آخر الأخبار

مسرح الميادين - ام الفحم يقدم مسرحية ‘العالقان بين نقطتين‘

شارك

منذ العروض الأولى لمسرحية "العالقان بين نقطتين" يحقق مسرح الميادين - أم الفحم نجاحا كبيرا، اذ يقدم عملاً مسرحياً عميقاً يناقش قضايا الهوية والحرية والاضطهاد. وحصل العمل على جائزة أفضل ممثل في مهرجان تسافتا للمسرح لعام 2025.

تصوير: مسرح الميادين

في أمسية مسرحية استثنائية، شهد مسرح مركز العلوم والفنون في أم الفحم، مؤخرا، العرض الأول لمسرحية "العالقان بين نقطتين"، من إنتاج مسرح الميادين في ان الفحم. وقد قُدمت المسرحية ضمن مشروع "عدة لوحات مسرحية" الذي أطلقته جمعية الميادين لتطوير المسرح والفنون الأدائية، في محاولة لتقديم أعمال مسرحية تتجاوز الترفيه إلى مساءلة الواقع وإعادة تفكيكه. المسرحية من تأليف خالد صالح محاميد وإخراج محمد عبد الرؤوف محاميد، وبطولة أحمد عادل جبارين ود. سامي محاميد.

جائزة أفضل ممثل
وفي عرضه الثاني (يوم السبت: 13/09/2025)، شارك مسرح الميادين في مهرجان تسافتا السنوي في مدينة تلأبيب. واقتنص جائزة أفضل ممثل من بين عشرات الممثلين الذين شاركوا بالمهرجان (من 22 فرقة مسرح) من مختلف أنحاء البلاد.
تطرح المسرحية حوارًا فلسفيًا وجوديًا بين شخصيتين رمزيّتين: "الشرقي" و"الغربي"، المستلقيين على جزيرة معزولة وسط بحر من الأسئلة. تبدأ المسرحية بسرد شعري مكثف يعكس الانكسار، ثم تتطور إلى صراع فكري حول مفاهيم الحرية، الهوية، الاحتلال، والحق في السرد.
تنقسم المسرحية إلى ثلاث لوحات درامية: الأولى بعنوان "العالقان بين نقطتين"، وتتناول حوارًا رمزيًا حول المعاناة والكرامة؛ الثانية "زيارة"، تصور مأساة السجناء وذويهم في مشهد يُحرم فيه الناس من أبسط حقوقهم؛ والثالثة "الجلاد والمجلود"، وهي مواجهة موجعة بين الظالم والمظلوم، حيث يبرر الجلاد عنفه بينما يتمسك المجلود بكرامته.
تتناول المسرحية مجموعة من المواضيع العميقة، أبرزها الذاكرة الجمعية والهوية الممزقة، حيث يتحدث "الأنا" باسم "شعب مضطهد"، يحمل وجعه الشخصي كامتداد لآلام جماعية. كما تطرح المسرحية نقدًا حادًا للاستعمار والاضطهاد، من خلال مشاهد تُجرد الضحية من إنسانيتها لتبرير العنف الممارس ضدها. في المقابل، يصرّ "الأنا" على أن المعاناة ليست فردية بل جماعية، رافضًا خطاب "الفردانية" الذي يتجاهل جذور الألم.
وتُعرّي المسرحية أيضًا الخطاب السياسي والإعلامي الملفق، الذي يصوّر المعتدي بطلاً والضحية مفسدًا، في مشهد يصف كيف تُستخدم أدوات القوة الناعمة لتبرير القمع أمام العالم. ورغم سوداوية المشهد، يتمسك "الأنا" بالأمل، ويصرّ على الحلم كفعل مقاومة، مؤمنًا بأن الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع، وأن الحلم هو أولى خطوات الخلاص.

الأداء التمثيلي: قدم سامي محاميد أداءً مميزا ومقنعاً في دور "الأنا - المضطهد"، مجسداً شخصية معقدة تتأرجح بين القوة والضعف، بين الثقة والشك. نجح في إظهار التناقضات الداخلية لشخصية تمثل منطق القوة والسيطرة. وقد فاز الممثل سامي بجائزة أفضل ممثل في مهرجان تسافتا للمسرح.
من جانبه، قدم أحمد عادل جبارين بأداءً متميزاً في دور "الآخر - المسيطر"، حيث نجح في إيصال عمق المعاناة الإنسانية والصمود أمام المحن. كان أداؤه مليئاً بالشاعرية والقوة الداخلية التي تتطلبها شخصية "الأنا".
التفاعل بين الممثلين كان طبيعياً وعميقاً، مما خلق توتراً درامياً مستمراً يحافظ على انتباه الجمهور طوال العرض.
الإخراج الذي تولاه محمد عبد ا لرؤوف محاميد بحرفية عالية، جاء بصريًا متقشفًا لكنه بالغ التعبير، حيث اعتمد على الإيماءة، الضوء، ولغة الجسد بدل الزينة المسرحية. شاشة العرض التي استخدمت لتكملة الفضاء المسرحي أضافت بعدًا بصريًا، حركيا وإيمائيا موازٍ للحوار الداخلي، ما منح العرض عمقًا فلسفيًا إضافيًا، واضاف طابعًا تأمليًا عميقًا.
أما الإضاءة، التي صممتها نعمة زكنون، فقد لعبت دورًا مركزيًا في تعزيز الإحساس بالوحدة والعزلة، حيث كانت الانتقالات بين العتمة والنور تُعبّر عن التحولات النفسية للشخصيات.

وقد أعد الموسيقى محمود جبارين، حيث رافقت نغماتها أحداث "العالقان بين نقطتين" كظلٍّ يكشف عن الأحاسيس المتقلبة، فكانت العود والجيتار أكثر من مجرد أدوات عزف، بل أصواتًا داخلية تُعبّر عن صراع الأنا والآخر في دواخلهم قبل أن تنطق به الشفاه.
جاء التوزيع الموسيقي بحساسية عالية، حيث تصاعدت النغمات في لحظات التوتر، وخفتت لتلامس الصمت في لحظات التأمل والانكسار، مما منح العرض بعدًا شعوريًا إضافيًا، وخلق حالة من الاتساق العاطفي بين النص والمُشاهد.
الديكور المسرحي جاء بسيطًا لكنه رمزيًا، حيث استخدمت عناصر مثل الصندوق، النار، المقعد، والشاشة، كأدوات تعبير نفسي أكثر من كونها واقعية، ما يعكس فلسفة العرض في الابتعاد عن المباشرة والانغماس في التأويل.
ما يميز العرض هو استخدامه للغة شعرية مكثفة، وجرأته في طرح إسقاطات سياسية واجتماعية بأسلوب أدبي، إلى جانب الانتقال السلس بين الحوارات الذهنية والمشاهد الحركية، والنهاية المفتوحة التي تُجبر المشاهد على التأمل والتساؤل.
عند إسدال الستار، خرج جمهور من المسرح مع تجربة وجودية مكتملة الأركان. فقد بدا واضحًا أن "العالقان بين نقطتين" ليست مجرد مسرحية، بل تجربة وجودية، وثيقة صارخة، وتأمل فلسفي في معنى الكرامة وسط الركام. عرضها الأول كان بمثابة لحظة مسرحية نادرة، تُحفر في ذاكرة من شاهدها، وتُعيد تعريف المسرح كأداة للوعي، لا للترفيه فقط.

لقراءة المقال كاملا إضغط هنا للذهاب إلى الموقع الرسمي
بانيت المصدر: بانيت
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا