الأكاديمي اللبناني نديم منصوري: الصورة البراقة للنموذج الغربي سقطت

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على الرابط أعلاه للمشاهدة على الموقع الرسمي

يرى البروفيسور اللبناني نديم منصوري أن الصراع في فلسطين يعود إلى 75 عاما من القهر والاستبداد والقتل والإجرام الإسرائيلي، ليصل الفلسطينيون إلى "نقطة التحول".

ويضيف "أعاد هذا التحول المنتظر القضية الفلسطينية إلى المسرح العالمي بعد محاولات طمسها عبر "التطبيع البارد" الذي كان يمارس بحقها".

ويقول منصوري -وهو أحد علماء علم الاجتماع الرقمي في العالم العربي- إن الصورة البراقة للنموذج الغربي قد سقطت، وإن لم تظهر ملامح هذا السقوط بشكل مباشر في الشارع العربي حتى اللحظة بشكل واضح، لكن تأثير هذا السقوط سيظهر جليا مع الوقت.

ويعمل منصوري حاليا محاضرا في الجامعة اللبنانية ومنسقا عاما لشبكة التحول والحوكمة الرقمية في لبنان، وله العشرات من الإنجازات العلمية إضافة إلى الكتب، ومن أهمها "العصبية في المجتمع الرقمي" (2022)، و"موضوعات في علم الاجتماع الإنترنت والتواصل الرقمي" (2019)، و"الاستحمار الإلكتروني" (2016)، و"سوسيولوجيا الإنترنت" (2014)، و"الثورات العربية بين المطامح والمطامع" (2012) وغيرها، فإلى الحوار:

  • ما أبرز الظواهر والتأثيرات التي ستفرزها الإبادة الجماعية والجرائم غير الإنسانية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني على يد الاحتلال الإسرائيلي منذ طوفان الأقصى، سواء عربيا أو دوليا؟

إن أبرز ما أحدثته عملية "طوفان الأقصى" يتجسد في بروز "نقطة التحول" التاريخية في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، في علم الاجتماع تُعتبر نقطة التحول ظاهرة نادرة، فهي لا تحدث إلا عند حدوث ظرف تاريخي حاسم.

صِيغت هذه العبارة في استخدامها الاجتماعي بواسطة مورتون غرودزينز لكن في سياق مختلف حيث درس الأحياء الأميركية المختلطة في ستينيات القرن الماضي، ولاحظ أن الأسر ذات البشرة البيضاء تبقى في الحي طالما أن عدد الأسر ذات البشرة السوداء مقارنة بها صغير جدا.

لكن عند نقطة معينة عند وصول "عدد كبير جدا" من العائلات ذات البشرة السوداء تخرج الأسر ذوات البشرة البيضاء المتبقية بشكل جماعي كرد فعل، وقد أطلق غرودزينز على هذه العملية اسم "نقطة التحول".

لقد احتاج الصراع إلى 75 عاما من القهر والاستبداد والقتل والإجرام الإسرائيلي، ليصل الفلسطينيون إلى "نقطة التحول".

لقد احتاج الصراع إلى 75 عاما من القهر والاستبداد والقتل والإجرام الإسرائيلي، ليصل الفلسطينيون إلى "نقطة التحول".

لقد أعاد هذا التحول المنتظر القضية الفلسطينية إلى المسرح العالمي بعد محاولات طمسها عبر "التطبيع البارد" الذي كان يمارس بحقها، فالدماء التي سالت جراء الإبادة الجماعية والجرائم غير الإنسانية التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي أدت إلى حدوث عدة تأثيرات إستراتيجية على المستويين العربي والدولي نذكرها كما يلي:

– الانكشاف الدولي: انكشاف الاحتلال الإسرائيلي أمام الرأي العام العالمي الذي كان يدعي تعرضه للظلم، لتظهر حقيقته كمجرم حرب يقف مدانا أمام المحاكم الدولية.
– سقوط أكذوبة الجيش الذي لا يقهر: أدت تأثيرات طوفان الأقصى إلى انكشاف جيش الاحتلال الإسرائيلي من حيث عجزه عن تحقيق الأهداف العسكرية، واقتصار دوره على البطش والقتل.
– ثبات محورية القضية الفلسطينية: إعادة بروز القضية الفلسطينية على طاولة البحث، حيث لا يمكن تجاهل هذه القضية التي أثبتت أنها القضية المحورية للعرب، ودون حلها لا يمكن العيش في شرق أوسط ينعم بالسلام، ومعاودة طرح حل الدولتين.
– بروز رأي عام شبابي عالمي: أدى طوفان الأقصى إلى بروز رأي عام شبابي عالمي -ولا سيما من الجامعات العالمية التي تنتج قادة المستقبل- مؤمن بأحقية القضية الفلسطينية بعد انكشاف السرديات الإسرائيلية السابقة على مدار عقود سابقة.

