يبدو جليًا أن بنيامين نتنياهو وحكومته يواجهون أزمة دستورية حادة إضافة الى قرارات مصيرية تتعلق باستمرار المواجهة مع حركة حماس في قطاع غزة. فقد تداخلت قراراته ولم يُحسن التخطيط بحيث يُنهي الحملة العسكرية على غزة أولًا، ثم يبدأ بتنفيذ التغييرات القضائية المثيرة للجدل في الشارع الإسرائيلي.
ولا نعرف بالضبط كيف يُقيِّم نتنياهو الوضع الاستراتيجي لإسرائيل خلال هذه الحرب المستمرة منذ سبعة عشر شهرًا. إذ تواجه إسرائيل صراعًا على خمس جبهات، بعد أن كان الصراع ممتدًا إلى سبع جبهات سابقًا، وهي: الجبهة مع غزة، والجبهة اللبنانية، والجبهة السورية، والجبهة اليمنية، بالإضافة إلى التصعيد في الضفة الغربية. وفي خضم هذا الصراع، أقدم نتنياهو على خرق وقف إطلاق النار الذي استمر لأكثر من أسبوعين، حيث شنَّ قبل عشرة أيام قصفًا وحشيًا على مناطق سكنية في قطاع غزة، مما أدى إلى مقتل مئات المدنيين. كما احتل جزءًا من محور نتساريم وبدأ بالتقدم عسكريًا في رفح، فضلًا عن الاستهداف اليومي لأهداف مدنية هناك.
تأتي هذه التحركات ضمن استراتيجية جديدة لقائد الأركان الجديد، إيال زمير، الذي لا يقتصر قراره على تكثيف العمليات العسكرية، بل يشمل أيضًا فرض حصار خانق على القطاع من خلال قطع المياه والكهرباء واستهداف مخازن الغذاء الإنسانية. ويبدو أن الهدف النهائي لهذه السياسة هو ممارسة ضغط شديد على السكان، لإجبارهم على قبول صفقة تبادل أسرى تقضي إلى تحرير تسعة وخمسين أسيرًا إسرائيليًا محتجزين لدى حماس.
لكن داخل أوساط الجيش والرأي العام الإسرائيلي، هناك معارضة شديدة لهذه الاستراتيجية. إذ يرى منتقدوها أنها لن تؤدي إلى استسلام حماس أو تحسين شروط التبادل، بل قد تسفر في نهاية المطاف إلى مقتل جميع الأسرى الإسرائيليين. وفي هذا السياق، أرسلت أربع وأربعون عائلات من الأسرى الإسرائيليين المحررين سابقًا رسالة إلى حكومة نتنياهو، طالبوا فيها بوقف الحرب والشروع في مفاوضات جدية لإطلاق سراح ما تبقى من أسرى اسرائيليين المحتجزين بأيدي حماس.
أما قادة الجيش، فيؤكدون أن الجيش الإسرائيلي لم يتمكن من حسم المعركة خلال السبعة عشر شهرًا الماضية، ومن غير المرجح أن يحقق ذلك حتى لو مُنح مزيدًا من الوقت. لذا، يفضلون الدخول في مفاوضات مع الجانب الفلسطيني، على أن يكون هناك رد عسكري في حال خرق حماس أيًّا من بنود اتفاقية وقف إطلاق النار.
وفي هذا الإطار، بدأ الوسيط الامريكي ستيفان ويتكوف، يتراجع عن مواقفه المتشدد الداعمة لاسرائيل، حيث أقرَّ بصعوبة حسم المعركة مع حماس، وأعرب عن تفضيله اللجوء إلى المفاوضات لإطلاق سراح الأسرى، إضافة إلى التفكير بجدية في حل نهائي لوضع غزة. كما انتقد إدارة نتنياهو، منتقدا إياها بعدم السعي إلى إيجاد حل مستدام لقطاع غزة.
في المقابل، هناك تيار داخل الجيش الإسرائيلي يطرح فكرة فرض حكم عسكري على قطاع غزة، لكن منتقدي هذا الطرح يعتبرونه مجرد "أضغاث أحلام" تراود نتنياهو ومجموعته.
إلى جانب الحرب على غزة، تصاعدت الأزمة الداخلية في إسرائيل، خاصة بعد التغييرات القضائية التي يقودها نتنياهو، بدءًا من إقالة رئيس الشاباك، رونين بار، ثم المستشارة القضائية، جالي بهاراف ميارا. وقد استغل نتنياهو الضجة التي أثارتها إقالة بار، ليُقدم بعدها مباشرة على إقالة المستشارة القضائية، مما أثار موجة غضب جماهيري عارمة ضده وضد حكومته.
وبات من الصعب أن تمر هذه التغييرات مرور الكرام، فقد بدأت المعارضة بحشد تحركات واسعة النطاق ضده، مطالبة بالتمرد على الحكومة عبر الامتناع عن دفع الضرائب، وتعطيل جلسات الكنيست والانسحاب منها، إضافة إلى تنظيم إضرابات شاملة في المدارس والجامعات والمحاكم وقطاعات الاقتصاد المحلي.
من المؤكد أن هذه التطورات ستشكل خطرًا كبيرًا على حكومة نتنياهو، وتجعل الأسابيع المقبلة أكثر اضطرابًا، حيث سيجد نفسه محاصرًا بين حربه على غزة والتداعيات الداخلية القضائية التي يقودها الناتجة عن التغييرات القانونية التي فرضها على الشارع الإسرائيلي.
المقالات المنشورة تعبر عن رأي كاتبها فقط، وموقع العرب يفسح المجال امام الكتاب لطرح أفكارهم التي كتبت بقلمهم المميز ويقدم للجميع مساحة حرة في التعبير عما في داخلهم ضمن زاوية رأي حر. لإرسال المواد يرجى إرفاق النص في ملف وورد مع اسم الكاتب والبلدة وعنوان الموضوع وصورة شخصية للكاتب بجودة عالية وحجم كبير على العنوان: alarab@alarab.com