تشهد الساحة الإسرائيلية في الآونة الأخيرة بعد احداث 7 اوكتوبر والحرب على غزة ضغوطًا داخلية غير مسبوقة لإجبار حكومة بنيامين نتنياهو على تشكيل لجنة تحقيق رسمية فيما حدث منذ عامين. وينشط الرأي العام الإسرائيلي، ومعه عائلات القتلى والأسرى، وقطاعات واسعة من النخب الأكاديمية، القانونية، الأمنية والاستخباراتية، يطالبون بلجنة تحقيق مستقلة تُقام بقرار من محكمة العدل العليا، وتُدار برئاسة قاضٍ متقاعد وبمشاركة مختصين قانونيين وأمنيين، لفحص كل ما سبق الحرب وما رافقها وما تلاها.
فعليًا، بدأت بعض التحقيقات الداخلية داخل الجيش والأجهزة الأمنية، وقد قُدمت تقارير أولية للمسؤولين. كما أعلن عدد من كبار القادة العسكريين ورؤساء الأجهزة نيتهم الاستقالة أو قدموا استقالاتهم بالفعل، في خطوة تُفهم كمقدمة لتحمّل المسؤولية المؤسساتية للجيش والمخابرات. غير أن هذه التحقيقات تبقى داخلية ومحدودة الصلاحيات، ولا تُلبي مطلب الشارع الإسرائيلي بتشكيل لجنة تحقيق رسمية شاملة ومستقلة من قبل محكمة العدل العليا ورئيسها يتسحاك عميت.
ويعتبر الفرق بين اللجنتين جوهري. فلجنة التحقيق الرسمية، وفق القانون الإسرائيلي، تتمتع بصلاحيات واسعة لاستدعاء الشهود، والاطلاع على الوثائق السرية، وتحديد المسؤوليات الشخصية والمؤسساتية، وتقديم توصيات ملزمة سياسيًا وأخلاقيًا وأكبر مثال على ذلك اللجنة التي أقيمت بعد 1973 وهي لجنة اجرنات والتي اوصت بإقالة رئيسة الوزراء آنذاك جولدا مئير ولجان تحقيق رسمية اخرى بعد حرب لبنان عام 2006 ولجنة حادثة جبل ميرون. أما اللجنة السياسية، فهي محدودة الصلاحيات، خاضعة للتجاذبات الحزبية، وغالبًا ما تُستخدم لتوزيع اللوم بدل كشف الحقيقة.
هذا ويحاول نتنياهو ومقربيه الدفع برواية تُحمّل المسؤولية الأساسية للأجهزة العسكرية والاستخباراتية، باعتبارها فشلت في جمع المعلومات وتحليلها. لكن هذه الرواية تتجاهل البعد السياسي والاستراتيجي الأوسع الذي كان يؤمن به. فنتنياهو كان صاحب السياسة المركزية تجاه غزة وحماس: دعم “إدارة الصراع” مع الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية بدلا من حله، وكان السماح بتدفق الأموال القطرية إلى غزة، وغضّ النظر عن تعاظم قوة حماس العسكرية، بما في ذلك حفر الأنفاق والتسلح، مقابل إضعاف السلطة الفلسطينية وبهدف منع المصالحة بين الطرفين واستبعاد أي أفق لإقامة دولة فلسطينية.
ويعيش نتنياهو في خضم هذه الأيام صراعًا مريرا مع الزمن. فالضغوط الشعبية تتزايد، والمظاهرات قد تتجدد بقوة، والحديث عن انتخابات مبكرة يلوح في الأفق. في حال مضى في خيار اللجنة السياسية، فإنه يخاطر بتفجير أزمة داخلية عميقة قد تُسقط حكومته. وإذا رضخ لمطلب اللجنة الرسمية، فإنه يفتح الباب أمام تحميله مسؤولية مباشرة كأحد أكبر الإخفاقات في تاريخ إسرائيل.
ويمكن القول بان المسؤولية عن فشل 7 أكتوبر لا تقع على طرف واحد بل هي مسؤولية مشتركة بين المستوى السياسي الذي رسم الاستراتيجية والمتمثلة بدعم حماس واضعاف السلطة كي لا يدفع الحساب وهو إقامة الدولة الفلسطينية، اما المستوى العسكري والاستخباراتي فقد فشل في التنفيذ والتقدير لما كان يخطط له نتانياهو.
المصدر:
كل العرب