  • كان النموذج الغربي -أيديولوجية وحقوقا وقيما- حاضرا في العالم العربي، هل تتوقعون أن تؤثر المجازر الوحشية التي يتعرض لها سكان قطاع غزة على هذا النموذج لدى الشعوب العربية؟

إن الإشكالية السياسية الأساسية التي واجهها النموذج الغربي انطلاقا من الفكر الإغريقي هي إشكالية العدل، فكتابات الفلاسفة عند الإغريق شددت على مفهوم العدل باعتباره مفهوما مفتاحيا في الحياة السياسية والأخلاقية، لذلك نجد أفلاطون مؤسس الفلسفة العقلانية التي ارتكزت عليها الفلسفة الحديثة يعطي مفهوم العدل الأولوية المعيارية في النظام السياسي والأخلاقي الذي كرس جهده لتحديد معالمه.

ولطالما ترافق مفهوم العدل في النموذج الغربي مع الفلاسفة اللاحقين -مع أوغسطينوس وتوما الأكويني وهوبز وهيوم وكانت وميل وماركس ورولز وغيرهم- على مفاهيم أخلاقية أخرى وثيقة الصلة بالحق والإنصاف والمساواة.

وبالتالي، فإن أي ممارسات تخالف هذه المبادئ -التي تأطرت لاحقا بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان كمبادئ مشتركة للبشرية جمعاء- تجعلنا في موقع الذهول، لأن الفكر الغربي قد ارتكز على هذه المبادئ.

لقد كان من البديهي أن تتأثر الشعوب العربية بهذه المبادئ التي أدخلتها في مناهجها التعليمية المدرسية والجامعية، والتي تكوّنت على إطارها أجيال كثيرة متأثرة بهذه الثقافة ومقتنعة بها كونها ثقافة لا بد للفرد العربي من الاقتداء بها.

المجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق الفلسطينيين جعلت المسائل المبدئية في تناقض ضخم على المستويين المفاهيمي والتطبيقي، فالمشهد اليوم مستهجن بكل مقاييسه، فكيف للدول الغربية التي تدعي صون العدالة وحرية التعبير وحقوق الإنسان أن تدافع عن السلوك الإجرامي الممنهج الذي يتبعه الاحتلال الإسرائيلي واعتباره حقا مضادا تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"؟

لكن المجازر الإسرائيلية التي ترتكب بحق الفلسطينيين جعلت المسائل المبدئية في تناقض ضخم على المستويين المفاهيمي والتطبيقي، فالمشهد اليوم مستهجن بكل مقاييسه، فكيف للدول الغربية التي تدعي صون العدالة وحرية التعبير وحقوق الإنسان أن تدافع عن السلوك الإجرامي الممنهج الذي يتبعه الاحتلال الإسرائيلي واعتباره حقا مضادا تحت ذريعة "الدفاع عن النفس"؟

إن انقلاب مصداقية المفاهيم الغربية يطرح إشكالية العدل مجددا، فما هو العدل؟ ما معاييره؟ كيف يتم قياسه؟ والأهم من ذلك، إلى أي مدى تستطيع الشعوب العربية الاستمرار في تصديق النموذج الغربي الذي سقط في أهم امتحان أخلاقي طال كينونة الإنسان؟

في رأيي، إن الصورة البراقة للنموذج الغربي قد سقطت وإن لم تظهر ملامح هذا السقوط بشكل مباشر في الشارع العربي حتى اللحظة بشكل واضح، لكن تأثير هذا السقوط سيظهر جليا مع الوقت، وهذه نقطة انطلاق يبنى عليها إذا ما أرادت الشعوب أن تتحرر من المفاهيم الكاذبة نحو مرحلة المفاهيم الأصيلة التي تعبر بصدق عن حقيقة الواقع.

  • بوصفكم أحد علماء الاجتماع، ما الذي يجعل مجازر الاحتلال الإسرائيلي أكثر تحريكا للوجدان والفعل في بعض الدول الغربية دون بعض الشعوب العربية؟ وهل فقدت الدول العربية الحوافز للدفاع عن ذاتها ومصالحها العربية؟

لا بد أولا أن نفصل بين ردود الفعل الشعبية المتمثلة بالشباب الجامعيين في الجامعات الغربية التي تدين الجرائم الإسرائيلية وبين ردود فعل الحكومات الغربية التي ما زالت على موقفها الداعم للاحتلال الإسرائيلي على الرغم من استمرار الحرب غير الإنسانية في غزة واعتبار أن جميع الشهداء والوفيات الذين سقطوا ضحايا جانبيين مؤسفين لعملية عسكرية ضرورية ومحقة.

ويعود سبب دعم الحكومات الغربية "لإسرائيل" إلى العديد من الاعتبارات التاريخية وهي:

– قناعة الحكومات الغربية بأحقية "إسرائيل" في الدفاع عن نفسها.
لكن في المقابل شعر الشباب الجامعيون الغربيون بحجم هذه الأكذوبة التي تعكس "إشكالية أخلاقية" ظاهرة للجميع، حيث إن الدفاع عن النفس لا يكون بالإبادة الجماعية لشعب بالكامل.
– اعتبار الحكومات الغربية أن "إسرائيل" دولة عقلانية يحكمها القانون، وأنها تحرص على المدنيين، وأنها دولة غير عنصرية وإنما تقوم بردة فعل على هجوم غير مسبوق تعرضت له في 7 أكتوبر.

لكن ذلك لم يمر على الشباب الغربيين الذين يدركون تماما معنى العقلانية، وهم بالمقابل يشاهدون المجازر الجنونية التي ترتكبها "إسرائيل" بحق المدنيين.
– اعتبار الحكومات الغربية أن الشعب الفلسطيني ينتمي إلى الإسلام السياسي، وهو يعتبر الإسلام السياسي المتطرف معاديا للسامية.

لكن الشباب الغربيين الذين بدأ اهتمامهم بدراسة الإسلام منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول باتوا يدركون نسبيا أن الإسلام كدين لا يشبه بالضرورة المجموعات المتطرفة التي ظهرت مع القاعدة وداعش وغيرها، وأن الشعب الفلسطيني والنساء والأطفال ليسوا تنظيمات إرهابية، بل هم أناس عزّل ويحق لهم الحياة بشكل آمن.

وكذلك لا بد من الالتفات إلى أن الشباب الغربيين يعترضون على المجازر الإجرامية من منطلق إنساني أكثر منه لاعتبارات أيديولوجية أو عقائدية أو تاريخية.

التفكير النقدي للشباب الغربيين يجعلهم قادرين على إدراك الحقائق وتحليل المعطيات انطلاقا من مسلّمات تربوا عليها، فهم لا يقتنعون لأي سبب من الأسباب بظاهرة القمع التي تمارس بحقهم لمجرد أنهم يعبرون عن آرائهم، وهم لن يقتنعوا أن القتل والإجرام هما ضمن قواعد الدفاع عن النفس.

وبالتالي، فإن التفكير النقدي للشباب الغربيين يجعلهم قادرين على إدراك الحقائق وتحليل المعطيات انطلاقا من مسلّمات تربوا عليها، فهم لا يقتنعون لأي سبب من الأسباب بظاهرة القمع التي تمارس بحقهم لمجرد أنهم يعبرون عن آرائهم، وهم لن يقتنعوا أن القتل والإجرام هما ضمن قواعد الدفاع عن النفس.

في المقابل، يقف الشباب العرب عاجزين عن إظهار أي دور فعال في نصرة أهل فلسطين، وذلك للاعتبارات الآتية:

– استمرار الخوف في صفوف الشباب العرب من الأنظمة العربية الخاضعة التي لم تبدِ أي مواقف فعالة، بل نجد أن البعض منها قد تماهى مع الموقف "الإسرائيلي".
– استمرار الهيمنة الاجتماعية كما يفسرها بيار بورديو، والتي تقوم على إعادة إنتاج نفسها عبر المؤسسات الاجتماعية، خاصة النظام التعليمي الذي يقوم بإعادة إنتاج الهياكل الهرمية للمجتمع عبر الأجيال، وما زال الشباب العرب خاضعين لهذا التسلط عاجزين عن كسر طوقه في الوقت الراهن.
– عدم إدماج الأساليب القائمة على النقد والتحليل في المناهج التعليمية، وهي وإن وجدت ما زالت تُدرس بشكل تلقيني سطحي وبأسلوب يعيد الفكرة دون أي تمحيص أو فهم.
– تراجع الفكر القومي لصالح القضايا الوطنية، ففي الوقت الذي عايشت الأجيال العربية من مواليد الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي الفكر القومي الذي أجمع على أن القضية الفلسطينية هي "قضية مركزية قومية" كانت الأجيال من مواليد الستينيات قد سيطرت على قيمها أدبيات الولاء الوطني، وفي بعض الأحيان المعاداة لكل ما هو قومي، وأدى كل ذلك تباعا إلى ابتعاد الشباب العرب عن القضية المحورية مقابل حرصهم على التقوقع ضمن إطارهم الوطني الضيق.

  • قبل طوفان الأقصى كانت هناك صورة نمطية عن الشباب بأنهم يتواصلون عبر المنصات الرقمية لإشباع احتياجات فردية، لكننا نتابع اليوم احتجاجات في جامعات أميركية وأوروبية وآسيوية، هل هناك سوء فهم لهؤلاء ا ....

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي

إقرأ أيضا