آخر الأخبار

الفاتح من أيلول: عيد العلم وبداية الحكاية الدراسية

شارك

ها قد أطلّ أيلول، يحمل في طياته رائحة الورق الجديد، وصوت الأجراس التي تعلن بدء عام دراسي جديد. إنه اليوم الذي يعود فيه مئات الآلاف من طلاب مجتمعنا إلى مقاعد الدراسة، بعد أن ودّعوا حرارة الصيف وكسله، وتهيّأوا لحمل كيس العلم الذي ينتظر أن يُملأ بالمعرفة، بالتجربة، وبالأحلام.

في هذا اليوم، لا تعود المدارس مجرد مبانٍ من حجر، بل تتحول إلى ساحات للنهضة، ومصانع للأفكار، ومنارات تُضيء دروب المستقبل. الطلاب، صغارًا وكبارًا، يدخلون أبوابها كمن يدخل مغامرة جديدة، مجهزة بالفضول، وبالطموح، وبالرغبة في التغيير.

يحمل كل طالب حقيبته، لكن ما بداخلها ليس فقط دفاتر وأقلام، بل أحلام صغيرة تنمو مع كل درس، وكل سؤال، وكل إجابة. يحملون معهم قصص الصيف، وضحكاته، وها هم الآن ينسجون فصولًا جديدة من حياتهم، بين جدران الصفوف، وتحت إشراف معلمين ومعلمات نذروا أنفسهم لبناء الإنسان قبل بناء المنهج.

لكن العلم وحده لا يكفي. فكما نزرع المعرفة، علينا أن نزرع القيم. على الطلاب أن يتحلّوا بروح التسامح، وأن يتعلموا كيف يختلفون دون أن يتخاصموا، وكيف يحبون الآخر دون أن يشبههم. المدرسة ليست فقط مكانًا لتلقّي المعلومات، بل هي مختبرٌ للعيش المشترك، حيث تُصقل الأخلاق، وتُبنى جسور الاحترام، وتُغرس بذور اللاعنف، والتعاون، والانتماء.

التسامح ليس ضعفًا، بل هو قوة العقل الناضج. واللاعنف ليس حيادًا، بل هو موقفٌ شجاع في وجه الكراهية. ومحبة الآخر ليست مجاملة، بل هي أساس بناء مجتمع متماسك، متنوع، وغنيّ بتعدديته.

وفي قلب هذا المشهد، تبرز أهمية التحصيل العلمي لنا كأقلية عربية في إسرائيل، تكافح يوميًا من أجل نيل الفرص، وتثبيت الوجود، وتحقيق العدالة. التعليم هو سلاحنا النبيل في مواجهة التحديات البنيوية، والتمييز، والإقصاء. هو طريقنا نحو التمكين، نحو كسر الحواجز، ونحو إثبات الجدارة في كل ميدان.

ورغم التمييز المستمر في ميزانيات التعليم، ورغم الفجوات البنيوية التي تعيق تطور مدارسنا، يثبت مجتمعنا عامًا بعد عام أنه قادر على نهل العلم، وعلى التفوق، وعلى تحويل التحدي إلى إنجاز. فالإرادة لا تُقاس بالميزانيات، بل بالعزيمة، وبالإيمان بأننا نستحق الأفضل، وسنصنعه بأيدينا.

وهنا لا بدّ من أن نُعلي الصوت ونُجدد الثقة بطواقم المعلمين والمعلمات العرب، الذين يقفون في الصفوف الأمامية، حاملين رسالة التربية والتعليم بكل أمانة. هم ليسوا مجرد ناقلين للمعرفة، بل هم قادة مجتمعيون، ومربّون، ومُلهمون. بعطائهم، بصبرهم، وبإيمانهم بقدرات أبنائنا، يزرعون الأمل في كل صف، ويضيئون الطريق نحو مستقبل أكثر عدالة وكرامة.

وفي هذا اليوم، يوم العودة إلى المدارس، يوم عيدنا التعليمي، نشعر بفخر عميق واعتزاز لا يُضاهى بمجتمعنا الذي ينهض رغم التحديات، ويؤمن بأن العلم هو طريق التحرر، والكرامة، والتمكين. هو يوم نرفع فيه رؤوسنا عاليًا، ونقول: نحن مجتمع حيّ، نابض، يزرع الأمل في قلوب أبنائه، ويصنع المستقبل بإرادته الحرة.

فلنحتفل بهذه البداية، ولنمنح أبناءنا الدعم، والتشجيع، والإيمان بأن كل يوم في المدرسة هو خطوة نحو تحقيق الذات، ونحو بناء مجتمع أكثر علمًا، وأكثر إنسانية، وأكثر محبة، وأكثر عدالة، وأكثر قدرة على انتزاع حقه في الحياة الكريمة، وأكثر فخرًا بانتمائه وهويته.

المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا