قالت الباحثة في علم التراث والآثار د. منى أبو حمدية موقع بكرا ان الدمار الذي أصاب قطاع غزة خلال الحرب الأخيرة لم يعد مقتصراً على الخسائر البشرية أو البنى التحتية الحديثة، بل تمدّد بصورة منهجية ليطال العمق التاريخي والذاكرة الحضارية للمكان.
وأشارت الى أن عمليات التوثيق الميداني والتحليل عبر صور الأقمار الصناعية كشفت عن تدمير 264 موقعاً أثرياً حتى اللحظة، في رقم لا يمكن قراءته بوصفه خسارة مادية عابرة، بل باعتباره فعلاً موجهاً ضد الذاكرة التاريخية والهوية الثقافية الفلسطينية.
واكدت ابو حمدية ان هذه المواقع الأثرية في غزة تمثل سجلاً متراكماً لحضارات تعاقبت على هذه البقعة الجغرافية منذ آلاف السنين، من الكنعانيين إلى الفترة الكلاسيكية المتمثلة بالرومانية والبيزنطية، وصولاً إلى العصور الإسلامية المتعاقبة.
وترى ابو حمدية أن تدمير هذه المواقع لا يعني فقط فقدان حجارة أو مبانٍ، بل محو الشواهد المادية التي تثبت عمق الوجود الفلسطيني التاريخي، وتقطع الصلة بين الماضي والحاضر، وتُفرغ المكان من دلالاته الحضارية.
الاستهداف طال معالم دينية ومدنية وثقافية بالغة الأهمية
وكشفت ان الاستهداف طال معالم دينية ومدنية وثقافية بالغة الأهمية، مثل الجامع العمري الكبير، وكنيسة القديس برفيريوس، وقصر الباشا، وميناء الأنثيدون، إضافة إلى متاحف محلية ومكتبات وأرشيفات احتوت على مخطوطات ووثائق نادرة.
وقالت ان هذا النمط من التدمير يكشف عن تجاوز مفهوم “الأضرار الجانبية”، ليشير إلى مسار يستهدف الذاكرة الجمعية، ويقوّض الرواية التاريخية الأصيلة للمدينة وسكانها.
سياسياً، ترى ابو حمدية ان هذا التدمير الواسع ينسجم مع خطاب الاحتلال القائم على نفي التاريخ الفلسطيني، ومحاولة إحلال رواية استعمارية بديلة تُفرغ الأرض من أصحابها، وتعيد تقديمها بوصفها فضاءً بلا ذاكرة.
وقالت حين يُمحى الشاهد المادي، تصبح الرواية التاريخية أكثر عرضة للتزييف والإنكار، وتُضعف قدرة الفلسطينيين على الدفاع عن حقهم في التاريخ والمكان معًا.
واوضحت الباحثة في علم التراث والآثار انه رغم صدور بيانات إدانة دولية، ولا سيما من اليونسكو ومنظمات حقوق الإنسان، فإن غياب آليات الردع الفعلي والحماية الميدانية جعل هذه المواقع عرضة للاستهداف المتكرر. مشيرة الى أن رقم 264 موقعاً أثرياً مدمراً يجب أن يُقرأ كنداء تحذير أخير: فاستمرار هذا المسار يعني فقدان جزء لا يُعوّض من الذاكرة الإنسانية، لا الفلسطينية وحدها.
وختمت أبو حمدية حديثها بالتأكيد على أن حماية التراث في غزة لم تعد مسألة ثقافية أو أكاديمية، بل أصبحت معركة وجود، تتقاطع فيها السياسة بالتاريخ، والهوية بالقانون الدولي، والذاكرة بحق الشعوب في البقاء.
المصدر:
بكرا