آخر الأخبار

سخنين: مدينة كانت رمزًا للنضال الوطني وللرياضة والاستقرار باتت تحت حصار الجريمة والرصاص

شارك

تمرّ مدينة سخنين خلال الأشهر الأخيرة بهزّة غير مسبوقة من حيث حجمها وتداعياتها. ففي الوقت الذي صُدم فيه الرأي العام بحوادث القتل في قرى وبلدات عربية أخرى، مثل مقتل الطالب نبيل أشرف صفية برصاصة طائشة في كفر ياسيف، ومقتل الشابة صباح أبو القيعان في جت بعد أشهر قليلة من زواجها، ومع وصول عدد ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي إلى رقم قياسي تجاوز الـ 240 قتيلًا، تشهد سخنين واقعًا لا يقل خطورة.

اطلاق نار بشكل يومي

إطلاق النار بات يحدث بشكل شبه يومي، مستهدفًا منازل السكان، محالّ تجارية، وحتى مباني عامة، من دون أي ردع فعلي أو شعور بوجود حماية. مدينة كانت تُعرف لسنوات طويلة، سواء في الوعي الإسرائيلي أو الفلسطيني، كمدينة مستقرة ذات نسيج اجتماعي متماسك، ومكانة خاصة في الهوية الوطنية للفلسطينيين المواطنين في إسرائيل، تجد نفسها اليوم في مواجهة انفلات إجرامي يهدد أساس وجودها.

لسنوات، شكّلت سخنين نموذجًا لتوازن دقيق بين الحداثة والتقاليد، وبين الهوية الوطنية والطموح للنمو الاقتصادي. كما مثّل نادي “اتحاد أبناء سخنين” رمزًا وطنيًا وثقافيًا تجاوز حدود الرياضة. إلا أن هذا التوازن بدأ يتآكل بشكل متسارع خلال العام الأخير: انتشار السلاح يتزايد، الردع يتلاشى، والعصابات الإجرامية لم تعد تعمل في الظل، بل باتت تنفّذ عملياتها علنًا في الشوارع.

اليوم، لم يعد السؤال في سخنين هو “هل سيقع الحدث العنيف التالي؟” بل “متى سيقع؟”. الاعتداءات على البيوت والمصالح التجارية ليست جديدة، لكن استهداف مؤسسات ثقافية مثل المكتبة العامة وقصر الثقافة يشكّل منعطفًا خطيرًا. فالمساس بهذه الرموز لا يعني تهديدًا أمنيًا فحسب، بل أزمة اجتماعية وتربوية عميقة، وضربًا لما تبقى من المكانة الأخلاقية للمدينة والمساحات التي تصوغ وعي الأجيال القادمة.

أخبار الإصابات تتوالى في سخنين، كثير من السكان يرفضون التحدث علنًا أو توجيه أصابع الاتهام، رغم أن هوية المتورطين معروفة على نطاق واسع. هذه الظاهرة ليست حكرًا على سخنين، بل تعكس واقعًا عامًا في المجتمع العربي، حيث لا يحظى من يواجه المجرمين بأي حماية فعلية. الشرطة، في معظم الحالات، لا توفر الأمان للضحايا، ما دفع كثيرين إلى التوقف عن التوجه إليها، خوفًا من تعميق تورطهم أو تعرّضهم للانتقام.

الأمثلة على ذلك كثيرة: أشخاص اضطروا لدفع عشرات بل ومئات آلاف الشواقل فقط لأنهم تجرأوا على الحديث عن مجرم أو مجموعة إجرامية؛ آخرون تعرّضت سياراتهم ومنازلهم لإطلاق نار أو للحرق، ثم وجدوا أنفسهم مضطرين لدفع “إتاوات” بعد ذلك.

طالب في جامعة حيفا، من سكان سخنين، طلب عدم ذكر اسمه، قال: “كل سخنين تعرف من هي العائلات والأشخاص المتورطون في الجريمة، لكن لا أحد يجرؤ على مواجهتهم. لا أحد يريد التورط، لأنه لن يجد من يحميه. الأمر يتجاوز سخنين؛ هؤلاء مرتبطون بعصابات إجرامية أكبر خارج المدينة، تموّلهم وتديرهم. المؤلم أن ترى مدينة بتاريخ نضالي وحضور وطني تقف عاجزة ومشلولة. مشهد المجرمين وهم يطلقون النار على المباني ويغلقون الشارع الرئيسي حتى ينهوا ‘مهمتهم’، وكأنهم عمّال أشغال عامة، يختصر تمامًا الوضع الذي وصلت إليه سخنين”.

فرع الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة (حداش) في سخنين أصدر بيانًا حادًا حذّر فيه من أن الجريمة تدفع المدينة “بسرعة نحو الهاوية”. وأكد البيان أن من يطلق النار على مكتبة عامة اليوم، قد يطلق النار على مدرسة غدًا، في توصيف يعكس حجم الخطر الحقيقي الذي بات يقترب من أكثر المساحات حساسية في المدينة.

خطة البلدية

أمام هذا الواقع، طرحت بلدية سخنين خطة أمنية جديدة تقوم على ثلاثة محاور: نصب منظومة كاميرات متطورة مرتبطة بغرفة تحكم تعمل على مدار الساعة؛ الاستعانة بشركات حراسة خاصة؛ وتمويل الخطة عبر قانون مساعد يفرض إضافة شيكلين لكل متر مربع سنويًا على ضريبة الأملاك (الأرنونا).

وأوضحت البلدية أن الكاميرات لن تكون مجرد أدوات توثيق، بل ستُربط بأنظمة تحليل ومتابعة تُمكّن من تتبع مسار المنفذين منذ لحظة التنفيذ حتى الهروب، وتوفير معلومات فورية للشرطة لرفع فرص القبض عليهم.

غير أن الخطة أثارت انتقادات واسعة. كتب أحد الناشطين “تحميل السكان كلفة الأمن، في وقت ترتفع فيه الأرنونا أصلًا، هو تحميل الضحايا ثمن الجريمة، وتحميل البلدية لمسؤولية كان يجب أن تتحملها الدولة وحدها”.

المحامي والناشط الاجتماعي والسياسي عمر حيادرة قدّم قراءة أعمق للأزمة. قال: “وأنا أتحدث معك الآن، أسمع إطلاق نار” وأضاف أن الإغراء بالربح السريع بات محركًا أساسيًا يدفع شبانًا إلى عالم الجريمة، في ظل ضعف الردع وانعدام فرص حقيقية. النتيجة، بحسبه، أن مجموعة صغيرة من المجرمين تعمل بثقة تامة، وهي تعلم أن الشرطة لا تلاحقها بجدية. وتساءل: “إذا كان الناس يعرفون من هم المجرمون، فكيف يعقل أن الشرطة لا تعرف؟”.

ويرى حيادرة أن الفقر في سخنين يشكل أرضية خصبة لتفشي الجريمة، وأن الحديث عن “مجرمين أغنياء” لا يعكس واقع الشبان الذين ينفذون عمليات إطلاق النار مقابل مبالغ زهيدة. وأكد أن البلديات لا تملك القدرة على مواجهة هذه الظاهرة وحدها، داعيًا إلى تحرك سياسي واسع وضاغط.

وختم بالقول إن ما يجري في المجتمع العربي ليس عشوائيًا، بل جزء من مسار أوسع: “ما يحدث هو جزء من خطة بدأت منذ عام 2000. بدل أن ينشغل المجتمع العربي بالنضال من أجل حقوقه أو بقضايا الاحتلال والحرب، بات غارقًا في معركة بقاء يومية من أجل الأمن الشخصي الأساسي”.

التقرير نشر بالعبرية في سيحا مكوميت - لوكال كول

بكرا المصدر: بكرا
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا