آخر الأخبار

هل يمكن أن يضرب أصحاب الأعمال؟ ماذا لو فعلوا ذلك؟

شارك

لم يحتكر العمال فكرة الإضراب عبر التاريخ، فأرباب الأعمال لهم في هذا الأمر سجلات، وقد ظهر في خمسينيات القرن الماضي ما يُعرف بـ "البوجادية"، وهو تيار ما تزال آثاره قائمة حتى اليوم، ونشأ ليجمع صغار أرباب العمل مثل الحرفيين والخبازين والتجار.

تأسّست هذه الحركة من قبل بيير بوجاد عام 1953، احتجاجًا على حملات التفتيش والرقابة الضريبية، والتي دعت إلى الامتناع عن دفع الضريبة.

ونشرت مجلة (لوبوان) الفرنسية، تقريرا للكاتب جوزيف لو كورّيه يبين فيه أن الحركة كانت في بدايتها ذات طابع مهني بالأساس، وجاءت كاستجابة لما اعتُبر أزمة اجتماعية، على حد وصف المؤرخ رومان سويّاك في كتابه (حركة بوجاد) المنشور في 2007.

كان الحرفيون والتجار في المدن الصغيرة والبلدات بوسط وجنوب فرنسا يشعرون بثقل الضرائب والرقابة المالية التي كانت تُفرض عليهم، لدرجة أنهم كانوا يروها بمثابة تدخّل الدولة في كل تفاصيل أعمالهم، حتى في خزاناتهم لتجميع إيرادات المبيعات.

يضيف الكاتب أن سلاسل التوزيع الكبرى تفرض نفوذها المتنامي، وتلتهم تدريجيًا ما كان يدرّ رزق البقالة المحلية والمقهى العائلي والورشات الحرفية الصغيرة، وحولهم كانت عمليات التحضر والتصنيع ترسم جغرافيا جديدة، إذ تركزت الثروات والوظائف في المدن الكبرى، تاركةً هذه المناطق نصف الريفية على هامش التنمية.

ويعلق المؤرخ والمتخصص في سوسيولوجيا الإضرابات ستيفان سيرو بسخرية قائلاً "يمكن اعتبارها نوعًا من انتفاضات أرباب العمل، لكنها تقتصر على صغار التجار، أما كبار أرباب العمل فلا يشاركون، ومن الصعب تخيل رجل الأعمال الفرنسي برنار أرنو (الأكثر ثراء في أوروبا وفق بلومبيرغ وفوربس) ينضم إلى موكب الكنفدرالية العامة للشغل".

إضرابات ضد المضربين

ويردف الكاتب بأن التاريخ الفرنسي شهد بعض إضرابات أصحاب العمل، أو ما يُعرف بالإغلاقات القسرية، وفي هذه الحالة، لا يترك العمال أعمالهم، بل يقرر أصحاب العمل إغلاق أبوابهم حيث تُقفل المصانع وتُخلى الورش وتُغلق البوابات، وغالبًا ما يحدث ذلك ردًّا على إضراب أو مطالبات بالأجور تُعتبر مبالغًا فيها، أو نزاع مستمر، وهو أسلوب للضغط، ومع إيقاف النشاط فجأة وبالتالي حرمان العمال من أجورهم، يأمل صاحب العمل في إجبارهم على الاستسلام وقبول شروطه.

مصدر الصورة أغلق أرباب أعمال أوروبيون في مرات عدة في وجه العمال المضربين (الفرنسية)

لذلك، يُعد وصف هذه الإجراءات بـإضراب أصحاب العمل غير دقيق، لأنها غالبًا ما تُستخدم لمواجهة المضربين أنفسهم.

إعلان

وإذا كان استخدام المصطلح الإنجليزي شائعًا، فذلك لأن هذه الإغلاقات القسرية كانت أكثر انتشارًا في بريطانيا ، إذ يقول سيرو "كان أرباب العمل الإنجليز، وكذلك الألمان، أكثر تنظيمًا منذ القرن الـ19، أما أرباب العمل الفرنسيون، فقد استغرقوا وقتًا أطول نوعًا ما لتنظيم أنفسهم".

نهاية المشروعية

في فرنسا، كانت هذه الإضرابات لأرباب العمل ممنوعة منذ صدور قانون لو شابوليي أثناء الثورة عام 1791، الذي حظر الإضرابات العمالية وأيضًا إضرابات أصحاب العمل، ومنذ ذلك الحين، أصبح حق الإضراب للعمال قانونيًا، بينما لم يُمنح نفس الحق لأصحاب العمل.

ويبين الكاتب أنه منذ عام 1946، فقد الإغلاق معناه، فالحظر لم يمنع تكرار حالات الإغلاق في فرنسا في نهاية القرن الـ19، وكتب: "نلاحظ هذه الحالات بشكل خاص خلال فترة ما بين الحربين العالميتين، وكانت هذه الحوادث شائعة نسبيًا في قطاع صناعة السيارات، على سبيل المثال، في شركة رينو خلال ثلاثينيات القرن الماضي، كان بعض أصحاب المصانع يقررون إغلاق المصنع، ثم فصل جميع العمال، ويطلبون من عمال جدد التقدّم للعمل واحدًا تلو الآخر، بهدف التخلص من قادة الإضرابات الأكثر تصعيدًا".

ويروي المؤرخ جاك دولور في مجلة (مواد لتاريخ عصرنا) ذكرياته عن الإضرابات والإغلاقات القسرية في مصانع المعادن التابعة لمجموعة رينو عام 1936 قائلاً "في نهاية مايو/أيار انضم مصنع قريب، نيبورت في إيسي-ليه-مولينو، إلى الحركة، كنت أذهب يوميًا إلى العمل على الدراجة الهوائية، وفي المساء كنت أقوم بجولة للاطلاع على الإضراب، لأنه كان الأول من نوعه، واحتل العمال المصنع، وحافظوا على الأبواب لمنع الإغلاق القسري أو توظيف (عمال صُفر)، وهو ما كان سيكون سهلاً في ظل هذه الفترة من البطالة ويُفكك الحركة".

مع ذلك، منذ أن أصبح الحق في الإضراب حقًا دستوريًا عام 1946، أصبح الإغلاق ممارسةً "مُجرّدة من شرعيتها"، وأضاف ستيفان سيرو "بطريقة ما، كانت هذه الممارسة تُمثّل إحباطًا لحق دستوري، حتى الحرب العالمية الثانية ، كان من الممكن فصل أي شخص يُضرب عن العمل. لم يعد هذا هو الحال منذ ذلك الحين. لذا، فقد الإغلاق معناه".

الجزيرة المصدر: الجزيرة
شارك

إقرأ أيضا


حمل تطبيق آخر خبر

آخر الأخبار