آخر الأخبار

"اللهم هجرة": صرخة جيل يبحث عن أفق

شارك

في السنوات الأخيرة، أخذ مصطلح “اللهم هجرة” يتردد بين الشباب العرب في إسرائيل، ليعكس حالة جماعية من اليأس وانعدام الأفق. هذا التعبير الذي نشأ في غزة بعد الحرب، سرعان ما وجد طريقه إلى المجتمع العربي داخل إسرائيل، حيث تتقاطع الظروف السياسية القاسية مع واقع اجتماعي واقتصادي مأزوم. لم يعد الحديث عن الهجرة مجرد خيار فردي، بل تحول إلى شعار ثقافي يعكس رغبة جماعية في الهروب من واقع يتسم بتصاعد الجريمة، ضعف مؤسسات الدولة في حماية المواطنين، وانسداد فرص التنمية أمام المبادرين الشباب.

الأبحاث الحديثة تؤكد أن هذه الظاهرة ليست مجرد انطباع شعبي. دراسة أكاديمية نُشرت في تل أبيب عام 2023 أظهرت أن 54% من الشباب في إسرائيل يفكرون بالهجرة، نتيجة أزمة ثقة خطيرة مع الدولة ومؤسساتها، وانعدام الأمان الشخصي الشرق الأوسط. هذه النسبة المرتفعة تكشف أن الهجرة لم تعد خياراً هامشياً، بل أصبحت اتجاهاً عاماً بين جيل كامل يشعر أن مستقبله مهدد.

في المقابل، المجتمع العربي يعيش تحت وطأة تصاعد غير مسبوق للجريمة والعنف. يبلغ معدل ضحايا جرائم القتل في المجتمع العربي داخل إسرائيل 120 قتيلاً لكل مليون نسمة، مقارنة بـ 8 فقط بين المواطنين اليهود، و10 في الأردن، و22 في لبنان. هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات، بل هي قصص حياة تُفقد يومياً وتزرع الخوف في نفوس جيل كامل.

الأزمة لا تتوقف عند حدود الجريمة، بل تمتد إلى أزمة ثقة متفاقمة مع مؤسسات الدولة. تقرير لمركز الأبحاث والمعلومات في الكنيست كشف أن العرب يشكلون 27% من الشباب في إسرائيل، لكن نسبتهم بين المعتقلين بلغت 65% في السنوات الأخيرة. هذه الفجوة تعكس شعوراً متزايداً بالتمييز في إنفاذ القانون، وتراجعاً في ثقة المواطنين بالشرطة، حيث انخفضت نسبة التبليغ عن الجرائم من 37% عام 2014 إلى 26% عام 2023. النتيجة هي دائرة مغلقة: شباب بلا حماية، بلا ثقة، وبلا أفق، يجدون في الهجرة الحل الوحيد.

من منظور علم الاجتماع، يمكن تفسير “اللهم هجرة” كظاهرة خطاب جماعي تعكس ما يسميه الباحثون بـ”الاغتراب الاجتماعي”. هذا الاغتراب يتولد حين يشعر الأفراد أن النظام الاجتماعي لا يوفر لهم حماية أو فرصاً عادلة، فيلجؤون إلى الهجرة كحل فردي، أو إلى التعبير الرمزي كوسيلة للتنفيس الجماعي. لكن خطورة الظاهرة تكمن في أنها قد تتحول إلى هجرة جماعية صامتة، تُفرغ المجتمع من شبابه وكفاءاته، وتترك وراءها فراغاً اجتماعياً واقتصادياً يصعب ملؤه.

إن انتشار مصطلح “اللهم هجرة” في المجتمع العربي في إسرائيل ليس مجرد موجة لغوية عابرة، بل هو جرس إنذار. إذا لم تُعالج جذور الأزمة – من الجريمة المنظمة إلى ضعف الحماية القانونية وانعدام الفرص الاقتصادية – فإننا أمام خطر حقيقي يهدد مستقبل هذا المجتمع. المطلوب اليوم سياسات تعيد الثقة، وتفتح المجال أمام الاستثمار الآمن، وتضع حداً للجريمة التي تخنق الحلم العربي المحلي. فالهجرة ليست الحل، بل هي النتيجة الطبيعية لغياب الحلول.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا