آخر الأخبار

تصالحٌ يصنع الحياة: حين يتجدّد الأمل في مجتمعنا العربي الفلسطيني

شارك الخبر


بقلم: الشيخ كامل ريان، رئيس مركز أمان

في زمنٍ عصفت فيه رياح العنف والجريمة بمجتمعنا العربي الفلسطيني، وأودت بأرواح آلاف الضّحايا، يبرز في الأفق بصيص أملٍ يبعث الحياة من جديد، إنّه مشهد الصّلح والمصالحة الذي بدأ يتكرّر ويتجذر في قلوب أبناء المجتمع، كأنّها بذرة الخير الّتي تأبى أن تموت، رغم كل ما مررنا به من نكبات وكوارث.

الصّلح والمصالحة ليستا مجرد اتّفاقات، بل روحٌ جديدة تُبعث في أوصال المجتمع.
نرى رجال الإصلاح ينهضون كفرسانٍ يحملون قيم النّخوة والشّهامة، يسعون بين المتخاصمين، يحاورونهم بلغة العقل والرّحمة، وينجحون في وأد الفتن قبل أن تتفاقم.
على الجانب الآخر، نرى الأطراف المتنازعة، رغم ما بينهم من ألم ودماء، يتبنّون قيم التّسامح والعفو، ويدركون أنّ التّصالح هو الطّريق الوحيد لترميم الجراح وبناء مستقبل أفضل وأسلم وأهنأ للجميع.

هذا الحراك التّصالحي هو مشهدٌ مفعم بالأمل، يحمل دلالات عميقة على أنّ مجتمعنا -رغم الجراح- لا يزال ينبض بالإنسانية، ولا يزال يحمل مناعة قادرة على طرد ثقافة العنف والجريمة الغريبة والدّخيلة الّتي غزته في السّنوات الأخيرة والّتي هي ليست من أبجدياته ولا من ثوابته ولا من غائيَّاته.

إنّ روح التّسامح والتّصالح ليست مجرد حلول آنية، بل هي حجر الأساس لإعادة بناء مجتمعنا على أسس جديدة.
مجتمع يضمّد جراحه بنفسه، دون انتظار أيّ منقذ خارجيّ، مجتمع يستعيد قيمه الأصيلة من تضامن ومحبة وتكافل، ويورثها للأجيال الجديدة، الّتي نأمل أن تنشأ في بيئة خالية من العنف ومشحونة بقيم السّلم الأهليّ.
هو مجتمع اختار الحياة على الموت، واختار الرّوح على المادة، واختار المستقبل على الماضي، واختار نور القمر على ظلمة الليل الحالك.

المصالحة ليست مجرد تصالح بين أفراد، بل هي عمليّة لإعادة تنظيم المجتمع وتحصينه ضدّ كلّ مظاهر التفكّك والانقسام، فهي تجميعٌ للأطراف المتباعدة، وصهر للقلوب المكسورة في قالبٍ جديد من الوحدة والانتماء المشترك. كل صلحٍ يُنجَز هو خطوة نحو استرداد هُويّة المجتمع الّتي حاول العنف أن يشوّهها، وهو احتضان لشبابه الّذين حاول العنف إبعادهم عن حاضنتهم وتهجيرهم عن وطنهم واجتثاثهم من مجتمعهم.

المجتمع الذي يتصالح مع نفسه هو مجتمعٌ يسير نحو بر الأمان. وما أجمل أن نرى هذا الجيل الجديد ينشأ على رؤية هذه القيم تُغرس أمامه عمليًا، فيتعلّم أنّ القوّة الحقيقيّة ليست في الانتقام، بل في التّسامح، وأنّ البطولة ليست في إذكاء العداوات، بل في مدّ يد العون لإنهائها، وأنّ المستقبل ليس بالثّراء، وإنّما بمنع البلاء، وأنّ الحياة ليست بالتّفاخر والتّناحر والتّنافر، وإنّما بالتّعاضد والتّغافر والتّناصر، وأنّ الغلبة ليست بتعداد الضّحايا وزيادة الجراحات، وإنّما الغلبة بكسب المعرفة والدراية وتحصيل الشهادات.

الأمل يتجدّد، والمستقبل يبنى بيد أبناء المجتمع أنفسهم، فلا شيء أجمل من مجتمع يتعافى بإرادته، ويمحو بأيديه آثار أودية الدّم الّتي أغرقته. فليكن الصّلح والمصالحة ثقافتنا، ولنتبنَّها كنهجٍ يوميّ، ليبقى مجتمعنا العربيّ الفلسطينيّ نموذجًا يحتذى به في الصّمود والإصلاح وطرد كلّ أسباب العداء والجفاء والبلاء.

آن الأوان أن نجعل من كلّ مصالحة قصّة نجاح، ولنعلم أنّ المصالحة ليست فقط حلًّا للنزاعات، بل هي ولادة جديدة لمجتمع قادر على تجاوز المحن، وما علينا إلا أن نسير معًا نحو النّور الّذي يلوح في الأفق ولا نترك للشّيطان وأعوانه أن يعبثوا بمصيرنا ومصير شبابنا ومصير مجتمعنا.
نعم، علينا أن ندرك ونؤمن ونعمل لأن يبقى مستقبلنا بأيدينا، وإنّ هذه "المصالحات" هي اللّبِنة الأولى في إعادة بناء مجتمعنا من جديد رغم الحسرات والويلات الّتي مرّ بها، لنثبت للقاصي والداني أنّ مجتمعنا العربيّ الفلسطينيّ في الدّاخل عَصِيٌّ على الانكسار والانحدار والانهيار.

كل العرب المصدر: كل العرب
شارك الخبر


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا