في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
منذ توقّف العدوان الإسرائيلي على لبنان في 27 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، شكل ملف السلاح داخل المخيمات الفلسطينية وخارجها جزءًا أساسيًا من النقاشات الداخلية في هذه المرحلة، خاصة وأن هذا الملف الشائك كان الحديث عن حلّه جزءًا من خطاب القسَم لرئيس الجمهورية جوزيف عون ، والبيان الوزاري للحكومة الحالية، في إطار ما يُعرف بـ"حصرية السلاح بيد الدولة".
وتزايَد الانقسام السياسي الداخلي في لبنان حول السلاح الفلسطيني -هو انقسام يعود تاريخيا إلى مرحلة الحرب الأهلية – مع إعلان فصائل فلسطينية ك حركة حماس و الجهاد الإسلامي مشاركتها خلال "حرب الإسناد" التي قادها حزب الله من الجنوب اللبناني عقب عملية " طوفان الأقصى ".
وأكسبت التحولات الكبرى التي طرأت في سوريا ولبنان عقب سقوط النظام السوري السابق، الحليف الأبرز لحزب الله وبعض الفصائل الفلسطينية في لبنان، وسلسلة الخسائر التي تكبدها الحزب وانتهت بمقتل أمينه العام حسن نصر الله في غارة إسرائيلية، عملية حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية زخما كبيرا، في ظل تطورات ميدانية متسارعة.
وعقب سقوط نظام الأسد في سوريا، تسلّم الجيش اللبناني مواقع إستراتيجية كانت تسيطر عليها الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – القيادة العامة ، المحسوبة على النظام السوري السابق، في نقاط قوسايا وبلدة السلطان يعقوب في منطقة البقاع، وهذا التسليم شمل كل الأسلحة والعتاد والصواريخ.
جاء التسليم في خطوة ربطها مراقبون بمساعي الجيش اللبناني لإجراء تفاهمات ميدانية مع بعض الفصائل نتيجة تغيّر الوقائع الميدانية في لبنان وسوريا، بالتوازي مع تسليم بعض الفصائل الفلسطينية عناصر مطلوبة للجيش اللبناني.
النقاشات حول حصرية السلاح بالدولة تسارعت بعد حادثة إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة في 22 و28 مارس/آذار الماضي، التي تبيّن، من خلال تحقيقات استخبارات الجيش، أن المجموعة المنفّذة لها تضم خلية من فلسطينيين ولبنانيين.
ورغم أن حماس نفت أي صلة لها بعملية إطلاق الصواريخ، فقد وجه المجلس الأعلى للدفاع برئاسة رئيس الجمهورية، تحذيرًا لحركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية لأعمال تمس بالأمن القومي.
وتبنت الحكومة اللبنانية في اجتماعها هذا الإعلان، ونتج عنه اجتماع بين قادة أمنيين وحركة حماس لإبلاغها موقف الدولة اللبنانية، وعلى إثره تعهّدت حماس بتسليم المتهمين بإطلاق الصواريخ إلى الأجهزة الأمنية اللبنانية، وجرى تسليم 3 متهمين إلى مخابرات الجيش.
وقام الجيش اللبناني مؤخرا بتعزيز إجراءاته الأمنية عند مداخل المخيمات الفلسطينية، عبر نشر نقاط تفتيش وتكثيف لوجود عناصره. وثمة اعتقاد أن إجراءات الجيش والأجهزة الأمنية اللبنانية في إطار فرض رقابة صارمة على مداخل المخيمات، تمهيدًا لاتفاق بين الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، يؤدي لنزع السلاح الفلسطيني في المخيمات، من دون الدخول في مواجهة عسكرية مع الفصائل داخل المخيمات.
وبحسب مصادر حكومية لبنانية رفيعة تحدثت لـ"الجزيرة نت"، فإن الحكومة اللبنانية التي تحضّر لزيارة مرتقبة لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس نهاية شهر مايو/أيار الجاري إلى لبنان، سيكون على رأس أولوياتها إيجاد مخارج سياسية لهذا الملف دون الدخول باشتباكات مع أي طرف فلسطيني.
هذه التطورات لا يمكن فصلها، بحسب مراقبين، عن الشروط الأميركية والإسرائيلية المستمرة والمتعلقة بحماية أمن إسرائيل والدفع باتجاه تجريد " محور المقاومة " من عناصر القوة والتأثير بالتزامن مع المفاوضات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي وساحات النفوذ الإقليمي.
وتتّهم أطراف داخلية لبنانية، حزب الله بالسماح للفصائل الفلسطينية باستخدام لبنان ساحة للصراع، ومصادرة القرار الداخلي اللبناني خلال مرحلة الحرب، وعلى رأس تلك الأطراف الأحزاب المسيحية اللبنانية كالقوات اللبنانية والكتائب، والتي تُعتبر من أبرز الأطراف الداخلية التي تطالب بسحب سلاحه وسلاح القوى والفصائل الفلسطينية.
كما كان لافتًا موقف الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط عبر إدلائه بتصريحات حول ملف السلاح الفلسطيني في لبنان، مؤكدًا على ضرورة حصر السلاح بيد الدولة اللبنانية، كما شدّد جنبلاط على أهمية نزع سلاح المليشيات كافة، بما في ذلك السلاح الفلسطيني خارج المخيمات، مشيرًا إلى أن هذا الملف كان محوريًا في حوار عام 2006.
بالمقابل، فإن الحديث عن ملف نزع السلاح الفلسطيني بات مرتبطًا وفق المعطيات بخطة عمل واضحة أعدّتها السلطة الفلسطينية عقب زيارات أجراها رئيس المخابرات الفلسطينية ماجد فرج إلى واشنطن، ناقش خلالها مع المسؤولين في الإدارة الأميركية ملفات عديدة، من أبرزها ملف سلاح المخيمات في لبنان، إضافة إلى زيارة أجراها فرج مطلع شهر مارس/آذار 2025 إلى بيروت، والتقى خلالها مسؤولين أمنيين لبنانيين.
وطرح فرج خلال زيارته لبيروت، موضوع المخيمات مؤكّدًا موافقة السلطة في رام الله على خطة لنزع سلاح المخيمات في كل لبنان، وليس فقط في المخيمات الواقعة جنوب نهر الليطاني، واستعداد السلطة عبر حضورها في لبنان، للإشراف على المرحلة الأولى من الخطة.
وتشمل الخطة تولّي عناصر من قوات الأمن الوطني الفلسطيني المسؤولية الأمنية داخل المخيمات، وجعلهم الجهة الوحيدة التي تنسق معها الدولة اللبنانية، على أن يُصار إلى وضع قائمة بسلسلة من القرارات التي تتعلق بالأوضاع الاجتماعية والإنسانية للاجئين الفلسطينيين لإقرارها في الحكومة اللبنانية.
بالتوازي، فإن الجانب اللبناني، عبْر رئاسة الجمهورية، يعمل على إعداد ورقة عمل معمقة، وخاصة أن الجوانب القضائية والاجتماعية تأخذ حيزًا مهمًا في التعاطي مع ملف الوجود الفلسطيني في لبنان، حيث تعمل لجنة مختصة على إعداد ورقة عمل تحاكي الظروف والتحولات في البنية السكانية في المخيمات، وتشمل الخطة عدة مراحل، أهمها:
ومع الخطط التي تُعدّها الدولة اللبنانية والسلطة الفلسطينية، تتخوّف الأطراف السياسية اللبنانية من صعوبة تحقيق أهداف الخطط الموضوعة لنزع السلاح وفرض سلطة الدولة على المخيمات، وذلك نتيجة ظروف ميدانية وجغرافية، وطبيعة توزّع القوى في المخيمات.
من هذا المنطلق، يعتبر الدكتور مهند الحاج علي، نائب مدير مركز كارنيغي للدراسات، أن سحب السلاح الفلسطيني من المخيمات سيكون مرهونا بتفاعل الفصائل الفلسطينية مع الخطة، وخاصة في ظل مشاركة السلطة الفلسطينية وحركة فتح في صياغتها، على اعتبار أن الأخيرة ليست موضع ثقة لدى العديد من الفصائل والأطراف الفلسطينية في لبنان، وطبيعة الاختلاف السياسي والأيديولوجي بين فتح والفصائل الأخرى.
ووفق الحاج علي، فإن المفاوضات بين الدولة اللبنانية والتيارات الإسلامية الجهادية في المخيمات غير مثمرة، وإن هذه المجموعات غير متحمّسة لتسليم السلاح في ظل عدم وجود ضمانات تطلبها المجموعات -التي تنتمي لها- بشأن المطلوبين للدولة اللبنانية؛ لذا يضع الحاج علي، إجراءات الجيش على مداخل المخيمات في إطار الضغط على الفصائل للقبول بالخطة الموضوعة.
ويرى الحاج علي في حديثه للجزيرة نت أن تعاون فصائل منظمة التحرير وحركة فتح بعد زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس للبنان، قد يؤدي لتشدّد لدى فصائل أخرى وتحديدًا جند الشام وعصبة الأنصار وغيرها من المجموعات الإسلامية، مبديًا تخوفه من حصول اشتباكات مسلحة إذا ما قررت فتح الضغط على هذه المجموعات لتسليم سلاحها.
وأعلنت حركة فتح على لسان مسؤولها الإعلامي في لبنان يوسف الزريعي أن حركته متعاونة إلى أبعد الحدود مع الدولة اللبنانية، مؤكدا رفض حركته القاطع "لاستخدام لبنان كمنصة لأي خلل يمس أمنه القومي".
ووفقًا لتقارير، فإن عباس سيشترط، في زيارته المرتقبة، مقابل تسليم سلاح فصائل منظمة التحرير أن يسري القرار على كل الفصائل المسلحة في المخيمات، وذلك خوفًا من تجريد فتح حصريًا من السلاح.
بالمقابل، فإن ممثل حركة حماس ، أحمد عبد الهادي، أكد أن الحركة لم تتلق حتى الآن أي طلب رسمي من الدولة اللبنانية بهذا الخصوص، مشيرًا إلى أن أي موقف بهذا الشأن سيكون جامعا على المستوى الفلسطيني، ويحفظ سيادة لبنان ومصالحه، كما يراعي مصلحة الشعب الفلسطيني.
وأشار لوجود حوار فلسطيني – فلسطيني داخل لبنان، يهدف إلى بناء رؤية موحدة تتناول مختلف القضايا، من الأمن والاستقرار داخل المخيمات، إلى الحقوق الإنسانية والاجتماعية.
على المستوى الداخلي، يختلط ملف السلاح الفلسطيني بملف سلاح حزب الله، وخاصة مع تزامن الضغوط الأميركية والإسرائيلية على لبنان لنزع سلاح حزب الله في كل الأراضي اللبنانية، واستمرار إسرائيل بعمليات الاغتيال داخل المدن لقيادات من حركة حماس. من هنا، وبحسب مراقبين، فإن هذا الملف يحتاج لتفاهمات مع حزب الله والقوى اللبنانية التي تدور في فلكه.
ويحظى ملف السلاح الفلسطيني باهتمام دولي وعربي واسع، على اعتبار أن الدخول في ورشة داخلية لبنانية لحلّه يحتاج لدعم عربي وإقليمي شامل، وتفاهمات حول مدى استفادة لبنان على المستوى الأمني والاجتماعي من سحب السلاح.
وتطرقت الزيارات التي أجراها رئيس الجمهورية جوزيف عون إلى دول السعودية وقطر ومصر لأهمية حصول دعم وغطاء عربي لإجراءات الدولة اللبنانية، وخاصة بعد مرحلة سقوط النظام السوري السابق، الذي لعب أدوارًا متعددة في الصراع الداخلي الفلسطيني في مراحل سابقة.
ينتظر ملف السلاح الفلسطيني في لبنان مقاربة دقيقة تراعي التوازنات الداخلية والخارجية، وتُوازن بين ضرورات السيادة على كامل الأرض اللبنانية، وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم المشروعة على المستوى الإنساني والاقتصادي، ويتطلب نجاح أي حل أن يُبنى على الحوار السياسي برعاية عربية ودولية، لتفكيك أحد أكثر الملفات تعقيدًا في تاريخ لبنان الحديث.