آخر الأخبار

سلام هجين عنوانه التّهجير

شارك

تأتي تصريحات الرّئيس الأمريكيّ حول تهجير أهالي غزّة كأحد مظاهر الغطرسة السّياسيّة، ومؤشّرًا على انعدام فهمه لقضايا المنطقة وتعقيداتها، ونفوس النّاس فيها وطبيعتهم. هذه التّصريحات تعكس مفهوم ترامب المشوَّه للسّلام، ذاك السّلام الّذي يُفرَض عنوة، بدل أن يقوم على أسس العدالة والإنصاف.

ولا غرابة في ذلك حين تَصدر هذه التّصريحات ممّن لم يعرفوا يومًا مكانة الأرض والوطن، بل اعتبروا المناطق مجرّد مساحات تُشترى وتُباع، أو تُحتلّ وتُقسَّم. أمريكا، رغم كونها دولة عظمى مادّيًّا، ليست وطنًا حقيقيًّا لأحد، بل هي تجمُّعٌ لمن وفدوا إليها من كلّ أصقاع الأرض، باحثين عن فرص لا عن جذور، وعن مكاسب لا عن انتماء. حتّى القادة الّذين يُنَظِّرون اليوم حول "التّوطين"، هم أنفسهم أبناءُ مهاجرين، بما فيهم ترامب الّذي تعود جذوره إلى المهاجرين الألمان. فكيف لمن لم يعرف معنى الانتماء أن يدرك قيمة الأرض والوطن؟ وكيف لمن لم يُولد في أرضٍ ورثها عن أجداده وشعبه وأمّته، أن يفهم معنى أن تلتصق الرّوح بالأرض، وتكون امتدادًا للماضي والحاضر؟

إنّ التهجير الّذي يتحدّث عنه ترامب، ليس مجرّد فعل مادّي ينقل السكّان من وإلى، بل هو محاولة لاقتلاع جذورهم وطمس هُويّتهم وذاكرتهم، وإجهاض القضيّة الفلسطينيّة. إنّ أهل غزّة، كما الشّعب الفلسطينيّ بأسره، يحملون إرثًا يمتدّ عبر الأجيال، ولن يقبلوا أبدًا بمقايضة حقوقهم الوطنيّة بأوهام البناء الاقتصاديّ أو مشاريع التّوطين الزّائفة. الأرض ليست مجرّد حبّات رمل في نظر أصحاب الأرض، بل هي تاريخ وكرامة، ولا يمكن لأيّ قوة أن تمحو هذا الارتباط العميق بين الإنسان وجذوره.

أمّا الحديث عن "إعادة إعمار غزّة"، فهو يتناسى أو يتجاهل حقيقة أنّ هدْمَها لم يكن قدرًا محتومًا، بل كان بفعل آلة الحرب المعزّزة بالأسلحة الأمريكيّة. فكيف لمن كان شريكًا في الهدم والدّمار أن يحمل لواء البناء والإعمار؟ بدلًا من إعادة الأمل، تصدر تصريحات لا تخدم إلّا الحاقدين الّذين ما تزال نار الحقد والانتقام مستعرة في صدورهم.

ما يطرحه ترامب لن يأتي بسلامٍ ولا أمانٍ للبلاد والمنطقة. إنّها تصريحات تُشرعِن ظلم المستضعفين من أهل الأرض، وتبرّر تبريرًا أحمقَ تفريغَ الأرض من أصحابها الأصلانيّين، تحت عناوين برّاقة مثل "التّطوير الاقتصاديّ" أو "إعادة التّوطين". إنّها تصريحاتُ تاجر، يرى مَصالحه فوق أيّ اعتبار، دون مكان للقيم الأخلاقيّة ولا لمعايير الكرامة والعدالة.

هذه العنجهيّة والبلطجة لا يمكنها أن تهزم شعبًا يستند إلى قوّة الحقّ، ولا أن تسلب إرادةً طالما أنّ العدالة وحقّ تقرير المصير هو مطلبها. والوساطة، كلّ وساطة، عربيّة كانت أم أجنبيّة، لا ترى بحقوق المستضعَفين أساسًا للحوار، لن تكون إلّا جسرًا يعبر عليه الظّالم ليواصل ما يمارسه من قتلٍ وتدميرٍ وتشريدٍ وتطهيرٍ عرقيّ.

رحم الله قبّاني حين قال: "من ترى يسألهم عن سلام الجبناء؟ لا سلام الأقوياء القادرين. من ترى يسألهم عن سلام البيع بالتّقسيط، والتّأجير بالتّقسيط، والصّفقات والتّجّار والمستثمرين؟ من ترى يسألهم عن سلام الميّتين؟ أسكتوا الشّارع واغتالوا جميع الأسئلة والسائلين.. لقد غاب عن الزّفّة أولاد البلد.. وانتهى العرس، ولم تحضر فلسطين الفرح، بل رأت صورتها مبثوثةً عبر كلّ الأقنية، ورأت دمعتها تعبر أمواج المحيط، نحو شيكاغو وجيرسي وميامي، وهي مثل الطائر المذبوح تصرخ: ليس هذا الثوب ثوبي، ليس هذا العار عاري، أبدًا يا أمريكا، أبدًا يا أمريكا"..

مصدر الصورة

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار