كانت لوتس ديلاندو تخشى قدوم فصلي الخريف والشتاء، إذ كانا يجعلانها تشعر بإرهاق وخمول مستمرين على مدى عشر سنوات.
وتقول لوتس، البالغة من العمر 28 عاماً وتعمل في مجال التوظيف وتقيم في لندن: "كنت أشعر باكتئاب شديد وعزلة وتقلب في المزاج، فأقضي معظم الوقت نائمة وأغرق في كآبة وتشاؤم كبيرين".
وتضيف: "لم أكن أرى أصدقائي أو أخرج كثيراً، كنت أجلس في الظلام وأشعر بالكآبة الحقيقية".
لكن بعد أن أدركت ارتباط مزاجها بتغير الفصول، قررت إدخال تغييرات كبيرة على روتينها اليومي. فبدلاً من البقاء في غرفتها مع قصر الأيام، أصبحت تحرص على أن تشغل نفسها.
تقول لوتس إنها باتت تخطط لجدولها الاجتماعي قبل أسابيع، وتتجنب العمل من المنزل قدر الإمكان لضمان التواصل اليومي مع الآخرين. وعندما تضطر للعمل عن بُعد، تذهب إلى مقهىً أو مساحةِ عمل مشتركة لتغيير الأجواء والحصول على فرصة للتفاعل الاجتماعي.
وتوضح: "أحاول أن أقضي أقل وقت ممكن في المنزل"، مضيفةً أن ذلك يعني "الخروج في البرد بدلاً من البقاء دافئةً في سريري والعمل بملابس النوم".
وفي الأيام القليلة التي تمكث فيها في المنزل، تضع مكتبها بجوار النافذة وتبقيها مفتوحةً حتى في الطقس البارد، لتظل غرفتها "مضيئةً قدر الإمكان ومليئةً بالهواء النقي".
يعاني كثيرون من تغيّر المزاج مع تبدّل الفصول.
وتقول جورجيا ألكر، المستشارة في مركز "تريهاوس ويلبيينغ آند كاونسيلينغ"، إن "الطريقة التي يتغير بها الطقس وكيف ينعكس ذلك على حالتنا النفسية أمر رمزي للغاية".
وتوضح أن قضاء وقت أقل في ضوء الشمس يؤدي إلى انخفاض مستويات هرمون السيروتونين، المسؤول عن تحسين المزاج، وارتفاع هرمون الميلاتونين، الذي ينظّم النوم، ما قد يجعل البعض يشعرون بالتعب والعزلة.
وتشدد ألكر على أهمية الحفاظ على نظامٍ غذائيٍ متوازنٍ، وممارسة التمارين الرياضية بانتظام، وقضاء بعض الوقت في الهواء الطلق، حتى عندما يكون البقاء تحت الغطاء الدافئ أكثر إغراء.
وتقول إيدن أوز، وهي مستشارة علاجية في مركز "بوند كاونسيلينغ"، إن "الاستمتاع بنفحة هواء نقي ولو بمجرد الجلوس في الخارج مع فنجان قهوة صباحي يمكن أن يكون مفيداً للغاية".
وتضيف أن العلاج بالضوء، عبر الجلوس أمام صندوق يحاكي ضوء الشمس الطبيعي، قد يساعد في تحسين الحالة المزاجية. وتوضح ألكر أن "تقليل إفراز الميلاتونين وزيادة السيروتونين يمكن أن يحسّنا المزاج ومستويات الطاقة وجودة النوم".
كما تشدد على أهمية الحفاظ على مواعيد ثابتة للنوم والاستيقاظ على مدار العام لتنظيم الإيقاع الحيوي للجسم، مشيرةً إلى أن ساعات المنبّه التي تحاكي شروق الشمس يمكن أن تساعد في ذلك، إذ تبدأ بالسطوع تدريجياً قبل أن يرنّ المنبه، ما يسهم في استيقاظ أكثر سلاسة.
وتصف زوي سميث، البالغة من العمر 25 عاماً والمقيمة في إيست ساسكس، منبّهها بأنه "غيّر قواعد اللعبة".
فهي تستيقظ يومياً عند الخامسة صباحاً للذهاب إلى الصالة الرياضية، لكنها كانت تجد صعوبة في النهوض من السرير عندما يكون الجو مظلماً في الخارج.
وتقول زوي: "منبّهي يجعل الاستيقاظ المبكر أقل كآبة وبؤساً، لقد أحدث فرقاً كبيراً في مستوى تحفيزي وطاقة الصباح لدي".
ليس من غير المألوف أن يلاحظ كثيرون تغيراً في المزاج مع تبدّل الفصول، لكن لدى بعض الأشخاص قد يكون هذا التغيّر أكثر حدة، فيشعرون بانخفاض كبير في المزاج أو بانفعال وخمول واضحين، وهو ما قد يشير إلى اضطراب المزاج الموسمي (SAD)، وهو شكل من أشكال الاكتئاب.
وتوصي هيئة الخدمات الصحية الوطنية في بريطانيا (NHS) من يعتقدون أنهم يعانون من هذا الاضطراب ويجدون صعوبة في التكيف بمراجعة أطبائهم للحصول على المساعدة المناسبة.
قد تساعد طريقة لوتس وزوي في البقاء نشيطتين الكثير من الأشخاص الذين يعانون من كآبة الخريف، لكنها بالتأكيد ليست مناسبة للجميع.
ويقترح البعض ضرورة التأقلم الكامل مع الموسم أي الاسترخاء والجلوس في جو دافئ ومريح.
وتوصي المستشارة العلاجية أوز بأخذ حمام ساخن، وإشعال الشموع، والبقاء تحت بطانية دافئة، وهي تقترح أن تجعل الشتاء والظلام يبدوان أكثر رومانسية، وتقول: "إنها طريقة جيدة لتغيير طريقة رؤيتك لفصل الشتاء".
وأصبح مفهوم رومانسية الأشهر الباردة رائجاً على منصة تيك توك، حيث تنتشر مقاطع فيديو تظهر أوراق خريفية مقرمشة، وشموع متوهجة، ومشروبات ساخنة يتصاعد بخارها.
وتقول إيلي ريتشاردسون، البالغة من العمر 24 عاماً والمقيمة في لينكولن، إن الفكرة تتمحور حول البحث عن السعادة في التفاصيل اليومية البسيطة.
وتضيف أنه في الفترة الفاصلة بين نهاية الصيف وبداية موسم عيد الميلاد، يبدو كل شيء أبطأ قليلاً في الخريف، وعلينا فقط أن نجد أفضل الطرق لمواصلة المضي خلال تلك المرحلة.
وتستمتع ريتشاردسون بالجلوس مرتدية بيجاما ناعمة، وتحتسي لاتيه بنكهة اليقطين، وتستمتع برائحة القرفة التي تملأ المكان.
والقصة مشابهة بالنسبة لهانا ماثيوز، التي يمتلئ حسابها على تيك توك بمقاطع فيديو تظهر مكونات الخبز، والشموع المتوهجة بلطف، وشاي يسكب من أباريق جميلة.
وبصفتها بستانية شغوفة، تزيّن الشابة البالغة من العمر 30 عاماً منزلها بالقرع وزهور الخريف من حديقتها في جنوب ويلز، وتستفيد من المنتجات الموسمية التي تزرعها في إعداد أطباق مثل ريزوتو الكمثرى، ومربى البرقوق، وفطيرة التفاح المفتتة.
وتقول إن وجود بيئة منزلية مريحة ودافئة هو أمرٌ في غاية الأهمية، خصوصاً إذا كان المرء سيبقى فيها لفترة أطول قليلاً.
وتوافق جودي روجرز، البالغة من العمر 30 عاماً، قائلة: "أحياناً يكون البقاء في الداخل والجلوس في جو دافئ هو ما تحتاجه"، وتشير إلى أنها تبنّت نظرة جديدة تجاه كيفية رؤيتها لفصل الخريف.
وتضيف قائلة: "لا يمكننا العيش في صيف دائم".