أأقسمتم العداوة ضدّ الموحَّدة؟
الشيخ صفوت فريج
رئيس الحركة الاسلامية
هل أقسمتم العداوة ضدّ الموحَّدة؟ سؤالٌ يبدو صريحًا، لكنّه يضع إصبعًا على جرحٍ سياسيٍ عميق: تخفيه وراءها مواقف ليست بريئة، بل محاولات للتبرير والتغطية على فشلٍ في تقديم مشروعٍ سياسي قادرٍ على مواجهة التحديات الجسام التي يعانيها مجتمعنا العربي.
الأحزاب المنافسة للموحَّدة اختارت، في كثير من الحالات، الهروب إلى شعاراتٍ عامة عن «مشروع وطني فلسطيني» كذريعةٍ لشرح عجزها. هذا المشروع الذي يعرفه أصغر طفل من أطفال أبناء مجتمعنا الذي حافظ على دينه ووطنه ولغته عبر عقود من التحديات الجسام.
لكنّ الحقيقة أبسط: كثيرون منهم لا يريدون أكثر من مقاعد في الكنيست، ومواقع تأثيرٍ فردية تُبقيهم في دائرة اللعبة القديمة - لعبة التمثيل من داخل مؤسسات دولةٍ لا تزال تسنّ سياساتٍ تمسُّ مجتمعنا في صميم وجوده. وما يُقلقهم بحقّ هو الالتفاف الجماهيري حول الموحَّدة وقادتها، حول مشروعٍ معلنٍ وواضحٍ يتبنّى دوائر انتماءٍ خمسًا لا ينوي الانسلاخ عنها: الإنسانية، والإسلامية، والعربية، والفلسطينية، والمواطنة في دولة إسرائيل. في هذه الدوائر نرى سبل العمل والإصلاح، وبها نرسم طرقًا للمواجهة والتأثير، بعون الله تعالى.
إنّ المشهد الإقليمي والإنساني اختبرَ قِيمًا كانت تُدَّعى: لم تتحرَّك الإنسانية في قلوبِ كثيرين ممن ادّعوا الدفاع عنها أمام مشاهد القتل والدمار في غزة؛ والأمّة الإسلامية مصابةٌ بالعجز والفرقة؛ والأمّة العربية الرسمية تبحث اليوم عن مسارات تطبيعٍ مع من أوغلوا في دماء شعوبٍ عربيّةٍ وفلسطينية.
في هذا المناخ، الفلسطينيون بحاجةٍ ماسةٍ إلى من يقف معهم لا إلى من يتردّد أو يتملّص من مسؤولياته. وهذا ما يجعل بوابة المواطنة داخل الدولة طريقًا استراتيجيًا: المواطنة ليست تنازلًا عن الانتماء، بل أداةٌ لاستثمار الحقوق والمشاركة السياسية لمعالجة أزماتٍ حقيقية، من قتلٍ وهدمٍ إلى تجهيلٍ وإقصاءٍ اقتصادي واجتماعي.
الأمرُ المؤسف أنّ كثيرًا من الأحزاب التي تجاوز عمرها السبعين ما زالت تكرّر الشعارات نفسها بلا مشروعٍ حقيقي.
التقاط الصور في المسيرات، والتنافس على اللافتات والمنصات، لا يقدّم حلًا لما يواجهه المجتمع من تهديدٍ وجودي. هذه الممارسات تعطي انطباعًا بأنّ الهدف والمشروع هو تسجيل موقف أو مشاركة في فعالية لبضع دقائق، وليذهب هذا المجتمع ليواجه مصيره بنفسه، فالسعي الجادّ لحماية الناس وتحقيق مطالبهم اليومية، ليست همّهم.
القائمة المشتركة
ولا بدّ هنا من طرح السؤال الكبير والقرار الحاسم: هل نسعى إلى قائمةٍ مشتركةٍ لإسقاط حكومة نتنياهو-بن جڤير-سموترتش، أم إلى قائمةٍ تزيد من مقاعدها وتمثيلها؟
الشعب يريد القائمة المشتركة التي تؤدي إلى تأثيرٍ حقيقي، وإسقاط هذه الحكومة التي تُعدّ، بلا مبالغة، من أسوأ الحكومات في تاريخ الدولة من ناحية السياسات التي تستهدفنا.
أي تحالفٍ لا يلتزم بهذا الهدف -إسقاط الحكومة وتمكين بديلٍ- لن يكون سوى وسيلةٍ لزيادة رصيد خصومنا ومضيعةً للوقت.
من تجربتنا التاريخية نتعلّم دروسًا قاسية: لن ننسى من أسقط حكومة التغيير. ومن لا يملك ذاكرةً سياسيةً يظلّ عرضةً لتكرار الأخطاء. لا ننسى من صفَّق لعودة نتنياهو، ولا ننسى التصويتات المشتركة التي سمحت بعودة هذه الحكومة، كمستشفى سخنين وغيرها.
وهنا من حقنا أن نسأل الناس بعفويةٍ: ماذا لو بقيت حكومة التغيير شهورًا إضافية؟ ماذا سيحصل لمجتمعنا؟ حيث ظهرت الموحَّدة بقدرتها على معالجة ملفات يومية وحارقة، على رأسها خفض نسب الجريمة والعنف في مجتمعنا، والاعتراف بأربع قرى في النقب في مسار كان من المفترض أن يستمر للاعتراف بباقي القرى، ورصد عشرات مليارات الشواقل لتطوير بلداتنا العربية، وإقرار قانوني الكهرباء والفاتمال لتوسعة مسطحات البلدات العربية، وتعزيز المكانة السياسية للعرب ووضعهم على طاولة اتخاذ القرارات، وغيرها من القضايا، حيث كشف نجاحها عجزَ مشاريعٍ أخرى قائمة على المظاهر لا الجوهر.
لهذا، لا يريد بعضهم استمرار مشروع الموحَّدة: استمرارها يعني تأثيرًا حقيقيًا ومحاسبةً فعلية، لا صورًا على منصات ولا شعاراتٍ جوفاء.
خيارنا واضح وجليّ: مشتركة للمواجهة والمشاركة من أجل إسقاط مَن يحملون تهديدًا وجوديًا لمجتمعنا وشعبنا، مشتركة تعبّر عن المكانة والمكان من أجل اختراق حصون التهميش والإقصاء السياسي، لا من أجل تكريس محاصصة حزبية وزيادة غِلالِهم من المقاعد والمنابر.
في النهاية، أمامنا خياران متضادان: إما وحدةٌ حقيقيةٌ تُستخدم كأداةٍ للتغيير وإسقاط الحكومة، أو وحدةٌ شكليّةٌ تُستخدم لتمرير مصالحٍ خاصة ولإطالة عهد مَن ساهموا في سياساتٍ جائرة.
دعونا نختار بوعيٍ ومسؤوليةٍ، لا بصورٍ ولفتاتٍ عابرة، فالمستقبل لا ينتظر من يتردّدون بين الشعارات والعمل.
المصدر:
كل العرب