آخر الأخبار

رياح المنطقة تهب بما لا تشتهيه حكومة نتنياهو

شارك

في تقريره المسرّب من جلسة لجنة الخارجية والامن أفاد غدعون ساعر وزير خارجية اسرائيل بأنه في اي حل مستقبلي سوف تتمسك اسرائيل بالمواقع الاستراتيجية التي احتلها منذ ديسمبر 2024 وحصريا قمم جبل الشيخ ومواقع عسكرية واستراتيجية معنية بها. ضمن هذا الشرط أكد ساعر عن السعي للتفاهم مع النظام السوري. فيما صرح نتنياهو 3/12 بأن دولته معنية بالحل مع سوريا لكن فقط بالشروط الاسرائيلية. وتشدّد إسرائيل على أن أي مخطط مستقبلي سيدرس وفقا للاحتياجات الأمنية فقط، وأن استعداد إسرائيل للتسوية يعتمد على قدرتها في الحفاظ على تفوق استراتيجي ميداني. بما في ذلك ضمان ان يكون جنوب غرب سوريا منطقة منزوعة السلاح وبأن تتمتع اسرائيل بحرية العمل العسكري في سوريا.
تنقل صحيفة "معاريف" 3/12 مسأله استمرار تمركز الميليشيات المسلحة في جنوب سوريا، وبناء عليه "شنت إسرائيل ضربات متكررة ضد أهداف عسكرية ولوجستية سورية مرتبطة بمنظمات معادية". فيما صرح قائد الاركان الاسرائيلي بالجهوزية العسكرية بمواجهة التحديات في كل الجبهات "القريبة والبعيدة".
بدوره وفي حديثه أمام مؤتمر صحيفة "يسرائيل هايوم" صرح أموس هوكشتاين المبعوث الامريكي السابق الى سوريا ولبنان، بأن "كل مسعى لتجديد الحرب في الشمال (سوريا ولبنان) سيعود بالضرر على اسرائيل والولايات المتحدة". يندرج هذا الموقف فيما رشح عن محادثة ترامب نتنياهو الهاتفية يوم 1/12، والتي تميزت بالغضب الامريكي من مساعي التوتير الاسرائيلية على جبهتي سوريا ولبنان.
قراءة:
تُجمع التقديرات الاسرائيلية على وجود تفاوت واسع في الأولويات بين ترامب ونتنياهو في البعد الاقليمي. تربط هذه التقديرات بين الجبهتين السورية واللبنانية، اللتين تتعامل حكومة نتنياهو معهما من منظار أمني مفاده السيطرة الاسرائيلية المطلقة، بينما الادارة الامريكية ترعى الملفين باعتبارهما مفتاحا في الاصطفافا الاقليمية والدولية على السواء وجزء من نظام دولي جديد لصالح التفوق الامريكي.
مفاد النظرة الاسرائيلية هو ان هشاشة الحالتين السورية واللبنانية تفرض تحديات كما وتشكل فرصة مؤاتية للتدخل العسكري وفرض منظومة علاقات وحالة أمنية تخدم مصالح اسرائيل بما فيه فتح المجال لاستغلال جزء من موارد البلدين العربيين. وفقا لهذه الرؤية تفتقر سوريا الى جيش والى طيران واسلحة ثقيلة بعد أن دمرتها اسرائيل، وفي لبنان ترى اسرائيل بأنها حققت الانتصار الاكبر قياسا بمعظم الجبهات الاخرى. بناء عليه تسعى الى ترسيخ وجودها العسكري في معظم المنطقة الممتدة من جنوب غرب سوريا بكامله والجنوب اللبناني، بالاضافة الى سيطرة على المجال الجوي في كل من البلدين.
الجانب الاخر في النظرة الاسرائيلية هو الربط بين الملفين وهذا ليس بجديد. وفقا لهذه الرؤية وخلال الحرب مع حزب الله وفي ربيع العام 2024 كثرت التصريحات الداعية الى التطويق من الجانب السوري من خلال احتلال قطاع كامل من الاراضي السورية والسيطرة على حدودها مع لبنان في كل الجنوب وحتى شمال الليطاني، وقطع أي دعم ايراني من سوريا. في المقابل وبعد سقوط نظام الاسد واحتلال مناطق جبال الشيخ ومناطق في الجنوب الغربي لسوريا، ومع بداية المحادثات مع نظام الشرع، تكررت تصريحات اسرائيلية بضرورة ترسيخ السيطرة واستدامتها في هذه المناطق وفي مقابل التنازل السوري الرسمي يتم التعويض عنها في السيطرة السورية على منطقة طرابلس في شمال لبنان، وتشكيل "طوق سُنّي" يحاصر حزب الله من الشمال، وهو ما رفضه في حينه النظام في دمشق.
موقف ادارة ترامب يفرض على نتنياهو مقاربة مختلفة عما يريد الاخير، وهذا ينعكس في اجتماع الميكانيزم الاخير يوم 3 ديسمبر في راس الناقورة، حيث استدعى رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام قوات فرنسية امريكية تشرف على نزع السلاح في جنوب لبنان، مؤكدا أن نزع السلاح لن ينفذ بالكامل قبل انسحاب اسرائيل الكامل من جنوب لبنان. تدعم الادارة الامريكية الموقف اللبناني، فيما تتماشى مع نمط الضمانات الامريكية في كل من غزة وسوريا بإقامة قاعدة رقابة امريكية في كريات غات في النقب تراقب تنفيذ خطة انهاء الحرب على غزة، وقاعدة في العاصمة دمشق تراقب الاتفاقات الامنية بين سوريا واسرائيل والتي يتم التوصل لها. كما ويشكل الموقف اللبناني تعزيزا للدور الفرنسي وكذلك للدورين المصري والسعودي في ضمان اتفاق وقف اطلاق النار ونزع السلاح وانسحاب اسرائيل واعادة اعمار لبنان.
في هذه السياقات تأتي دعوة ترامب لنتنياهو للقائه قريبا في منتجعه الخاص في فلوريدا، وهي زيارة في حال تمت ستكون قصيرة لا تتعدى 48 ساعة. بناء على التقديرات الاسرائيلية فإن الدعوة تشكل مصدر قلق لنتنياهو؛ فمن ناحية هو مدين شخصيا لترامب في دفع الاخير لاغلاق ملفات نتنياهو القضائية ويبدو الامر قابلا للتطبيق. بخلاف نتنياهو الذي يريد ان يتعامل مع كل ملف اقليمي بشكل ثنائي، بينما مصدر القلق هو في تباين الاولويات حيث يدفع ترامب الى التهدئة في الملفات الثلاثة غزة ولبنان وسوريا وحتى ايران، والتفاعلات الاقليمية بصددها بمثابة أولوية لسياساته ذات الصلة بالمحاور الناشئة وبأطرافها المركزية السعودي والتركي والمصري.
كان اتصال ترامب نتنياهو كافيا كي يعلن الاخير ايفاد مبعوث غير عسكري من مجلس الامن القومي الى محادثات الناقورة مع لبنان، والتراجع عن دق طبول الحرب؛ والى تغيير لهجته بالشأن السوري. ليتابع ترامب تصريحه يوم 4 كانون اول بأن المرحلة الثانية من خطة وقف الحرب على غزة ستبدأ من دون توقف.
في الخلاصة: تجد اسرائيل نفسها امام حالة من انعدام التعاطي الثنائي مع اي ملف اقليمي، وأمام حقيقة تعدد محاور اقليمية تراهن عليها الادارة الامريكية ولا تقبل بالرهان وفقا للأولويات الاسرائيلية. كما تتسع الفجوة بين الادارتين بصدد رؤية ترامب للنظام العالمي مقابل عدم استعداد الحكومة الاسرائيلية لدفع استحقاقاتها التي تصب في صالح الاولويات الامريكية. يندرج هذا التقدير ضمن الالتزام الامريكي الثابت بأمن اسرائيل لكن ليس باضرورة بسياسات حكومتها.
يشهد الاقليمي حاليا حربا من طرف واحد يتمثل في الانتهاكات الاسرائيلية في غزة ولبنان وسوريا. كما يتضح من الاحداث الاخيرة أن لهجة التصعيد الاسرائيلية ممكنة بقدر ما تتيح لها ادارة ترامب ذلك، ما يعني ان قدرة هذه الادارة على الزام نتنياهو وحكومته بالاذعان لها، تتطلب تصعيد الضغوطات العربية والاقليمية على واشنطن لضمان التقدم في مراحل إنهاء الحرب على غزة وفي منع التصعيد الاسرائيلي اقليميا.
هناك مقومات إقليمية ودولية تشكل عقبة جدية امام سياسة التوسع التي تنتهجها حكومة نتنياهو. فيما سدّ هذه الحكومة لأي أفق لحل سياسي له استحقاقاته منها، لا يوقف منحى التطورات والتحولات الكبرى التي لا تخضع لنوايا اية حكومة اسرائيلية. فيما فلسطينيا وعربيا ودوليا، فإن تنسيق الضغوطات على ادارة ترامب بروح الاعترافات بدولة فلسطين والتحول الى مشروع تنفيذي قابل للتحقيق، تشكل جميعها فرصة تاريخية للدفع بهذا الاتجاه.
نتنياهو يذعن مرة اخرى لترامب ويبعث عنه عضو مجلس الامن القومي شخصية غير عسكرية لمحادثات الميكانيزم مع لبنان، ويتحدث عن امكانيات تعاون اقتصادي. وهي خطوة نديّة مقابل لبنان الذي انتدب شخصية دبلوماسية وليست عسكرية ومقيولة امريكيا. المحادثات بعد اسابيع من التهديدات والتلويح بالحرب الشاملة، تؤكد ان الكثير من التصريحات هي للاستهلاك السياسي الاسرائيلي الداخلي والتفاوضي ايضا.
لبنانيا تعزز سيادته مدعومة من مصر والسعودية وفرنسا والولايات المتحدة، وعلى العكس من نوايا نتنياهو. فيما تتعزز القناعات بحقيقة ان نزع السلاح في لبنان سيجد حله لبنانيا وسياسيا، بينما انسحاب اسرائيلي لا تريده حكومة نتنياهو سيتم ارجاؤه حاليا.
سورياً: لا تبدو حكومة نتنياهو بقادرة على الخروج عن الموقف الامريكي واولويات ادارة ترامب، بل لا تبدو قادرة على الاستمرار في فرض هيمنتها للمدى البعيد، وعليه فإن احتمالات تفاهمات أمنية هي الاوفر حظاً.
فلسطينيا وحصريا في الحرب على غزة، فإن خيارات نتنياهو شبه معدومة باستثناء الاذعان لخطة ترامب، وقد يحظى مقابل ذلك بالعفو في ملفاته الجنائية.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا