في لحظة تتكثف فيها التحالفات وتشدد الضوابط، يجد تحالف "Chip 4" والذي يضم الولايات المتحدة، واليابان، وكوريا الجنوبية، وتايوان، نفسه أمام متغير قد يقلب معادلات القوة في صناعة أشباه الموصلات.
تقارير متقاطعة تفيد بأن الصين طورت نموذجاً أولياً لآلة الطباعة الضوئية بالأشعة فوق البنفسجية الشديدة (EUV) داخل منشأة عالية التأمين في شينزين -التقنية نفسها التي تعد "عنق الزجاجة" العالمي لإنتاج شرائح أقل من 7 نانومتر.
هذا التطور، إن تأكد مساره للعمق الصناعي، يحمل على تحالف "Chip 4" إعادة تعريف أهدافه، من تنويع سلاسل الإمداد وحماية الملكية الفكرية إلى تنسيق الضوابط على التصدير، وهي أجندة أعلنها التحالف منذ 2022 وجرى توسيعها بالتوازي مع تحديثات أميركية ويابانية وهولندية على القيود الخاصة بمعدات التصنيع المتقدمة.
تاريخياً، احتكرت "ASML" الهولندية آلات "EUV"، ونجحت واشنطن في حمل لاهاي على منع بيعها للصين منذ 2018، قبل أن تشدد القيود في 2022 وتضيف في 2024 طبقات دقيقة تشمل برمجيات الضبط والقياس وخدمات الصيانة، وهي "قتل ناعم" لقدرة الآلات القائمة في الصين على تحسين الأداء عبر الوقت.
الضوابط الأميركية ليست تقنية فحسب، بل كانت سياسة صناعية تترجم رؤية "ساحة صغيرة وسياج عال" لحماية حافة الابتكار. لكن ظهور النموذج الصيني، القادر على توليد ضوء "EUV" دون إنتاج شرائح تجارية بعد، يوحي بأن الاستراتيجية الغربية تواجه مساراً التفافياً، ولو أنه ما زال بعيداً عن الإنتاج الكمي، مع تقديرات أن إنتاج شرائح عاملة على النموذج قد يكون بين 2028 و2030.
داخل هذا المشهد، يكشف تحقيق لوكالة "رويترز" يبدو وكأنه تسريب استخباراتي من مصادر متعددة، أن فريق من مهندسي "ASML" السابقين انضم إلى مشروع سري تحكمه إجراءات أمنية مشددة، وهويات عمل مستعارة، وعزل فرق البحث عن بعضها، واعتماد على قطع مستعملة من آلات قديمة جرى تفكيكها وتجميعها للوصول إلى "الضوء الأول".
التحدي الأكبر لا يزال في المرايا البصرية فائقة الدقة التي تصنعها شركة "كارل زايس" الألمانية؛ فالدقة الذرية لتلك المكونات هي قلب الفارق بين نموذج يثبت الإمكان الفيزيائي وبين منظومة قادرة على الإنتاج التجاري المستقر. مع ذلك، فإن الوصول إلى ضوء EUV هو العتبة الأصعب تقنياً، وقد عبرتها الصين على الأقل في بيئة المختبر.
بالنسبة إلى تحالف "Chip 4" وسياق مجموعة السبع، يضاف هذا العامل إلى جهود قائمة لتقوية المرونة والتتبع والتنسيق عبر "نقطة اتصال أشباه الموصلات" التي أطلقت تحت رئاسة إيطاليا لمجموعة السبع، مع منتديات في تورونتو ولندن لتوحيد آليات الاستجابة للأزمات وتعزيز شفافية السياسات. غير أن القاعدة العامة هناك واضحة: كلما اقتربت بكين من كسر احتكار EUV، ازداد الضغط لتنسيق ضوابط أوسع لا تشمل EUV فحسب، بل أيضاً DUV الغاطسة (193 نانومتر) التي تستثمر بأساليب "التعريضات المتعددة" لصناعة شرائح أقرب إلى الحافة من دون EUV، وإن بكلفة أعلى وعوائد أدنى.
ولا ينفصل ذلك عن حراك أوسع لتكتلات الصناعة العالمية، فـمجلس أشباه الموصلات العالمي (WSC) يجمع اتحادات الصناعة من أميركا وأوروبا وآسيا، ويؤكد على مبادئ المنافسة العادلة والتجارة المفتوحة ومواءمة الممارسات مع قواعد منظمة التجارة العالمية.
بالتوازي، يدفع شبكة تبادل أشباه الموصلات غير الرسمية تحت مظلة OECD نحو تصنيف موحد للبيانات ورسم خرائط الاعتمادية والإنذارات المبكرة، بتمويل أميركي من صندوق ITSI المرتبط بقانون CHIPS.
هذه الأطر التعاونية تعلن هدفها: شفافيةٌ أكثر، وصمودٌ أكبر أمام الاضطرابات. لكنها، واقعياً، لا تلغي سياسة العقد الخانقة التي تتبناها واشنطن وحلفاؤها عند التقاطع مع الأمن القومي.
تقنياً، تشرح تقارير متخصصة لماذا يعد EUV منظومةً متكاملةً مستحيلة التزوير السريع: ليزر CO₂ بقدرة عشرات الكيلوواط يصوب على قطرات القصدير لنَزْع بلازما عند درجات حرارة تفوق حرارة سطح الشمس، ثم ينطلق شعاعٌ يمتص بسهولة ويحتاج إلى فراغ شبه كامل، قبل أن توجهه مراياٌ مطواة بطبقات ذرية متناوبة بمردود عال مع خسائر ضئيلة. أي خلل ميكروسكوبي في الاصطفاف يسقط شريحةً كاملة. لهذا قضت ASML قرابة عقدين بين نموذج 2001 والإنتاج التجاري في 2019، ولهذا أيضاً ترى تقديراتٌ رصينة أن تحويل النموذج الصيني إلى إنتاج عالِ الحجم سيحتاج سنوات كثيرة، حتى لو سجل تقدمٌ أسرع من المتوقع في توليد الضوء.
لكن حتى لو طال طريق "EUV"، فإن البدائل الواقعية للصين لا تزال "DUV +" تعدد التعريضات، وهي مقاربةٌ تثبتها تجربة SMIC مع شرائح 7 نانومتر لهواوي—قابلة للعمل وبكميات معتبرة، ولكنها مكلفةٌ على صعيد العائد والسرعة والاستهلاك، وتبقي فجوة أداء مع شرائح 3 و5 نانومتر لدى تايوان وكوريا. وهذا بالضبط ما يراهن عليه تحالف “Chip 4”: أن يظل الفارق النوعي كبيراً بما يكفي لإبقاء ميزان الذكاء الاصطناعي والتطبيقات الدفاعية لصالحه.
تعتمد الصين على نموذج الكم لتعويض النوعية، وهو ما بدا في نماذج الذكاء الاصطناعي التي طورتها "DeepSeek"، بالإضافة إلى الأجيال المتطورة من هواتف هواوي، والتي تعتمد على تقنية أقدم إلا أنها مصممة بطريقة تجعل أداءها منافس.
إذا نجح مشروع EUV الصيني في العبور من مختبر مؤمن إلى مصنع قادر على الإنتاج خلال أفق 2028–2030، سنكون أمام نهاية "عنق الزجاجة" الذي استخدمته واشنطن وحلفاؤها لتقييد صعود بكين في أشباه الموصلات.
عندها سيتحول تحالف "Chip 4" من وضعية حراسة التقنية إلى وضعية سباق عتاد ونظم ومعايير، وسيتقدم ملف "تجزئة السوق" خطوة إضافية باتجاه ما تصفه تحليلات الصناعة بـ"ستار سيليكوني" يفصل بين منظومتين تقنيتين متوازيتين.
المصدر:
العربيّة