آخر الأخبار

من المنبر إلى البيت: مؤتمر يضع سلامة الأطفال في صلب الخطاب الديني

شارك



في مجتمعٍ عربيٍّ تتقاطع فيه التحديات الصحية مع التحولات الاجتماعية المتسارعة، لم يعد الحديث عن سلامة الأطفال ترفًا أو شأنًا عائليًا خاصًا، بل قضية صحة عامة بامتياز. هذا ما أكده مؤتمر الأئمة والمؤثّرين حول منع الإصابات غير المقصودة عند الأطفال، الذي عُقد يوم الأربعاء 24/12/2025 في مسجد النور بمدينة رهط، واضعًا مسؤولية حماية الطفل في صلب الخطاب الديني والمجتمعي المعاصر.

منتدى الأئمة - سفراء الصحة هو ثمرة تعاون بين مؤسسة أجيك ووزارة الصحة والمجالس المحلية حورة ورهط

من النصّ الشرعي إلى الواقع الصحي

انطلق المؤتمر من مرجعية دينية واضحة، مستحضرًا قول الله تعالى: ﴿قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا﴾، وحديث النبي ﷺ: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته». غير أن الرسالة الأساسية لم تبقَ في إطار الوعظ، بل انتقلت إلى مساءلة الواقع الصحي اليومي الذي يعيشه الأطفال في المجتمع العربي، حيث تقع غالبية الإصابات في الحيّز الأقرب: البيت.

أرقام مقلقة من غرف الطوارئ

في مداخلة مهنية لافتة، عرض الدكتور سعيد أبو عابد، طبيب في قسم الطوارئ، معطيات تعكس حجم التحدي: نسبة كبيرة من إصابات الأطفال تحدث داخل المنازل، فيما تسجّل منطقة الجنوب، ولا سيما المجتمع البدوي، نحو 57% من مجمل الحوادث، مع توثيق 101 حالة إصابة خلال العام الجاري. وتزداد المخاطر في فصل الشتاء نتيجة الحروق وتسرب غاز أول أكسيد الكربون، وهي إصابات يمكن الوقاية من معظمها بإجراءات بسيطة ووعي مسبق.

الإمام… من واعظ إلى قائد مجتمعي

التحول الأبرز الذي ناقشه المؤتمر يتمثل في إعادة تعريف دور الإمام. فبحسب ما أكده الدكتور أحمد أسدي، التغيير المجتمعي الفاعل لا يقوم على اللوم أو التخويف، بل على الإنصات، وبناء الثقة، وتحمل المسؤولية. الإمام اليوم، كما طُرح في المؤتمر، هو قائد اجتماعي يُتوقّع منه أن يصل إلى الأهالي والشباب، بمن فيهم أولئك الذين لا يرتادون المسجد، وأن يقود مسارًا واضحًا يبدأ بالاعتراف بالواقع، يليه قرار واعٍ، وتخطيط مهني، ثم تنفيذ وتقويم.

هذا الطرح عزّزه الشيخ جمال العبرة، مفتش ومشرف المساجد في النقب والقدس، حين شدد على أن المبادرة تبدأ من الفرد، ثم الأسرة، فالجار، لتتحول إلى حالة مجتمعية قادرة على إحداث تغيير مستدام.

قصص من الميدان… تحذير قبل فوات الأوان

من قلب الميدان، عرض سلمان الجماعين تجربة واقعية طويلة في التعامل مع حوادث الطرق، محذرًا من مخاطر المركبات الكهربائية على الأطفال، وهي ظاهرة آخذة في التوسع دون وعي كافٍ بمخاطرها. كما ناقش بانيل مهني شارك فيه الشيخ كمال أبو هنية والشيخ حابس العطاونة، بإدارة سليمان العمور مدير عام مؤسسة أجيك، كيفية انتقال الإمام من دور الواعظ إلى المبادر والمنسّق القادر على إدارة حوار مجتمعي حسّاس حول قضايا تمسّ حياة الناس اليومية.

خلاصات وتوصيات: وقاية بدل ردّ الفعل

خلص المؤتمر إلى أن سلامة الطفل ما تزال قضية “غير مرئية” في كثير من الأحيان، رغم أنها تقع في قلب البيوت. وأكد المشاركون أن التحولات التقنية السريعة خلقت فجوات تربوية تستدعي خطابًا دينيًا متجددًا، رقميًا وبصريًا، يخاطب الناس بلغتهم وأدواتهم.

حماية الطفل… مقصد شرعي وصحة عامة

من الزاوية الشرعية، شدد المؤتمر على أن حفظ النفس مقصد عظيم من مقاصد الشريعة، ويشمل حماية الطفل من الإهمال والخطر غير المقصود، وأن التقصير في الوقاية مع القدرة يُعدّ تفريطًا. كما دعا إلى خطاب يوازن بين الرحمة والحزم، ويستحضر السيرة النبوية كنموذج للرحمة الاستباقية، لا الاكتفاء بردّ الفعل بعد وقوع الضرر.


يخرج هذا المؤتمر برسالة واضحة: حماية أطفالنا ليست ملفًا عابرًا، بل أمانة شرعية وواجب صحي وأخلاقي. وهي مسؤولية تبدأ بالوعي، وتنجح بالفعل، وتترسخ بالشراكة. حين يتحول المسجد إلى منارة أمان، والإمام إلى قائد رحيم وواعٍ، يصبح المجتمع بأكمله بيئة حاضنة للحياة… لا مجرد شاهد على الإصابات.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بكرا المصدر: بكرا
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا