آخر الأخبار

نظرية رجل الإطفاء 

شارك

الشيخ محمد سليمان- لا تنتظروا خفوت العنف بيننا، هذه بضاعتنا رُدت إلينا!
إقرأ كلماتي يا رعا.ك الله بتجرد وحيادية فإني أطرح طرحاً علمياً حيادياً قدر المستطاع.
حاصل الحال أن لكل سيرورة صيرورة، فالأفراد والجماعات والمجتمعات والشعوب تصير إلى محصلة سيرورتها بشكل تراكمي حتى يحصل التغيير المتدرج، ثم ينفتقُ عنها جيلٌ هو دُرّة التّاج وخلاصة الخلاصة، وتعتمد نوعيه هذا الجيل على الأسس التي بني عليها، فبحسب غوستاف لوبون في كتابه "سيكولوجية الجماهير"، لو انك تريد إنشاء جيل اشتراكي على سبيل المثال، فهيّء له الظروف والأسباب، واجعله ينحاز تأكيدياً إلى الاشتراكية بدعم كل فكرة تصب في نفس الإناء، ثم إجعلها أيديولوجية، ثم نمّط له حياته منذ نعومة أظافره إلى أن يشتد عوده، وتتحول الفكرة إلى واقع عملي وإلى منهج حياة.
وإذا ما أردنا القياس على نظرية لوبون، سنجد أن مجتمعاتنا في الداخل تمتلك سماةً مشتركة برغم اختلاف لهجاتها وعاداتها، فمن تلكم السمات هي الجهل، والعصبية للقوم والجماعة والحارة والبلد، حتى تطور التعصب في عصر الانفتاح إلى التعصب للحزب السياسي أو الديني، ثم في عصر الصحوة الدينية أخذت النزعة إلى الجماعة والحركة والحزب والشيخ تطفوا على السطح، بل قد شغلت حيزا كبيرا من ثقافتنا الدينية، وكانت محور اغلب النقاشات والمناظرات وقت إذ، وقد يشهد على كلامي أقراني أو من عاصروا تلك الحقبة،
واللافت الذي لم ينتبه إليه الكثيرون هو كمية الانحياز الذي كنا نتعامل به فيما بيننا، بل أتجرا ان اقول اننا تعاملنا مع بعضنا بعنصرية وفوقية، وكان إلغاء الآخر هو السمة الطاغية في تلك الحقبة، وانا أرجئ هذا إلى التربية التي تلقيناها من جيلنا السابق، سواءاً سياسيين او نشطاء أحزاب او دعاة ومشايخ، حيث أن معشر السابقين كانوا يغرسون فينا قيمهم ومبادئهم على طريقة تزغيب الفراخ الجائعة، فكنا نبلع الغثّ والسمين، والجيد والرديء،كمسلّمات لا نقاش فيها!
وهنا بدأت مرحلة تكوين الوعي الجمعي لمجتمعاتنا، على اختلاف مستوياتها الثقافية، ولا نغفل العوامل المشتركة بيننا وطبيعتنا النفسية ونزعاتنا السلوكية الغليظة بغالبيتها، نعم، إنا معشر قوم غلاظ الكبد فينا من الشدة والشراسة والتوقّد ما يكفي لجعل هذه الصفات تتناسب طردياً مع الإيغال في التشدد والتزمت، مما خلق بيننا بيئة جافّة خشنة لم يسعفها غرس معلمينا ومُلقنينا، لانهم وببساطة هم من زرع فينا هذه البذرة، والتي تهيّأت لها كل العوامل والظروف كي تنموا وتتجذر، أضف إلى هذا كم التجهيل والرعونة التي لحقت بالجيل الحالي، ثم أضف إلى ما سبق حالة العولمة بمعناها التفاعلي بين مختلف الثقافات، ففي مرحلة ما ظهرت بعض الأفكار الدخيلة على مجتمعاتنا، بل إن شئت فقل اننا استنسخنا تجارب الأغيار وأقصد السلبي منها، فمن يتذكر حالة المجتمع اليهودي في التسعينيات وفي بداية الألفية يدرك أن المنظمات الإجرامية كانت حاضرة وبقوة في الساحة المحلية، ولم يكن للعرب نشاط يُذكر في هذا المجال، ومع تقهقر هذه المنظمات بما مثلته لدى جيل من الشباب الناشئ من صورة عائلات الإجرام وزعمائها، أصحاب السطوة والجبروت والمال السهل والسريع، والتي تصدرت نشرات الأخبار وعناوين الصحف المحلية، وغيرها من الأنماط التي كانت محل نقاشات يومية بين الشباب، باتت ظاهرة جديرة بالإهتمام.
في اعتقادي ان تركيبة الشاب الذي لا يخاف عواقب أفعاله لأنه مسنود، مع ذلك الذي لا يحترم القانون، وآخر لا يقيم وزناً للناس، وشاب لبس ثوب الطيش والجهالة، وقس على ذلك... فهذه التركيبة المعقدة مع غياب الوازع الأخلاقي والديني، وضمور الرغبة في التعليم وانعدام الأطر التربوية في القرى والمدن، وتواطؤ جهات بعينها لبث الفوضى واللغط، وتسهيل أدواتها....
أدت إلى نضوج هذه الحالة المستعصية التي لا رجعة فيها في المنظور القريب.
أما ما ينتج عن ردة فعل هنا وهناك من لجان شعبية أو قيادات محلية من مظاهرات وخلافه، أو حتى محاولات النخب والمثقفين المتكررة لإيجاد حلول عملية، أنا أضع هذا، في إطار ردة الفعل الطبيعية والمتوقعة لهول وقع الجريمة في مجتمعاتنا!
عودة على السيرورة والصيرورة:
لا بد من هذه السيرورة من صيرورة! وأنا ارى بأن سيرورة هذه الآفة آخذة بالتضخم والإنتفاخ، حتى تنفجر في وجه الجميع! ويذوق مرارتها الكل بلا استثناء،
وعندها سندخل في مرحلة الانكماش، بعد أن لا تجد هذه النار ما يغذيها ويلهب جذوتها، فتستنزف الموارد وينقطع عنها الزخم، تماما كما نفهم نظرية إطفاء الحرائق، إذ أن النار تحتاج إلى ثلاثة عوامل: المواد القابلة للإشتعال والاكسجين والحرارة، ثم إن عوامل انكفئها هي ثلاثة: التجويع اي ابعاد المواد المشتعلة ثم الخنق اي حجب الاكسجين ثم التبريد، وبهذا تحصل عملية الكسر اي كسر سلسلة التفاعل بين تلكم العوامل،، وبما اننا لا نملك أيا من هذه العوامل الثلاث، فإن العلم والتجربة يخبراننا بأن النار في نهاية المطاف ستنطفئ من تلقاء نفسها مهما امتدت، وهو تحصيل حاصل لنضوب عوامل الاشتعال!
وللأمانة العلمية هنالك طريقة رابعة مبتكرة، وهي إفتعال حرائق موازية محددة يسيطر بها رجال الإطفاء على مسار الحريق، أو انهم يقطعون الطريق عليها بحرق مواردها، وهذا اكبر من ان يملكه مجتمعنا المتهالك الضعيف، فهو دور الدولة
والمؤسسات المعنية.
فهل سيمتد هذا الحريق ليأكل الأخضر واليابس فنكتوي به جميعنا؟ أم أن سلطات الإطفاء ستقرر يوماً أن تضع حداً له وتقطع عليه إمداداته؟

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا