آخر الأخبار

إما التكامل او التآكل

شارك

دعوني أخبركم بأني منذ نشاتي الثقافية، ومنذ أن بدأت في طلب العلم الشرعي، لطالما كنت شغوفاً بمادة الفقه المقارن، أو ما اصطلح على تسميته بعلم الخلاف، ولطالما حاولت إشباع نهمي للعلم والمعرفة في هذا الفن خاصة، وكنت منتبها على الدوام إلى فهم الأكبار من العلماء للدليل ومراتبه، فكيف يتصور الفقيه المسألة؟ ثم كيف يحرر محل الخلاف ونشاته، إلى أن يطرح الأدلة ويناقشها ليرجح ما استقر عنده، مما كون عندي حالة ذهنية ونفسية جعلتني أستسيغ الخلاف وأتقبله، وأفهم التعددية الفكرية بشكل عام، ومن يتذكر العقلية السائدة قبل أكثر من عقدين، يستطيع أن يرى حالة التكامل الدعوية الحاضرة وبقوة في تلك الفترة، فلقد قرأنا وسمعنا لكمّ كبير من العلماء والدعاة دون أن نصنفهم، او حتى دون السؤال عن منهجهم، مما خلق لدى من عاصرهم حالة سمو ورقي، تعلو على الخلافات الفقهية.
ودارت الأيام، واختلف الزمان، حتى مررنا بتجارب أشبه بالصدمات النفسية، تشبع من عاصرها بكثير من الاستقطاب والتنافر، وبات الحال على ما هو عليه اليوم.
ومع دراستي ومعاصرتي لتجارب الكثير من الجماعات والأحزاب، كانت تستوقفني حالة الجمود والصخب، والإنكار المبالغ، والتعصب الأعمى، لم أستطع فهمها إلا من خلال دراستي لعلم النفس، مما أدى بالضرورة إلى فهمي لحالة الوعي الجمعي لعامة المسلمين، ووفقت إلى إدراك حالة الاستقطاب والتشنج الفكري بداية، والذي تحول لاحقاً إلى احتراب بيت تلكم الجماعات بمستويات متباينة.
وفي كل نائبة تصيب أمتنا يكون للدين نصيب الأسد، ذلك وبانه وبحسب فهمي واجتهادي، قد نجح السواد الأعظم من المنظرين للخلافات الفرعية، بتحويلها إلى ما يشبه المسائل التوقيفية، وإظهارها بمظهر المعلوم من الدين بالضرورة، وبعيدا عن النوايا والخبايا والأجندة المسيسة في غالبها، تعالوا لنقفز على التاريخ، ونتعامل مع الحاضر بحلوه ومره.
الحقيقة الواضحة والجلية على الاقل من وجهة نظري هي أن براثن الفتن والنزاعات لطالما وجدت بيننا بيئة خصبة لتتكاثر وتنتشر، والتي يغذيها العنف والكراهية والطائفية البغيضة والرغبة في الانتقام، وهذا نابع من محاولة احتكار الجميع للحق،
فدولة مثل سوريا التي طالما لبست ثوب التعددية الدينية والعرقية، واستطاع اهلها بوسطيتهم المعهودة التعايش في بيئة صحية متتاغمة، ولعل الظلم الذي تعرض له الشعب السوري ساهم في زيادة الأواصر المجتمعية، لكن سرعان ما كشرت الطائفية عن أنيابها، وطفت على السطح نزاعات بنكهات مختلفة، ولعل ما جرى بالأمس من أحداث جرمانا في ريف دمشق وقبلها في الساحل السوري، يساعدنا في استنطاق الواقع، بحيث أن الحاجة إلى فهم الواقع الدقيق وإلى حساسية المرحلة تستوجب من العقلاء تصدر المشهد وإخماد نار الفتنة، لأن الفتنة كالنار، تستطيع إشعالها وتعرف أين تبدأها لكنك أبدا لن تستطيع إخمادها أو التنبؤ بمآلاتها.
فالفتة وكما هي شر في عمومها، الا انها قد تلبي طموح البعض في تقسيم سوريا، وتفتح شهية المحاصصة السياسية على أساس العرق والطائفة، مما ينذر بتقسيم البلاد على الأقل إلى ثلاث أو أربع دويلات، فالساحل للعلويين، والشمال الشرقي للكرد، والجنوب للدروز، وهذا ما لم يحلم به المتربصون بسوريا في اجمل احلامهم.
تسجيل مجهول، من شخص مجهول، ينال من عرض النبي صلى الله عليه وسلم، كفيل بإشعال الارض من تحت أصحابها، فيقتل الناس، ويسحلون في الطرقات، وتقوم الثارات ودعوات الانتقام، دون حتى أدنى محاولة من تبين حقيقة الإشكال.
وهذا يفسر الكم الهائل من حالة الاحتقان الداخلي، مما يسهل على المتربصين الصيد في الماء العكر، وما تلك الدعوات الواضحة للتدخل الخارجي والاستقواء بالغير بحجة الدفاع عن النفس، ما هي إلا ثمار يجنيها من زرعها على مدار سنوات، بصبر طويل وطول انتظار، فها هي الطبخة التي أوشكت على النضج فوق نار هادئة قد قد حان الوقت إلى أن يتداعى عليها الذئاب.
وخذوها مني: إن لم نتعلم الدرس سريعاً، ونتدارك الأحداث المتسارعة، ونسعى كأمة إلى التكامل وإلى قبول التعددية الفكرية والسياسية والدينية، ستؤول بنا الأمور إلى حالة التآكل الكلي، فمن ظن بأنه في مأمن مما يحاك لنا فهو واهم، الكل مدرج على القائمة، في انتظار أن يحين دوره.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا