آخر الأخبار

حين تحوّل الزيّ الرسمي إلى أداة قتل: أزمة ثقة أم سياسة ممنهجة؟

شارك

في الأسبوع الأخير، شهد المجتمع العربي داخل إسرائيل موجة عنف دموية، حيث قُتل ثمانية مواطنين، بعضهم أمام أفراد عائلاتهم، على يد عصابات مجهولة تنكرت بزيّ الشرطة واستخدمت أدواتها. هذه الجرائم ليست مجرد حوادث قتل، بل هي مؤشر خطير على انهيار ما تبقى من علاقة بين المواطن العربي ومؤسسات الدولة، وعلى رأسها الشرطة، التي باتت تُستخدم رمزيًا كغطاء للجريمة بدل أن تكون حصنًا ضدها.

استخدام الزيّ الرسمي من قبل جهات إجرامية ليس مجرد تمويه، بل هو استغلال متعمد لرمزية السلطة، ما يزرع الخوف ويعمّق أزمة الثقة القائمة أصلًا بين المواطن العربي والشرطة. هذه العلاقة المتوترة لم تنشأ من فراغ، بل من تراكمات طويلة من التهميش، التجاهل، والتمييز البنيوي في توزيع الموارد والخدمات، حيث لطالما شعر المواطن العربي أن الشرطة لا تمثله، بل تراقبه وتستهدفه، وتتعامل معه كعدو يجب السيطرة عليه، لا كمواطن يستحق الحماية والخدمة.

اليوم، يعيش المواطن العربي بين المطرقة والسندان: من جهة، عصابات إجرامية تقتل بدم بارد، تتنكر بزيّ الشرطة وتنفذ عمليات تصفية أمام العائلات وفي وضح النهار؛ ومن جهة أخرى، شرطة غائبة أو متقاعسة، ودولة تتعامل مع أمن المواطن العربي كقضية هامشية لا تستحق الاستثمار أو الجدية. هذا الوضع يخلق فراغًا أمنيًا خطيرًا، يدفع الناس إلى العيش في حالة من الرعب، ويُفقدهم الثقة بأي جهة يمكن أن توفر لهم الحماية.

من المفارقات الصارخة أن ميزانيات الشرطة في البلدات العربية لا تصل إلى ربع ما يُخصص للمواطن اليهودي. ورغم هذا التفاوت، تتذرّع الشرطة بشح الميزانيات لتبرير ضعف حضورها وخدماتها في المجتمع العربي. لكن الحقيقة أكثر تعقيدًا: فقد حصلت الشرطة على مئات الملايين من الشواقل ضمن الخطة الخماسية 550، التي كان من المفترض أن تُخصص لتحسين الخدمات وتعزيز أمن المواطن العربي. إلا أن هذه الأموال استُثمرت في زيادة التسلح، وتوسيع أدوات الردع، ما أدى إلى تعميق أزمة الثقة بدل حلّها. بدل أن يشعر المواطن العربي بالأمان، بات يشعر أنه مستهدف أكثر، وأن الدولة تستثمر في مراقبته لا في حمايته.

وهنا يبرز سؤال جوهري: ما هي أهداف الشرطة وأجهزة الأمن والدولة من وراء هذا الإهمال المنهجي لأمن المواطن العربي؟ هل هو مجرد فشل إداري؟ أم أن هناك سياسة ممنهجة تهدف إلى إبقاء المجتمع العربي في حالة من الفوضى والضعف، بحيث يسهل التحكم فيه وتهميشه؟ على ما يبدو، ان الجواب انه يُنظر إلى المواطن العربي كتهديد يجب احتواؤه، لا كجزء من الدولة يجب تمكينه.

القتل أمام أفراد الأسرة، وفي وضح النهار، وبأسلوب احترافي، يزرع الخوف في النفوس ويخلق حالة من الشلل الاجتماعي. لم يعد الخوف مقتصرًا على الجريمة، بل أصبح من أولئك الذين يتقمصون دور رجال الأمن، مستغلين رمزية الدولة لتنفيذ عمليات تصفية. كيف يمكن لمواطن أن يشعر بالأمان إذا كان لا يستطيع التمييز بين من يحميه ومن يهدده؟ في ظل هذا الواقع، لم تعد العلاقة بين المواطن العربي والشرطة متوترة فحسب، بل وصلت إلى نقطة الانهيار الكامل، حيث لم يبقَ ما يُبنى عليه من ثقة أو شراكة.

الردّ الرسمي لا يجب أن يقتصر على فتح ملفات وتحقيقات. المطلوب مساءلة حقيقية: لماذا تتكرر هذه الجرائم؟ من المستفيد من نشر الفوضى؟ ولماذا لا تُفعّل أدوات الدولة لحماية مواطنيها العرب كما تُفعّل في أماكن أخرى في البلدات اليهودية؟ الصمت الرسمي، أو الاكتفاء بالإدانة، هو مشاركة غير مباشرة في الجريمة. وإلى أن تُعاد صياغة العلاقة بين الشرطة والمجتمع العربي على أساس احترام المواطن، ستبقى هذه الجرائم تُنفذ تحت غطاء الدولة، ولو بشكل غير مباشر.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا