في أول زيارة خارجية له منذ اختياره على رأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم، اختار بابا الفاتيكان تركيا ولبنان. والسؤال الذي يطرح نفسه: لماذا تركيا بالذات وهي دولة إسلامية لا يتجاوز عدد المسيحيين فيها الواحد بالمائة من عدد السكان؟
معلومات الفاتيكان تقول ان الهدف الرئيس من زيارة بابا الفاتيكان الى تركيا والتي بدأها الخميس الماضي وانتهت أمس الأحد ليس الاطلاع على أحوال المسيحيين في تركيا، بل الهدف منها الاحتفال بالذكرى الـ 1700 لمجمع نيقية في بقايا كنيسة قديمة مغمورة في بحيرة إزنيك، والتي يُعتقد أنها الموقع الذي انعقد فيه مجمع نيقية في عام 325 ميلادية. هذه الزيارة أثارت ردود فعل عنيفة في تركيا من المعلقين الأتراك، وخاصة السياسيين والخبراء العلمانيين باتهام الزعيم الكاثوليكي بحمل دوافع سياسية لهذه الزيارة.
يرى بعض المحللين أن الزيارة هي مشروع سياسي ديني تحت ذريعة ذكرى مجمع نيقية، يهدف إلى إحياء الروح الصليبية، وأن وصول البابا إلى إزنيك في 28 نوفمبر ليس مصادفة، لأن هذا التاريخ من عام 1095 اتُّخذ فيه قرار شنّ الحروب الصليبية على الأراضي الإسلامية.
في زيارته الى لبنان أمس الأحد، والتي تستمر حتى منتصف الثلاثاء القادم، قال بابا الفاتيكان ليو الرابع عشر إن الحل الوحيد للصراع المستمر منذ عقود بين إسرائيل والفلسطينيين يجب أن يتضمن قيام دولة فلسطينية، في تأكيد لموقف الفاتيكان في هذه القضية. وذكر في تصريحات للصحافيين على متن طائرة أقلته من تركيا إلى لبنان: "نعلم جميعاً أن إسرائيل لا تزال لا تقبل بهذا الحل حتى الآن، لكننا نراه الحل الوحيد". ولم يخف البابا صداقة الفاتيكان لإسرائيل بقوله:" نحن أيضاً أصدقاء لإسرائيل، ونسعى لأن نكون صوتاً وسيطاً بين الطرفين لمساعدتهما على الاقتراب من حل يحقق العدالة للجميع". ننتظر الحل يا قداسة البابا.
السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لا يتضمن برنامج البابا زيارة للجنوب اللبناني الذي يعاني منذ سنوات طويلة من ويلات الحروب الاسرائيلية عليه ولا سيما في الفترة الأخيرة. فإذا كان البابا (كما يقولون) يركز على دعم الشعوب المضطهدة لإيقاف العنف والاضطهاد، ومطالبة القوى الدولية بالتحرك لوقف الاضطهاد، ويؤكد على أن السلام يتطلب معالجة أسباب الاضطهاد مثل الحروب وعدم المساواة، فلماذا لا يزور جنوب لبنان؟
ولو استثنينا معاناة أهل الجنوب، فهناك سبب مقنع لزيارة بلدة جنوبية لها أهمية تاريخية في الديانة النصرانية لا تقل أهمية عن مجمع نيقية التركي. هذه البلدة الجنوبية اسمها قانا الجليل، الذي يقول الانجيل ان هذه البلدة شهدت أولى معجزات المسيح، الذي قام (حسب الانجيل) بتحويل الماء إلى خمر خلال مناسبة زواج عندما نفد النبيذ.
ليس هذا فقط. فالبلدة الجنوبية قانا ارتكب فيها الجيش الإسرائيلي مجزرة ذهب ضحيتها أكثر من مئة مواطن لبناني لجأوا إلى مقر تابع لقوات الطوارىء الدولية خلال عملية “عناقيد الغضب" التي قام بها الجيش الاسرائيلي في شهر أيريل /نيسان عام 1996.
القس ميشال عبود، رئيس منظمة كاريتاس لبنان، الذراع الخيرية للكنيسة الكاثوليكية، قال لوكالة أنباء الفاتيكان أن زيارة البابا تعني "أن الشعب سيدرك أنه على الرغم من كل الظروف الصعبة التي مر بها، يجب ألا يشعر بالتخلي عنه".
معذرة سيادة القس، لو كان ما قلته صحيحا، فلماذا لم يتضمن برنامج زيارة البابا الى لبنان زيارة الجنوب ولا سيما قانا الجليل ليشعر الشعب هناك بعدم التخلي عنه؟
المصدر:
كل العرب