الإعلامي احمد حازم
من عادتي أن أكتب عن تواريخ فلسطينية من الصعب نسيانها، لها علاقة بالوطن الفلسطيني أو برجال تركوا بصمات منيرة في تاريخ هذا الوطن. ومن التواريخ التي لا تمحى من الذاكرة الوطنية الفلسطينية تواريخ مئات المجازر التي ارتكبتها إسرائيل بحق الفلسطينيين قبل وبعد تأسيها عام 1948 لغاية اليوم.
ومن بين هذه المجازر مذبحة مخيم صبرا وشاتيلا بالقرب من بيروت والتي ارتكبها الجيش الاسرائيلي في السادس عشر من شهر سبتمبر عالم 1982 بالتواطؤ مع ميليشيات مسيحية لبنانية يمينية، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من ثلاثة آلاف شخص.
هذه المجزرة التي تعتبر إحدى أكبر المجازر التي عاشها الفلسطينيون، تمر هذه الأيام الذكرى 43 لارتكابها. ويبدو أن إعلام عرب اسرائيل نسي ذكرى هذه المجزرة بدليل عدم تطرقه اليها وهي من الذكريات المؤلمة جداً للفلسطيني الوطني المخلص لشعبه. وبما اني لا أريد التعميم فيما يتعلق بذكرى هذا الحدث الفظيع، على اعتبار هناك وسائل اعلام لم تنس هذه المجزرة وتتطرق لذكراها دائما. وقد يكون عدم التطرق لذكراها هذا العام هفوة بسبب تراكم الأحداث والمجازر. لكن بشكل عام لم أقرأ أي مقال في إعلامنا عن الذكرى 43 لمحزرة صبرا وشاتيلا.
تراهنت مع صديق لي حول هذه الذكرى. أعربت لصديقي عن قناعتي بأن لا أحد من كتاب عرب إسرائيل سيكتب عن هذه الذكرى وأنا سأنتظر ثلاثة أيام وسنرى. فرد علي باستغراب: "معقول؟" وهذا ما حصل بالفعل. وبادرت أنا بالكتابة عن هذه الذكرى كما أفعل كل عام تقريبا. وأمل أن أكون مخطئاً في ادعائي وأن يخرج صحفي ما ليخبرني بأنه كتب مقالاً حول ذكرى مجزرة صبرا وشاتيلا لهذا العام وأنا جاهز للاعتذار منه.
تقارير لجنة كاهان الإسرائيلية التي تشكلت للتحقيق في هذه المجزرة، حمّلت شخصيات إسرائيلية مثل وزير الدفاع الاسرائيلي الأسبق أرييل شارون مسؤولية غير مباشرة، لكن لم تتمّ محاكمة أيّ من المسؤولين الإسرائيليين أو اللبنانيين عن المجزرة، بل تمّت مساعدتهم للإفلات من العقاب، ومن ثمّ ارتكاب المزيد من الجرائم.
التاريخ يعيد نفسه. ما يجري اليوم من مجازر بحق الفلسطينيين في غزة، وسكوت المجتمع الدولي يعكس نفس السلوك الذي حدث في صبرا وشاتيلا إسرائيلياً ودولياً. وهذا الصمت الدولي (والعربي) يعطي ضوءاً أخضر لإسرائيل لمواصلة اعتداءاتها ليس على الفلسطينيين فقط بل وعلى دول عربية أخرى أيضا وكانت آخرها قطر وقبلها لبنان وسوريا واليمن. ولولا إدراك إسرائيل بأن المجتمع الدولي لن يفرض عليها عقوبات حقيقية لما تجرأت على الاستمرار في سياساتها العدوانية وهو ما يحصل في قطاع غزة منذ قرابة عامين.
ويجب على الجميع أن يفهم أن هذه المجزرة ليست مهمة فقط في ذكراها، بل هي درس تعلمه الفلسطيني من هذه المجزرة، وهو درس عدم التخلي عن سلاح المخيمات في لبنان، في ظل الدعوات المتكررة اليه، والتي تُطرح كحلّ لتحقيق السلام. لكن التجربة التاريخية في صبرا وشاتيلا تظهر أنّ نزع السلاح قد يترك الشعب الأعزل عرضة للقتل ولا يستطيع الدفاع عن نفسه كما جرى في مخيم صبرا وشاتيلا.