مع كل استحقاق أمريكي- سعودي تعود إلى الواجهة ملفات استراتيجية وحسّاسة في العلاقة بين البلدين؛ من الاتفاقية الدفاعية إلى صفقات التسلّح وصولاً إلى ملف التطبيع السعودي- الإسرائيلي.
فقبيل زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن والمرتقبة بعد أقل من أسبوعين، طُرح موضوع شراء الرياض لمقاتلات F-35 الأمريكية على الطاولة مجدّداً ولكن بشكل مختلف ومتطوّر هذه المرّة.
الجديد يتمثّل في أمرين، الأول أن الصفقة المحتملة والمقدّرة بمليارات الدولارات حصلت على موافقة وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، والأمر الثاني يكمن في الإعلان عن عدد المقاتلات الداخلة في الصفقة وهو 48 مقاتلة.
هذه المعلومات المستجدّة نقلتها وكالة رويترز عن مسؤولين أمريكيين مطّلعين على ملف صفقة الـ F-35.
لكن الأرض ليست معبّدة بالكامل أمام هذه الصفقة أقله حتى الآن. فلكي يتم إبرامها، لا بد أن تنال موافقة جهات ثلاث: الحكومة الأمريكية، والرئيس الأمريكي والكونغرس.
الكاتب السعودي مبارك آل عاتي قال إن السعودية تدرك أن إبرام مثل هذه الصفقات يحتاج الى تمريرات تشريعية من بينها الكونغرس، لافتاً في مقابلة مع بي بي سي إلى أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يستطيع تمرير الصفقة في حال تمكّن من إقناع الكونغرس. ولم ينفِ الكاتب السعودي أن الصفقة سترافقها ضغوط من الديمقراطيين وأعضاء من الكونغرس للدفع باتجاه تطبيع سعودي- إسرائيلي.
وأضاف الكاتب السعودي أن هناك إجراءات تشريعية أجراها الرئيس الأمريكي لتمرير هذه الصفقة نظراً لأنه يعتبر أن السعودية حليف استراتيجي، وبالتالي فإن تلبية احتياجاتها الدفاعية هو أمر ضروري بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية.
وذكّر الكاتب السعودي بالمخاوف التي عبّر عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في مناسبات عدّة، والتي مفادها أنه إذا رفضت واشنطن تلبية أي من المطالب الدفاعية للسعودية، فقد تتّجه الرياض إلى خصوم الولايات المتّحدة ومنافسيها، في إشارة إلى الصين وروسيا. وأوضح آل عاتي أن السعودية دائماً ما أكدت امتلاكها خيارات عسكرية ودفاعية متنوّعة، من بينها شراء مقاتلات حربية.
وفي حال إبرامها، ستشكّل صفقة مقاتلات F-35 تحوّلاً جوهرياً في السياسة الأمريكية، لأن ذلك قد يعني أن التفوّق العسكري النوعي في منطقة الشرق الأوسط لم يعد حصراً لإسرائيل، إلا إذا كان الأمر مرتبطاً ببنود وشروط وقيود تضمن لإسرائيل هذا التفوّق.
وفي هذا الإطار، قال آل عاتي إن الرئيس ترامب متحمّس لإتمام هذه الصفقة لأنه يدرك توجّهات القيادة السعودية وأن ليست لديها أطماع خارج حدودها. وبرأي الكاتب السعودي، فإن هذه النقطة تعد أساسية على مدى العقود الماضية في السياسة السعودية، على خلاف الأطماع التوسّعية لبعض القوى المجاورة، على حدّ قوله.
الحديث عن هذه الصفقة بدأ بشكل جدي في عهد الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن. لكن إدارته ربطت الأمر بصفقة شاملة تشمل تطبيع السعودية علاقاتها مع إسرائيل. إلّا أن المساعي توقّفت لا سيما بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول بين حركة حماس وإسرائيل عام 2023.
ويبدو أن مسألة بيع واشنطن للرياض مقاتلات F-35 أمر لا تحبّذه إسرائيل. فبحسب تقارير صحفية إسرائيلية، صفقة مماثلة قد تنطوي على مخاطر جدّية على أمن إسرائيل مستقبلاً، لا سيما إن لم تقترن الصفقة بالتطبيع.
غير أنه وبحسب الكاتب السعودي، فإن السعودية لديها مبادئ والتزامات قومية عربية لا تفكّر في التنازل عنها وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وهي متمسّكة برأيه بقيام دولة فلسطينية مستقلّة على حدود 67 كشرط أساسي للتعامل مع أي تفاوض يمسّ مستقبل منطقة الشرق الأوسط.
وبالعودة إلى المخاوف الإسرائيلية، تشير تقارير إسرائيلية إلى أن لدى إسرائيل مخاوف من أن تشارك السعودية تكنولوجيا مقاتلات F-35 مع روسيا أو الصين أو إيران، ما سيؤدي حينها إلى تضرّر التفوّق النوعي لإسرائيل على إيران بالدرجة الأولى.
هذه المخاوف نفسها كانت قد طُرحت عام 2020 عندما كانت الولايات المتّحدة على وشك بيع الـF-35 إلى الإمارات في ذروة موجة اتفاقيات أبراهام. لكن الصفقة تعثّرت لأسباب أخرى من بينها القيود التشغيلية التي فرضتها الولايات المتّحدة على كيفية استخدام المقاتلات، ومخاوف متعلّقة بتبادل التكنولوجيا، خصوصاً في ما يتعلّق بتعاون الإمارات مع الصين، وأيضاً، بسبب رغبة الولايات المتّحدة الأمريكية في الحفاظ على التفوّق العسكري النوعي لإسرائيل. وبالتالي فإن الصفقة في ما يخصّ الإمارات ما زالت مجمّدة حتى إشعار آخر.
الولاية الثانية للرئيس ترامب فتحت الباب على مصراعيه أمام تسهيل صفقات السلاح مع الرياض، إذ وقّعت الولايات المتّحدة والسعودية اتفاقاً دفاعياً ضخماً، وُصف بأنه أكبر اتفاقية تعاون دفاعي في تاريخ واشنطن. حصل ذلك أثناء الزيارة التي قام بها الرئيس الأمريكي إلى السعودية في أيار/مايو الماضي في إطار جولته الخليجية التي شملت الإمارات وقطر.
وتم الإعلان حينها عن أن صفقة التسليح بلغت 142 مليار دولار أمريكي على مدى سنوات، وذلك ضمن استثمار أوسع يعادل 600 مليار دولار أمريكي.
ومع ذلك، يبقى الاختبار الحقيقي لصفقة مقاتلات F-35 في أروقة الكونغرس الأمريكي.
في هذا السياق، أوضح الكاتب السعودي مبارك آل عاتي أن ما يميّز العلاقات السعودية–الأمريكية خلال قيادة ولي العهد السعودي وفي ظل إدارة ترامب هو القدرة على مناقشة جميع الملفات بلا استثناء، وعدم السماح للخلافات بأن تشكّل عائقاً أمام مسار العلاقة.
وأضاف أن الزيارة المرتقبة لولي العهد إلى واشنطن لا تتركّز على إبرام صفقات تسلّح بعينها، بل تهدف أساساً إلى تعميق الشراكة السياسية والاقتصادية، على أن تتضمّن بطبيعة الحال بحث صفقات الدفاع المشتركة التي تعمل عليها المملكة.
وأكد آل عاتي أن السعودية تعتمد سياسة دفاعية تقوم على تنويع الخيارات، بما في ذلك مقاتلات F-35، مشيراً إلى أن الرياض ستسعى للحصول على هذه الطائرات، لكن عدم إتمام الصفقة لن يؤثّر على تقييم نجاح الزيارة.
فالتفاوض على الـF-35 مهمّ وحيوي، لكّنه ليس المحدّد الرئيسي لمسار العلاقات، وفق الكاتب السعودي. وختم أل عاتي بالقول إن الصراحة والوضوح والشفافية، إلى جانب إدراك كل طرف لمسؤولياته -إقليمياً من جانب السعودية ودولياً من جانب الولايات المتّحدة- هي الأسس التي صقلت طبيعة العلاقات بين البلدين.
لا شك أن الرياض متمسّكة بشراء مقاتلات F-35 من واشنطن، لكن من دون أدنى شك تتركّز مساعيها على اتفاق دفاعي أشمل تدافع بموجبه الولايات المتّحدة الأمريكية عن السعودية في حال تعرّضها إلى أي اعتداء.
وكانت واشنطن أعلنت عن اتفاق دفاعي أمريكي–قطري في 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، تعهّدت بموجبه بالتعامل مع أي اعتداء على الدوحة بوصفه تهديداً لـ"السلام والأمن" الأمريكيين. لكن ذلك الاتفاق جاء في إطار "أمر رئاسي تنفيذي" أي أنه قابل للتعديل أو الإلغاء مع تغيّر الرئيس الأمريكي. فالاتفاقية مع قطر ليست معاهدة دفاع مشترك ملزِمة وليست اتفاقية دفاع شاملة بـ"مُبارَكة" الكونغرس.
وفي المحصّلة، يبقى التحدّي الأبرز هو ما إذا كانت الرياض ستقبل بأمر تنفيذي على غرار الموقَّع مع قطر، يعلِّق أمنها المستقبلي على تغيّر الإدارات الأمريكية، أم أنها ستمضي في المطالبة باتفاقية دفاعية مُلزِمة بين الحكومتين تضمن استمرارية الالتزام بغضّ النظر عن هوية الرئيس الأمريكي.
المصدر:
بي بي سي
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة
مصدر الصورة