في الزمن الجميل قبل عقدين من الزمن او اكثر كان للوجهاء في كل بلد او منطقة تأثير كبير في حل المشاكل وقضايا القتل والمس بالشرف وكل المشاكل الأخرى الشائكة, وهذا الشىء منع تفاقم المشاكل وكان حلهم سريعا للقضايا ومنع سفك الدماء ، فكانت الناس تطلب تدخل فلان من الناس بوجاهته لحسم القضية ورأب الصدع ويكتب الله التوفيق لأولئك الوجهاء في كثير من تدخلاتهم، فيرى الناس أثر لمساتهم على المجتمع في شتى المجالات، ومن هؤلاء الوجهاء الشيخ اسعد الفواز ابو منصور - عرب الهيب -عيلبون , الشيخ عوض خلايلة من سخنين , الشيخ محمد على من نحف , الشيخ أبو فوائد دهامشة من كفركنا , وغيرهم الكثير رحمهم الله جميعا , ولا انسى السيد احمد الجربوتي ابو صالح له طول العمر وله باع طويل في الاصلاح بين الناس وكذلك حسن حريب ابو فتحي عشيرة الحجيرات , وأخرون , وكان الاحترام لاكابر القوم والأخذ بآرائهم والاستنارة بمشورتهم، والاستعانة بهم , فالمجتمعات العربية تسير على هذا النمط ، وليس ذلك مناقضا ما جاء به الإسلام، بل هو من صميمه، وهو الوسيلة الأقرب والأيسر لتطبيق كثير مما جاء به الشرع من حلول ومنافع، واليوم ترى الخلل واضح حين يعرض الناس عن أكابرهم إعراضا نتج عن الفهم السقيم لمعنى "مواكبة العصر" واليوم نتيجة غياب دور الوجهاء في مجتمعنا كثر العنف والقتل وهناك الكثير من المشاكل الشائكة بدون حل , وينطبق على هذه الحالة قول النبي صلى الله عليه وسلم "وينطق الرويبضة" قيل وما الرويبضة؟ قال : السفيه يتكلم في أمر العامة. فحديث النبي واضح ويشير إلى ترك الأمور لأهلها، وزجر ونهي عمن لا يجد في نفسه الأهلية للحديث في أمور الناس عن تصدر قضاياهم والخوض في مشاكلهم، فإن ذلك مُؤذن بالفساد المجتمعي، ومنذر بالفوضى .
ان رفع الخصومة بين الناس إلى القضاء والمحاكم الإسرائيلية يعتبر في مجتمعنا من أسباب القطيعة بين الجيران والأقارب ,وإن " الشكاوى تجلب العداوة " تمشيا مع قول أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب رضي الله عنه الذي قال:" ردوا الخصوم حتى يصطلحوا فأن فصل القضاء يحدث بين القوم الضغائن ." .والمثل العربي يقول : " الشكاوى عداوة ".
فهؤلاء الوجهاء كانوا صمام الأمان في مجتمعنا , حيث كانوا يصلون مباشرة بعد حصول حالات القتل أو الشجارات العنيفة بين العائلات في قرانا لتقديم " العلاج " الأولي ,وفرض الحلول ووضع ضوابط لحفظ الامن والأمان بين المتخاصمين مثل العطوة أو هدنة لحصر الخلاف والتحكم به قبل أن يتوسع ويكبر , ويسعوا لنزع فتيل الاقتتال , وسد الطريق أمام المفتنين , وهدفهم بعد ذلك إنهاء الخصومات بعد حدوث الجرائم برضى وقناعة كافة الأطراف المعنية بالقضية خلال وقت قصير , وذلك لحقن الدماء من اجل استمرار السلم الأهلي في مجتمعنا , ورأب الصدع وإرجاع الوضع على ما كان عليه سابقا قبل الخصام وتعزيز روح الأمن وبث روح الوحدة في المجتمع من اجل الحفاظ على النسيج والتكافل الاجتماعي والحفاظ على الترابط الأسري , وبذل الجهود الكبيرة من اجل أن يكون مجتمعا بحالة أفضل , يسوده الأمن والأمان والاستقرار والتسامح ,وكانوا يعملون وفق ضوابط الأعراف والعادات والتقاليد الاجتماعية ؛ وذلك للوصول حل يرضي طرفي النزاع .ما احوج مجتمعنا اليوم لمثل هؤلاء الوجهاء رحمهم الله لحل المشاكل الاجتماعية الشائكة .
الدكتور صالح نجيدات