشكل كبير على الدعم الأميركي، مما أضعف أسطورة "إسرائيل التي لا تقهر" للمرة الثالثة منذ عام 1948.

كما شدد حلاق على أن "الانتفاضة العظمى" لم تكن فلسطينية فحسب، بل إنها تجاوزت الحدود الجغرافية والسياسية لتصبح حدثا عالميا يستقطب اهتمام ودعم شعوب متعددة. ويرى أن هذه الانتفاضة، على عكس سابقاتها، حصلت على أوسع دعم شعبي عالمي، مما يعكس تحولا مهمّا في الوعي العالمي تجاه القضية الفلسطينية. يعتبر حلاق أن هذا التحول هو بداية لتحول معرفي أعمق يتجاوز الوعي السياسي التقليدي ليشمل الأبعاد البنيوية للحداثة المتأخرة وأزمة الرأسمالية العالمية.

وبخصوص الاحتجاجات المرتبطة بالجامعات الأميركية والتي بدأت في جامعة كولومبيا التي يدرِّس فيها الأستاذ المفكر وائل حلاق، فإنه يرى أن الاحتجاجات الطلابية ضد سياسات جامعة كولومبيا تُعد تجسيدا لمشكلة أعمق في النظام الأكاديمي الحديث، حيث تحولت الجامعات إلى مؤسسات تجارية تهتم بالمال أكثر من التعليم والفكر الأكاديمي. يشير حلاق إلى أن رئيسة جامعة كولومبيا، نعمت شفيق، ليست مؤهلة لرئاسة جامعة عريقة كجامعة كولومبيا لأنها تفتقر إلى البعد الأكاديمي، وأن اللوبي الإسرائيلي يهيمن عبر المانحين على سياسات الجامعة لذا فإن المشكلة كامنة في النموذج الغربي. والحاصل في جامعة كولومبيا هو تصغير لمشهد مشكلة الحداثة، فإلى الحوار:

  • هناك من يرى أن القضية الفلسطينية تشهدُ انعطافة مهمة، بفعل اندلاع احتجاجات طلاب عديدة ضد "الإبادة" التي يقترفها الاحتلال الإسرائيلي ضد المدنيين بغزة، هل هذا صحيح؟

بادئ ذي بدء، وقبل أن أجيب على سؤالك، اسمح لي أن أصوغ مصطلحا جديدا يعبِّر عما يحدث في غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول؛ والاصطلاحُ الذي يعبّر عن الوضع هو "الانتفاضة العظمى"، هذا المصطلح ليس شعارا ولا تعبيرا بلاغيا، بل هو اصطلاحٌ يحمل في طياته بِنيات الفكر والفعل التي برزت إلى الواجهة منذ أحداث السابع من أكتوبر 2023.

"الانتفاضة العظمى" ليست فلسطينية فقط، وليست ضد إسرائيل فقط، رغم أن مركزها قد يكون في غزة، إلا أن موجات الصدمة التي أحدثتها عالمية

"الانتفاضة العظمى" ليست فلسطينية فقط، وليست ضد إسرائيل فقط، رغم أن مركزها قد يكون في غزة، إلا أن موجات الصدمة التي أحدثتها عالمية. تتمتع "الانتفاضة العظمى" بعدد من الميزات التي تجعلها علامة بارزة في التاريخ الحديث؛ أولاً، أظهر قطاعُ غزة الصغير والضعيف في هذه المعركة ضعف إسرائيل وهشاشتها، أكثر من أي معركة أخرى جمعت بين إسرائيل وجيرانها، حيث أثبتت غزة أنَّ إسرائيل حينما لا تكونُ محمية بشكل دائم من قبل الولايات المتحدة، فإنها معرضة للهزيمة بسهولة، لتتحطم أسطورة "إسرائيل التي لا تقهر " للمرة الثالثة (بعد عامي 1973 و2006)، أكثر من أي وقت مضى، حتى بعد أشهر من هجوم حماس في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، فإن استمرار وجود السفن الأميركية في البحر الأبيض المتوسط واستمرار إمداد الولايات المتحدة بالأسلحة والقنابل هي مؤشرات واضحة على أن إسرائيل لا تستطيع بمفردها مواصلةَ الحرب وإنهاءَها دون الدعم الهائل القادم من الولايات المتحدة الأميركية  التي تُعدُّ مُعيلها الحقيقي.

ثانياً، لقد خلفت "الانتفاضة العظمى" أكبر حجم من الخسائر البشرية في كلا الجانبين، وذلك رغم وجودِ فارق شاسع في حجم هذه الخسائر؛ فإسرائيل لم يسبق لها أن خسرت هذا العدد من الأفراد في عملية عسكرية واحدة، ولم تشهد فلسطين هذا العدد من الشهداء في حرب واحدة.

