في تصريح أثار جدلاً واسعاً، قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مقابلة مع شبكة CBS إنه “سيساعد قليلاً” رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في قضيته الجنائية الجارية. هذا التصريح، الذي جاء بنبرة غير رسمية، لا يمكن اعتباره مجرد تعاطف شخصي أو زلة لسان، بل هو مؤشر خطير على تسييس العدالة وتجاوز الأعراف الدبلوماسية، ويستدعي قراءة نقدية معمقة للسياق السياسي الذي يحيط به.
ما يزيد من خطورة هذا التصريح هو أنه ليس الأول من نوعه. فقد سبق لترامب أن تدخل بشكل صارخ في هذا الملف، حين دعا من على منبر الكنيست الإسرائيلي رئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ إلى منح العفو الرئاسي لنتنياهو، متجاهلاً تماماً التهم الخطيرة الموجهة إليه بالفساد والرشوة وخيانة الأمانة. هذا التدخل الوقح لا يمكن فصله عن محاولة مكشوفة لتقويض استقلالية القضاء الإسرائيلي، وتحويله إلى أداة سياسية تخدم مصالح الزعماء، لا مصالح الشعب أو القانون.
من منظور نقدي، فإن تصريحات ترامب تكشف عن خلل عميق في فهم مبدأ فصل السلطات، سواء في إسرائيل أو في الولايات المتحدة. فالرئيس الأميركي لا يُفترض أن يتدخل في شؤون قضائية لدولة أخرى، خصوصاً إذا كانت هذه الدولة حليفة وتتباهى بنظام قضائي مستقل. مثل هذا التدخل، حتى لو كان رمزياً أو لفظياً، يضعف الثقة في مؤسسات العدالة ويمنح انطباعاً بأن العلاقات الشخصية يمكن أن تتفوق على القانون.
لكن السؤال الأهم الذي يجب طرحه هو: ما هو جوهر الاتفاق غير المعلن بين نتنياهو وترامب، الذي يدفع الأخير إلى الدفاع المستميت عن الأول؟ هل نحن أمام نوع من “الرشوة السياسية” التي يقدمها ترامب لنتنياهو مقابل انصياعه في ملفات إقليمية حساسة، مثل المفاوضات لوقف إطلاق النار في غزة أو التطبيع مع دول عربية؟ أم أن المصالح المشتركة بينهما أعمق من ذلك، وتشمل جوانب شخصية واستراتيجية يصعب كشفها؟
من غير المستبعد أن يكون هناك تنسيق خفي بين الرجلين، يقوم على تبادل الدعم السياسي مقابل النفوذ الإقليمي. فكلاهما يواجه تحديات قانونية داخلية، وكلاهما يعتمد على خطاب شعبوي يهاجم المؤسسات ويشكك في نزاهة القضاء. هذا التشابه في الأسلوب والمصالح قد يفسر لماذا يغامر ترامب بسمعته الدولية للدفاع عن نتنياهو، ولماذا يصر نتنياهو على التمسك بعلاقته بترامب رغم تغير المزاج السياسي العالمي.
من جهة أخرى، فإن ردود الفعل الإسرائيلية على تصريحات ترامب كانت متباينة. البعض اعتبرها دعماً سياسياً في وقت حرج، بينما رأى آخرون أنها تدخل غير لائق في قضية حساسة تمس جوهر الديمقراطية الإسرائيلية. هذا الانقسام يعكس أزمة أعمق في المجتمع الإسرائيلي حول مكانة القانون في مواجهة السلطة السياسية، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة النظام القضائي على الصمود أمام الضغوط الخارجية والداخلية.
في النهاية، فإن تصريحات ترامب لا يجب أن تُؤخذ على أنها مجرد مواقف شخصية، بل هي مؤشر على تراجع القيم الديمقراطية أمام التحالفات الشخصية والمصالح السياسية. وإذا لم يتم التصدي لهذا النوع من التدخلات، فإننا أمام خطر حقيقي يتمثل في انهيار ثقة الشعوب في مؤسسات العدالة، وتحول السياسة إلى ساحة للصفقات لا للمحاسبة.
إن الدفاع عن استقلال القضاء لا يجب أن يكون شعاراً فقط، بل ممارسة حقيقية تتطلب رفض أي تدخل خارجي، مهما كانت دوافعه أو مكانته. فالقانون يجب أن يبقى فوق الجميع، لا أداة في يد الأقوياء.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com
المصدر:
كل العرب