الدوحة- انطلقت اليوم الأربعاء بالدوحة، أعمال المؤتمر الدولي الثامن للتمويل الإسلامي، على مدار يومين، بتنظيم من مركز الاقتصاد والتمويل الإسلامي بكلية الدراسات الإسلامية في جامعة حمد بن خليفة، وبالشراكة مع هيئة مركز قطر للمال.
يأتي ذلك في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها الاقتصاد العالمي، والتحديات التي تفرضها التكنولوجيا الحديثة على أنماط التعاملات المالية.
يشكّل المؤتمر، الذي يحمل عنوان "التمويل الإسلامي في عالم يسوده الانقسام"، منصة فكرية تجمع نخبة من العلماء والخبراء والمصرفيين وصناع القرار، لمناقشة مستقبل التمويل الإسلامي ودوره في بناء نظام مالي أكثر عدالة واستدامة في ظل التحول الرقمي السريع الذي يشهده العالم.
ويهدف إلى بحث سبل تطوير الصناعة المالية الإسلامية في ظل بيئة اقتصادية عالمية متقلبة، وتعزيز حضورها في النظام المالي الدولي من خلال اعتماد أدوات رقمية متقدمة تراعي الضوابط الشرعية وتواكب التطورات التقنية المتسارعة.
يركز المؤتمر كذلك على دراسة تأثير انتشار الذكاء الاصطناعي في التعاملات الاقتصادية، وكيف يمكن تسخير هذه التقنية لخدمة التمويل الإسلامي بما يضمن الشفافية والكفاءة من دون الإخلال بالمبادئ الأخلاقية التي يقوم عليها وذلك من خلال عدد من القضايا المحورية، مثل:
يقول عميد كلية الدراسات الإسلامية بجامعة حمد بن خليفة رجب شانتورك في حديث مع الجزيرة نت، إن المؤتمر يركز على تعزيز المبادئ الإسلامية لتقوية دور التمويل الإسلامي كإطار قائم على العدالة والمرونة والازدهار، وإبراز أهمية تقاسم المخاطر وتوظيف أدوات التمويل الاجتماعي، مثل الزكاة والوقف ودور الأسس الأخلاقية في التغلب على غياب الاستقرار الاقتصادي ومظاهر التفاوت الاجتماعي.
كما يركز المؤتمر على المضي قدما في عمليات التحول الرقمي وضمان توافقها مع المعايير الأخلاقية، مثل بحث تكامل الذكاء الاصطناعي والتقنيات المالية والمنصات الرقمية في التمويل الإسلامي مع ضمان اتساقها مع القيم الشرعية، وتعزيز آليات الوصول الشامل، ومواءمة التمويل الإسلامي مع متطلبات الاستدامة وتقييم كيفية إسهام القيم الاقتصادية الإسلامية في دعم العمل المناخي وتحقيق الاستدامة، في ظل تراجع التعاون الدولي.
وحول دور الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة التمويل الإسلامي وتحسين كفاءة الخدمات المصرفية، قال شانتورك إنه من الممكن الاستفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعي في تطوير أنظمة التمويل الإسلامي بعد تخطي التحديات التي يواجهها في هذا المجال، والتي تتمثل في فهم آلية عمل الذكاء الاصطناعي وإعداد الموظفين الأكفاء القادرين على استخدامه بكفاءة.
وأكد أهمية مواءمة هذه الأدوات مع متطلبات الحوكمة الشرعية والامتثال والعمليات التشغيلية داخل البنوك الإسلامية، مما يتطلب تطوير الإستراتيجيات وتأهيل الخبراء في هذا المجال لضمان الامتثال وحماية الخصوصية.
وأضاف أنه في حال تخطي هاتين العقبتين ستتمكن تقنيات الذكاء الاصطناعي من مساعدة المؤسسات على الالتزام بتحسين سرعة وكفاءة العمليات التشغيلية المصرفية، مثل تحليل البيانات الضخمة والتقارير المالية، لضمان الشفافية والوفاء بالحوكمة والتزاماتها التنظيمية، لمكافحة غسل الأموال والاحتيال المالي وغيرها من الجرائم المالية.
وقال شانتورك إنه بإمكان الذكاء الاصطناعي مراجعة العقود والمعاملات تلقائيا للتأكد من توافقها مع الشريعة، مما يقلل الأخطاء البشرية ويسرع عمليات الموافقة، مشيرا إلى تزايد استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي كأداة لتشغيل العمليات الداخلية والتطبيقات الموجهة إلى العملاء، مما يساعد البنوك على تحسين خدمة العملاء، والكشف عن الغش، وإدارة الأموال.
