آخر الأخبار

"دبور الجولان" الذي قتل جنديا إسرائيليا.. ما التفسير العلمي؟

شارك

لم تُطلق رصاصة، ولم يقع انفجار، لكن جنديا إسرائيليا في مرتفعات الجولان السورية المحتلة لقي حتفه بسبب ما بدا في الظاهر أمرا بسيطا، وهو "لسعة دبور".

وبحسب ما أوردته صحيفة "يسرائيل هيوم"، فإن الجندي ليفينا شاليف، البالغ من العمر (47 عاما)، أُصيب بعد اللسعة بما يُعرف بـ"الصدمة التحسسية"، التي أدت إلى تدهور حالته الصحية سريعا، وفشلت محاولات إسعافه، ليفارق الحياة بعد وقت قصير من الحادثة.

وحالات الوفاة الناتجة عن لسعات النحل أو الدبابير ليست شائعة، لكنها تبقى محتملة، ويظل هذا "السيناريو القاتل"، كما في حالة الجندي الإسرائيلي، واردا كلما زاد الاحتكاك بين الإنسان والطبيعة، خصوصا في البيئات البرية والعسكرية.

وحذرت دراسات طبية من ارتفاع خطر الوفيات الناتجة عن لسعات الدبابير والنحل، خاصة بين العاملين في تلك البيئات، حيث يزداد الاحتكاك المباشر بالطبيعة ويقل الوصول الفوري إلى المساعدة الطبية.

وتشير مراجعة علمية نشرتها دورية "بيولوجي" إلى أن معدل الوفيات بسبب هذه اللسعات يتراوح بين 0.03 و0.48 حالة لكل مليون شخص سنويا، مع زيادة واضحة في المناطق الريفية وأثناء الأنشطة الميدانية.

مصدر الصورة هضبة الجولان (الجزيرة)

السر في "الصدمة التحسسية"

ويقول الدكتور محمد سلامة الأستاذ بمعهد الصحة العالمية والبيئة البشرية بالجامعة الأميركية بالقاهرة للجزيرة نت إن "الإصابة باللسعات عادة لا تتجاوز التفاعل الموضعي أو الانتفاخ الجلدي، لكن في بعض الحالات قد تسبب ما يُعرف بالصدمة التحسسية، التي تؤدي إلى الوفاة ما لم يتم التعامل معها بشكل عاجل".

وتُعرف "الصدمة التحسسية"، بأنها تفاعل مناعي شديد وسريع يحدث عندما يبالغ جهاز المناعة في الاستجابة لمادة دخلت الجسم، فبدلا من مقاومة السم بهدوء، يطلق الجسم عاصفة من المواد الكيميائية مثل الهيستامين، فتتسع الأوعية الدموية فجأة ويهبط ضغط الدم بشدة، بينما تتورم الشعب الهوائية ويصعب التنفس، وتظهر في غضون دقائق أعراض مثل تورم الوجه أو الحنجرة، ضيق التنفس، صعوبة الكلام، الدوار أو فقدان الوعي، وتسارع نبض القلب أو توقفه.

إعلان

ويوضح الدكتور سلامة أن حقن المصاب فورا بـ"الأدرينالين"، هو العلاج الأساسي، وأن تأخر الحصول عليه يؤدي إلى فشل قلبي تنفسي قاتل خلال دقائق.

مصدر الصورة حالات الوفاة الناتجة عن لسعات النحل أو الدبابير ليست شائعة (بيكسابي)

البحث عن "الدبور القاتل"

ولم تذكر وسائل الإعلام الإسرائيلية التي تداولت الخبر على نطاق واسع نوع الدبور الذي تسبب في الوفاة.

ويرى الدكتور عمرو عبد السميع، أستاذ العلوم الجزيئية وعلم الحشرات التطبيقي بكلية العلوم، جامعة القاهرة، والمحرر الأول لدورية علم الحشرات التابعة لجمعية علم الحشرات الأميركية أن "هذه المعلومة ليست ذات أهمية في سياق التعامل الفوري مع الحادث، إذ إن الخطوة الميدانية الأهم هي حقن المصاب بالأدرينالين فورا، وهو ما يبدو أنه لم يحدث في حالة الجندي الإسرائيلي".

ويضيف عبد السميع -في تصريحات للجزيرة نت- أن "معرفة نوع الدبور تكون ضرورية بعد تجاوز مرحلة الخطر، إذ يحتاج الأطباء إلى تحديد نوع الحشرة المسؤولة عن اللسعة (دبور، نحلة) لإجراء اختبارات دم أو جلد تحدد نوع السم الذي أثار التفاعل المناعي".

ويضيف: "كما تكون هذه المعرفة مفيدة في العلاج الوقائي طويل الأمد، الذي يعتمد على إعطاء المريض جرعات صغيرة من سم الحشرة المسببة على مدار أشهر لتدريب جهاز المناعة على التحمل وتجنب التفاعل المفرط مستقبلا. وأخيرا، فهي تفيد أيضا في تحديد ما إذا كانت الحشرة من الأنواع الغازية أو المتوطنة، مما يساعد فرق الصحة العامة والبيئة في تقدير المخاطر المستقبلية".

مصدر الصورة معرفة نوع الدبور تكون ضرورية بعد تجاوز مرحلة الخطر (بيكسابي)

ثلاثة أنواع مرشحة

ويرى الدكتور عبد السميع أن تحديد النوع في منطقة هضبة الجولان مهمة صعبة إلى حد ما، بسبب تنوع الحشرات في بيئتها الطبيعية، ومنها أنواع متعددة من الدبابير، بعضها شرس ومؤذٍ أكثر من غيره، وبعضها معروف بلسعاته القوية التي قد تسبب ردات فعل قاتلة لدى الأشخاص ذوي الحساسية المناعية.

ومع ذلك، فإن أستاذ الحشرات يرجح 3 أنواع رئيسية مرشحة أن تكون هي المسؤولة عن هذه الحادثة، أولها الدبور الشرقي المعروف باسم "فسبا أورينتاليس"، وهو النوع الأكثر انتشارا في بلاد الشام، بما في ذلك فلسطين، وسوريا، ولبنان، والأردن، وهو من الأنواع الكبيرة حجما نسبيا، ويتميز بلونه البني المحمر مع خطوط صفراء، وهو دبور اجتماعي يعيش في مستعمرات ويبني أعشاشه غالبا داخل الأرض أو في تجاويف الصخور أو تحت الحجارة.

ويقول الدكتور عبد السميع: "يفضل هذا النوع البيئات المكشوفة، والحدود الزراعية، والمناطق ذات الغطاء النباتي المتوسط، مثل سفوح الجبال والسهول ذات الأحجار المتناثرة، وهي بيئة تتوافر بكثرة في الجولان".

ويضيف: "سم هذا الدبور يحتوي على إنزيمات مثل الفسفوليباز، وببتيدات مثل الماستوباران، وهي قادرة على إحداث تفاعل تحسسي شديد أو تسمم جهازي عام في حالات معينة، وبسبب حجمه الكبير، وسلوكه العدواني عند التهديد، وانتشاره المعروف في المنطقة، فإن احتمال أن يكون هو المسؤول عن لسعة قاتلة في الجولان مرتفع جدا، لا سيما إذا كانت الإصابة مفاجئة ومن لسعة واحدة في موقع حساس".

إعلان

أما الاحتمال الثاني والثالث، فهما الدبابير الأوروبية من نوع "فسبيولا جرمانيكا" ونوع "فسبيولا فلغاريس"، والمعروفة باسم "يلو جاكيت" ، فهي أيضا واسعة الانتشار في بلاد الشام، بما في ذلك سوريا وفلسطين، وغالبا ما توجد في المناطق القريبة من التجمعات البشرية، مثل المعسكرات، والمباني المهجورة، والحدائق، والمزارع، وتبني هذه الأنواع أعشاشها في تجاويف الجدران أو تحت الأرض، وهي أكثر احتمالا للاحتكاك بالبشر بسبب بحثها المستمر عن الغذاء الغني بالبروتين أو السكر.

ويقول عبد السميع: "لسعتها مؤلمة وقد تكون متكررة، إذ يمكن أن تلسع بشكل متتال إذا استشعرت خطرا، ورغم أن حجمها أصغر من الدبور الشرقي، فإن وجودها المكثف وسلوكها الدفاعي يجعلها مرشحة قوية في حالات اللسعات المتعددة، أو حين تكون الحادثة قد وقعت بالقرب من معسكر أو مبنى أو منشأة مهجورة. واحتمالية أن تكون هذه الأنواع هي الفاعلة في حالة الوفاة عالية إلى متوسطة، خاصة إذا وُجدت عدة لسعات أو تم الاستفزاز قرب عش نشط".

وتبقى أيضا دبابير الورق من نوع "بولستيز دومينولا"، المنتشرة في فلسطين وسوريا، من الأنواع المرشحة، رغم أنها الأصغر حجما والأقل عدوانية مقارنة بالدبور الشرقي أو دبابير "يلو جاكيت".

ويقول عبد السميع: "تعيش هذه الدبابير عادة في أماكن مفتوحة، وتبني أعشاشها الورقية المكشوفة تحت الأسطح، أو على الأغصان، أو داخل زوايا الأبنية الزراعية، ورغم أنها لا تهاجم بشكل تلقائي، فإن اقتراب الإنسان من العش أو لمسه قد يثير دفاعا مفاجئا يؤدي إلى اللسع".

ويضيف: "سم هذا النوع أقل تركيزا من غيره، ولكن في حالات نادرة، ولا سيما لدى الأفراد الذين يعانون من تحسس مفرط، قد تؤدي اللسعة إلى تفاعل خطير أو حتى صدمة تحسسية قاتلة. ومع ذلك، فإن احتمالية كون هذا النوع هو المسؤول في حادثة وفاة ميدانية تبقى ضعيفة نسبيا، ما لم تكن هناك ظروف خاصة مثل التعرض المتكرر أو الإصابة في موضع حساس".

وبناء على ما سبق، يخلص عبد السميع إلى أن المرشح الأول والأقوى هو الدبور الشرقي "فسبا أورينتاليس"، لأن وجوده المثبت في المنطقة التي قتل فيها الجندي، وحجمه، وقدرته السمية الكبيرة، وسلوكه العدواني المحتمل في مواجهة تدخل بشري، تجعله الأكثر احتمالا.

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار