المشتركة التعددية أو قائمتان باتفاق
بقلم: المحامي يحيى دهامشة- أمين عام القائمة الموحدة ورئيس المكتب السياسي في الحركة الإسلامية
يدور نقاش واسع اليوم حول تشكيل قائمة مشتركة لانتخابات الكنيست القادمة، ويظهر جليًّا الفارق بين ما تتحدّث عنه القائمة العربية الموحدة بخصوص المشتركة كقائمة تعددية، وبين الذين يريدون من البداية تحديد برنامج سياسي متّفق عليه لهذه القائمة. وهنا سأوضح بعض الأمور.
التعددية السياسية واختلاف مناهج التفكير على مستوى مجتمعنا العربي في الداخل اليوم مقسومة بين الموحدة من جهة، وبين أحزاب المشتركة الثلاثية من جهة أخرى. فبينما تتبنّى الموحدة نهج الواقعية في السياسة، تصرّ الأحزاب العربية الأخرى على النهج وفق منظومات التفكير الماركسية والاشتراكية وتأبى الخروج عنها. يبدأ عمل الموحدة السياسي في تشخيص الآفات المتفشية في مجتمعنا، كالجريمة والعنف، ومشاكل التخطيط والبناء، ومشاكل التعليم بتفرّعاتها، وما إلى ذلك، وبعدها وضع الخطط التي تسعى إلى علاج هذه الآفات؛ من خلال تحديد هذه الأمور كأهداف سياسية، يتم السعي - بالأدوات السياسية المتاحة - لإيجاد طرق وآليات، سواء من خلال دخول مواقع التأثير كتشكيل ائتلافات حكومية تعمل على تحقيق هذه الأهداف أو بطرق أخرى عندما لا يتاح ذلك. بناءً عليه، نحن نلعب اللعبة البرلمانية كما ينبغي أن يلعبها كل حزب يذهب إلى البرلمان في نظام حكم برلماني تتشكل من خلاله السلطة التنفيذية، وهو السعي لأن يكون جزءًا من الائتلاف الحاكم. أما الجلوس في المعارضة فيأتي نتيجة عدم التمكّن من دخول ائتلاف من خلاله تتحقّق الأهداف السياسية، وليس هدفًا مُسبقًا يُطلب لذاته.
بالمقابل، اعتادت الأحزاب الأخرى أن تلعب اللعبة البرلمانية من خلال إبراز المواقف الاحتجاجية ضد النظام الحاكم بشكل عام. وتحدّد الأهداف وفق شعارات كبيرة غير مُعَرّفة من الأصل، كأن تكون الدولة "دولة العدالة الاجتماعية" أو أن تكون "دولة جميع مواطنيها"، حيث يُستغل المقعد البرلماني كمنصة احتجاج من أجل التعبير عن الظلم وإظهار المواقف، بل ويتم شدّ حرية التعبير حتى آخر أطرافها في محاولة، أولًا، لإشباع رغبات الجماهير، وثانيًا، لإشباع رغبات نفس النائب، بأنه ها قد فعل شيئًا من أجل القضايا المهمة. من خلال هذه المنظومة أنت من البداية لا تذهب لتحقق أهدافًا سياسية جدية، بل تُنَظّر في العموميات نحو تكوين الدولة بشكل معين، ويبقى أمر المكاسب السياسية محصورًا في استغلال الفرص هنا وهناك.
لذلك، ترى القائمة العربية الموحدة الكنيست كسلطة يتم من خلالها تنفيذ الأهداف السياسية المرجوة. فعندما يقوم النائب بفعل سياسي ما، كأن يرفع يافطة في الهيئة العامة أثناء حدث تاريخي معين، أو أن يطالب قائد سياسي آخر بتسليم رئيس الحكومة لمحكمة الجنايات الدولية، السؤال هو ليس إن كان هذا العمل وطنيًا أو غير وطني؛ يشفي غليل المواطنين العرب أو لا يشفي غليلهم؛ بل السؤال: كيف يخدم هذا الفعل السياسي الأهداف السياسية التي حددناها عندما أرسلَنا مجتمعُنا العربي إلى الكنيست؟ حتى ممارسة دور فعّال للمجتمع العربي من أجل دعم عملية سلام مرجوة لن يتم من خلال هذه المظاهر الاحتجاجية، بل من خلال لعب دور فعال في مواقع اتخاذ القرار.
رغم كل ذلك، نحن لا ننكر حقّ الأحزاب الأخرى في مجتمعنا أن تمارس عملها السياسي من خلال منظومة التفكير تلك، ولا نرى وجوب انعدامها، بل نؤمن أن التعددية السياسية صحية لأي مجتمع. فهناك أمران أساسيان؛ الأول، أن التعددية واقع لا بد منه؛ والثاني، علينا إدارة هذه التعددية وفق منهج يتيح لكل طرف أن يأخذ حيّزه الذي يستحقه وفق ما يحكم به مجتمعنا ولتحقيق أهدافه السياسية، لأن المجتمع هو المرجعية في الحكم على السياسيين، ونرى انعكاس ذلك في صناديق الاقتراع.
حتى يومنا هذا، الحزب العربي الوحيد في الساحة السياسية الإسرائيلية الذي اكتسب شرعية المشاركة في اللعبة الائتلافية هو القائمة العربية الموحدة. وليس عبثًا أننا نشاهد الهجوم الواسع والشرس على الموحدة من قبل القناة 14 وصحيفة "يسرائيل هيوم"، فاليمين الفاشي يعلم أن الموحدة ستكون أكبر عائق أمام استمرار سلطته في الكنيست القادمة.
الأمر الآخر، نحن نرى القائمة المشتركة كوسيلة وليست هدفًا أو غاية. وهذا بالضبط ما يميّزنا عن باقي الأحزاب، فالموحدة يمكنها اجتياز نسبة الحسم وحدها ودون الحاجة لتشكيل قائمة مشتركة، لكن إيجابية القائمة المشتركة هي أنها تُرسل أكبر عدد من النواب العرب إلى الكنيست، وهذا دائمًا يأتي على حساب أحزاب اليمين الفاشي.
لذلك، مهمّ أن ننوّه بأنّ الهدف في المرحلة القادمة للموحدة ولمجتمعنا العربي هو منع تشكيل أو عودة حكومة فاشية كالحكومة التي تحكم اليوم. وبالتالي منع تشكيل حكومة فاشية لا يتمّ من خلال عدد النواب فقط، بل أيضًا من خلال إتاحة حرية العمل والمناورة للقائمة العربية الموحدة. فلكي يكون لك دور في التأثير على تشكيل الحكومة القادمة، عليك أن تفرض نفسك كلاعب سياسي محتمل في اللعبة الائتلافية. لقد تعلمنا من التجارب السابقة، أن عدد النواب ليس المعادلة الوحيدة التي تمنع تشكيل الحكومة، وعندما لم تفرض المشتركة نفسها كلاعب سياسي محتمل أدى ذلك إلى تحقيق هدفٍ معاكسٍ تمامًا، ودفع الأحزاب اليهودية لتشكيل ائتلاف واسع أو حكومة وحدة وطنية أبقت المشتركة خارج اللعبة تمامًا. فلو حققت المشتركة إنجازًا بعشرين مقعدًا في الكنيست القادمة، بينما استمرت بنهجها القديم، أو بمنع الموحدة من ممارسة دورها، ربما يدفع ذلك إلى تشكيل حكومة طوارئ من دون العرب، عندها مرة أخرى، ستنتصر الأحزاب العربية في تحقيق مكاسب حزبية ومقاعد إضافية، ولكن الخاسر الأكبر بكل تأكيد سيكون مجتمعنا العربي.
لذلك، القائمة المشتركة هي وسيلة لمنع تشكيل حكومة فاشية جديدة، ليس بعدد النواب، بل بفرض نفسها كلاعب سياسي مؤثّر أو بإتاحة حرية المناورة للموحدة. وإن كان الأمر غير مقبول على هذه الأحزاب التي اعتادت أن تفكّر فقط من خلال منظومتها التقليدية (ولها الحق في ذلك)، فالمطلوب هو قائمتان بتفاهم، تتكامل في الدور السياسي، مع اتفاق فائض أصوات بينها، والتزام بقواعد اللباقة وعدم التجريح، لتكون حملة انتخابية بمنافسة شريفة، فالهدف في النهاية هو تعزيز مكانة مجتمعنا العربي وعدم عودة هذه الحكومة، وليس تعزيز مكانة الأحزاب، والأمران ليسا سيَّين بالضرورة.
المصدر:
كل العرب