ويتمثل دور الذكاء الاصطناعي في تقديم منتجات مالية متخصصة في مراجعة وتدقيق وإنجاز العمليات المصرفية والبنكية المعقدة بسرعة أكبر ومن دون أخطاء بشرية، مثل تطبيقات الدردشة الآلية وتطبيقات تحسين إدارة المخاطر، والتطبيقات التي تساعد في فهم احتياجات العملاء.
أكد رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ، علي محيي الدين القره داغي، أن الشريعة الإسلامية قادرة على استيعاب قضايا التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي، بما في ذلك ما يتعلق بأموال الزكاة والوقف، شريطة وضع الضوابط اللازمة لتجنب المخاطر المحتملة.
وقال القره داغي، في حديث مع الجزيرة نت على هامش مشاركته في المؤتمر، إن الزكاة فريضة شرعية وركن من أركان الإسلام، داعيا إلى التعامل معها بدقة في تحديد مقدارها ونسبتها ومصارفها، ومشددا على أن جمع الزكاة وإدارتها من الواجبات التي لا تتم إلا بضوابط شرعية دقيقة.
ولا ترفض الشريعة الإسلامية التحول الرقمي، لكنها تشترط الضمانات الشرعية والفنية والقانونية قبل اعتماده في المعاملات المالية التعبدية، حتى تظل أموال الزكاة والوقف مصونة وتصل إلى مستحقيها على الوجه الصحيح، وفق القره داغي.
وأشار رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، إلى أن الاعتماد على الوسائل الرقمية والذكاء الاصطناعي في جمع أو صرف الزكاة ما زال محفوفا بالمخاطر، نظرا لعدم اكتمال البنية القانونية والتقنية الموثوق بها في هذا المجال، مؤكدا أنه لا يجوز في الزكاة الاعتماد على الظنون أو الشكوك، لأنها عبادة لا تبرأ الذمة إلا بأدائها بيقين.
وتُعد إجازة استخدام التقنيات الرقمية في الزكاة أو الوقف مشروطة بتحقيق اليقين أو شبه اليقين بدقة المعلومات وسلامة الأنظمة التقنية من الاختراق أو التلاعب، حسب القره داغي، الذي دعا إلى ضرورة اختبار هذه الأنظمة أولا في مجالات الصدقات أو الأموال العامة قبل اعتمادها في أموال الزكاة.
أما الوقف فيخضع لمعايير مشابهة للزكاة من حيث ضرورة التأكد من دقة البيانات وضمان وصول الأموال إلى مستحقيها، إلا أن شروطه -وفق القره داغي- قد تكون أخف لأن الوقف ليس فريضة، مشددا على أن ناظر الوقف يتحمل مسؤولية شرعية في التأكد من سلامة البنية القانونية والتقنية.
أكد الرئيس التنفيذي لمركز قطر للمال، يوسف محمد الجيدة، خلال كلمة له بالمؤتمر، أن التمويل الإسلامي يقدم حلولا عملية قائمة على العدالة والمسؤولية المشتركة، بما يعزز دوره في تحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في ظل الانقسامات الاقتصادية والجيوسياسية العالمية.
وأشار إلى أن التمويل الإسلامي يتميز بمرونة عالية بفضل العدالة والشفافية والارتباط بالأصول الحقيقية، مما يمكّنه من امتصاص الصدمات وتعزيز الثقة في أوقات عدم اليقين، معتبرا أن مبادئ التمويل الإسلامي الأخلاقية، التي تحظر المضاربات المفرطة وتؤكد على تقاسم المخاطر، تشكل أساسا لبناء الثقة ودعم التجارة والاستثمار بما يتوافق مع الشريعة الإسلامية.
وأوضح أن قيمة أصول التمويل الإسلامي العالمية بلغت 5.5 تريليونات دولار في 2024، ومن المتوقع أن تصل إلى 7.5 تريليونات دولار بحلول 2028، مع زيادة الطلب على المنتجات والخدمات المتوافقة مع الشريعة.
ويمثل التحول الرقمي فرصة لتوسيع نطاق التمويل الإسلامي، من خلال المحافظ الاستثمارية الرقمية والمنصات التمويلية الجماعية والصكوك الرقمية والتكافل الرقمي، مما يعزز الشفافية ويسرّع التسويات المالية، حسب الجيدة.
كما تفتح التقنيات الناشئة مثل "البلوك تشين" و"العقود الذكية" و"الذكاء الاصطناعي" آفاقًا جديدة، مما يتطلب ضرورة دمج هذه التطورات مع الحفاظ على المبادئ الجوهرية للتمويل الإسلامي لضمان نزاهته ومصداقيته.