ثالثًا، شهدت "الانتفاضة العظمى" انخراط عدد كبير من الأطراف تجاوز أي صراع آخر في الشرق الأوسط، كما تم الاشتباكُ فيهِ بشكل مباشر مع الاستثمارات العسكرية والإستراتيجية لحماس وإسرائيل والولايات المتحدة ولبنان واليمن وإيران وسوريا والعراق وبعض دول الاتحاد الأوروبي. كما شهدت أقسى الانتقادات التي وصلت لحدّ قطع العلاقات الدبلوماسية من قبل عدد كبير نسبيا من الدول، شملَ بوليفيا وتشيلي وكولومبيا والأردن والبحرين وهندوراس وتركيا وتشاد وبليز، وجنوب أفريقيا التي تصدرت بدورها الحراك الدبلوماسي والقانوني تجاه إسرائيل وذلك بإحالة إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية.

"الانتفاضة العظمى" عظيمة لأنها، على عكس الانتفاضات السابقة، حصلت على أوسع دعم شعبي عالمي في تاريخ التحرير الوطني الفلسطيني منذ عام 1948

وأخيرًا "الانتفاضة العظمى" عظيمة لأنها، على عكس الانتفاضات السابقة، حصلت على أوسع دعم شعبي عالمي في تاريخ التحرير الوطني الفلسطيني منذ عام 1948.

هذه السمة الرابعة على وجه الخصوص تحمل أهمية خاصة، ربما تتجاوزُ كل السمات الأخرى، لأنها ليست مجرد تحول سياسي في المواقف الشعبية، بل هي بالأحرى تحول معرفي ملحوظ يتمُّ التقاطه عبر معاناة الضحايا الفلسطينيين، ويدلّ عليهِ، ويُعليهِ إلى الصدارة.

الأهم من ذلك، أنها تظهر كبنية، وهنا أريد أن أوضح هذه النقطة: تعدُّ "الانتفاضة العظمى" تحولا معرفيا لأنها رمزية، وتجسد اختبارا حقيقيا للمشاكل البنيوية للحداثة المتأخرة. عندما هتف بعض المتظاهرين الأميركيين البيض في الولايات المتحدة "كلنا فلسطين"، لا ينبغي لنا أن نفسر ذلك باعتباره مجرد شعار سياسي. هذه العبارة تحمل معاني معرفية عميقة. لذا، للإجابة على سؤالك بجملة واحدة: نعم، تشكل الأشهر السبعة الأخيرة تحولا مهمّا في الوعي العالمي، وفي الواقع في أنماط المعرفة في الحداثة المتأخرة.

  • هل يمكنك توضيح ما تعنيه بـ"التحول المعرفي"؟ ما الذي يجعلها معرفية وليست سياسية فقط؟

الوعي هو المعرفة التي تسمح لنفسها بأن تُقَيَّم. يمكن أن يكون الوعي سطحيا، كما يمكن أن يكون عميقا. يمكن أن يكون وعيا بالقضايا الأساسية العادلة، مثل أن توقع دولة أو شعب الظلم على دولة أو شعب آخر. فكرة أن أقلية ما مضطهدة من قبل أغلبية في بلد معين هو مثالٌ على هذا الوعي السطحي، الذي يظهر وجود تناقض ظاهري يتجسد في حالات عديدة مثل أن ينتقد الأميركي الأبيض عشرات القوانين المطبقة في إسرائيل والتي يعرف أنها تقوم بشكل فاضح على التمييز ضد مواطنيها الفلسطينيين (من عام 1948)، ومع ذلك قد يكون مؤيدا قويا لإسرائيل. هذا النوع من الوعي أو الإدراك هو وعي وإدراك سياسي، بسبب تحمله لوجود التناقضات بداخله، سواء كانت مخفية أو بارزة؛ لذا كنتُ دائما أصر على أن التحليل السياسي يتسم في العموم بالسطحية، حيث يغفلُ عن العديد من مستويات المعنى الأعمق.

وهكذا يمكن أن يكون الوعي أعمق، حيث يمكن أن يحمل دلالات معرفية، بمعنى أن الظواهر السياسية الملموسة مرتبطة بنيويا بالأصل الذي أوجدها جينولوجيا، والسياقات الأوسع التي أُنشئت بداخلها؛ حيث إذا أراد ذلك الأميركي الأبيض تعميق معرفته من المستوى السياسي إلى المستوى المعرفي، فعليه أن يطرح سلسلة من الأسئلة بناءً على الحقيقة القائمة التي تقول إن إسرائيل تمتلك أكثر من 50 قانونا قائما على التمييزِ ضد الفلسطينيين، حيث تتشكل لديه أسئلة من قبيل لماذا تقوم إسرائيل، التي تدعي أنها ديمقراطية، بهذا التمييز المتعمد ضد مواطنيها؟ ما تاريخ هذا التمييز؟ ما العلاقة بين هذه القوانين والسياسات العامة التي تبنتها إسرائيل والإجراءات التي اتخذتها منذ نشأتها كمشروع سياسي؟ هل تعكس هذه السياسات بنية معرفية وإدراكية ما؟ ما خلفية هذه المواقف من حيث نظرة الحركة الصهيونية تجاه العرب في فلسطين؟ ماذا الذي كانت تتبناه الأيديولوجية الصهيونية فيما يتعلق بمن -أو ماذا- كان الفلسطينيون؟ كيف كان قادة الصهيونية ينظرون إلى السكان الأصليين للأرض؟ كيف كانوا يرون أنفسهم في المقام الأول؟ هل كانوا يرون أنفسهم كأبناء الأرض أو كمستعمرين؟ وإذا كانت الأخيرة (مثل القائد الصهيوني المهم زئيف فلاديمير جابوتنسكي الذي وصف المشروع الصهيوني بصراحة كمشروع استعماري)، فما الخطوات البنيوية التي اتخذتها الحركة الصهيونية لإزالة وجود الفلسطينيين من أرض فلسطين؟ عندما أقول "خطوات بنيوية"، فإنني هنا أعني موجات من المواقف والأفعال المتسقة بشكل متعمد مع بنية سلوك ورؤية عالمية معينة واسعة.

بما أنني قد ذكرت سابقًا، أن الوعي هو المعرفة التي تسمح لنفسها بأن تكون مُصنَّفة. وإذا كانت نظرية المعرفة فئة من الوعي، كما هي بالفعل، فإن نظرية المعرفة يمكن تصنيفها أيضا. لذلك، فإن القوانين التمييزية في إسرائيل ضد مواطنيها الفلسطينيين تبدو مخيفة على ضوء الفهم الأعمق بأن تاريخ إسرائيل متشابك مع مشروع منهجي لإزالة الفلسطينيين من أرضهم. إذا فهم الناس هذا التاريخ، فلن يفاجئهم ما تفعله إسرائيل الآن في غزة، مهما كانت أفعالها وحشية. في الواقع، كما كتبت في السابق، فإن ميلَ إسرائيل نحو الإبادة العرقية مبثوثٌ في الحمض النووي للصهيونية.

إلا أنه تجدر الإشارة إلى أن ما تم ذكره ليس سوى المرحلة الأولى من فهم معرفة القضايا الأعمق المرتبطة ببنية المأساة التي يعانيها الفلسطينيون منذ أكثر 76 عاماً؛ وعليه فإن "الانتفاضة العظمى" هي حركة دولية بفعل ربطها المعرفي بين هموم الشباب العالمية والمعاناة المحلية للفلسطينيين في غزة والضفة الغربية. هنا يكتسب شعار "كلنا فلسطين" معنى خاصّا، وهو معنى يربط غزة بفهم بيئي بنيوي، ما بعد استعماري، وما بعد حداثي لعالمنا. ولا يفهم هذا أو يشعر به أحد أكثر من شبابنا اليوم! فهم أكثر انسجامًا مع هذا الخطاب مقارنة بالأجيال الأكبر سنّا لأنهم من قُدِّرَ لهم أن يدفعوا ثمن خطايا سلفهم.

تخيَّل نفسك شخصا أميركيا عاديا في سن الشباب، لنقل ما بين 18 و30 عاما. وُلِدتَ لأبوين ميسورَي الحال، لديهما ما يكفي من الموارد لإرسالك إلى جامعة جيدة، ومعارفك محدودة ليس فقط عن فلسطين ولكن عن كل شيء آخر، ومع ذلك، تنظر حولك وترى صورة قاتمة. قد ترى أولا الصعوبات المباشرة في العلاقات الأسرية والروابط الاجتماعية: والِدين مطلقين، أعمام وعمات مطلقين، وأسر مفككة في كل مكان. صعوبات في الحفاظ على العلاقات مع الأصدقاء والأحبة، وأحيانا العجز التام عن إيجاد هذه العلاقات، وبالأخص الحميمية منها؛ حيث تمسي النساء مشغولات جدّا بمهنهن لدرجة إهمالهن لخصوبتهن، وكذا قلق الرجال الشديد على أمنهم المالي بفعلِ مخاطر الزواج، ناهيك عن حالة الرعب التي تنتابهم بخصوص كل ما هو مرتبط بالالتزام، وخاصة أنَّ الزواج يتطلب الكثير من التضحيات من كلا الطرفين، ولا أحد مستعد للقيام بها.

ترى أن العمل، أصبح شكلاً آخر من أشكال العبودية المنتشرة في كل مكان تقريبًا، حيث يقضي المرء حياته بين جنبات المكتب، وأي استراحة أو وقت فراغ ("إجازة") يتمّ ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك الخبر

إقرأ أيضا