● اليونسكو تعتمد الزليج كموروث ثقافي جزائري في 2026
الجزائرالٱن _ في خطوة تاريخية تضع حدًا للجدل الدائر منذ سنوات، كشف مدير المركز الوطني للبحوث في عصور ما قبل التاريخ، سليمان حاشي، أن منظمة اليونسكو ستعتمد رسميًا فن الزليج كموروث ثقافي جزائري خلال عام 2026.
جاء هذا الإعلان في تصريح لصحيفة “سبق برس” الإخبارية، مؤكدًا أن الملف الذي أودعته الجزائر عام 2023 لاعتماد الزليج ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي للإنسانية سيُعتمد رسميًا السنة المقبلة، في اعتراف أممي يثبت الملكية الجزائرية لهذا الفن العريق.
● ما هو الزليج؟
الزليج فن فسيفسائي عريق يتكون من بلاطات خزفية ملونة مقطعة يدويًا بأشكال هندسية دقيقة، تُرصف قطعة بقطعة في لوحة من الجبس لتشكل تصاميم زخرفية بديعة. يُستخدم هذا الفن في تزيين الجدران والأسقف والنوافذ والأرصفة والنوافير في المعالم الدينية والقصور والمنازل التقليدية.
● يتميز الزليج بخصائص فنية وتقنية فريدة، منها:
ـ التقطيع اليدوي: تُقطع القطع الخزفية يدويًا بواسطة مطرقة حديدية خاصة تسمى “المنقاش”
ـ الألوان الطبيعية: تُستخرج من معادن محلية لتعطي ألوانًا نابضة بالحياة
ـ الهندسة المعقدة: تصاميم هندسية دقيقة تعتمد على التناظر والتكرار
ـ البراعة الحرفية: تتطلب سنوات من التدريب والإتقان لإنجاز قطعة واحدة
● الجذور التاريخية الجزائرية للزلي
تؤكد الأدلة التاريخية والأثرية أن فن الزليج نشأ وتطور في الجزائر قبل انتشاره إلى مناطق أخرى في المغرب العربي والأندلس. وأقدم الشواهد على ذلك تعود إلى:
● قلعة بني حماد: مهد الزليج
شُيدت قلعة بني حماد في ولاية المسيلة سنة 1007 ميلادية في عهد الدولة الحمادية، وتُعتبر المرجع الأول لفن الزليج في شمال إفريقيا. كشفت الحفريات الأثرية في القلعة عن استخدام متقدم للزليج في تبليط الأرضيات والجدران وشبابيك النوافذ، بتقنيات عالية من الدقة والاحترافية.
أقدم قطعة زليج موثقة في شمال إفريقيا وُجدت في قلعة بني حماد، وهي محفوظة حاليًا في متحف اللوفر بباريس كشاهد على عراقة هذا الفن الجزائري. هذا الدليل المادي الملموس يُثبت بما لا يدع مجالًا للشك أن الزليج فن جزائري خالص نشأ في القرن الحادي عشر الميلادي.
● تلمسان: عاصمة الزليج وتطوره
بعد قلعة بني حماد، انتقل الزليج إلى مدينة تلمسان، عاصمة الدولة الزيانية (1235-1556)، حيث وصل إلى ذروة الإبداع والجمال. يتجلى ذلك بوضوح في:
ـ قصر المشور: القصر الملكي الزياني الذي يحتوي على أروع نماذج الزليج الجزائري
ـ المسجد الكبير بتلمسان: الذي بُني في القرن الثاني عشر ويحتوي على زليج متميز
ـ مسجد سيدي إبراهيم: بزليجه الزمردي الفريد من نوعه
● الزليج التلمساني له خصوصية فريدة في ألوانه ودلالاتها:
ـ الأزرق: يرمز إلى السماء والبحر وراية المملكة الزيانية
ـ الأبيض: يرمز إلى السلام
ـ البني: يشير إلى أسوار تلمسان المشهورة
ـ الأسود: يرمز إلى ظلمة الليل والنجوم
● المسار التاريخي لانتشار الزليج
تؤكد الأبحاث التاريخية أن مسار انتشار الزليج كان واضحًا:
ـ قلعة بني حماد (القرن 11م): نشأ الفن وتطور
ـ تلمسان (القرون 12-16م): وصل لذروة الإبداع في العهد الزياني
ـ الأندلس: انتقل مع الحرفيين الجزائريين
ـ المغرب الأقصى: انتقل إليه عبر الحرفيين التلمسانيين
الباحثون يؤكدون أن الحرفيين التلمسانيين هم من نقلوا هذا الفن إلى فاس ومراكش، وليس العكس. فالتسلسل الزمني واضح: قلعة بني حماد (1007م) تسبق بقرون ظهور الزليج في المدن المغربية الأخرى.
● محاولات السطو على التراث الجزائري
منذ سنوات، تتعرض الجزائر لمحاولات ممنهجة لسرقة تراثها الثقافي ونسبه زورًا وبهتانًا إلى جهات أخرى، خاصة المملكة المغربية. شملت هذه المحاولات:
● قضية قميص المنتخب الوطني 2022
عندما أصدرت شركة “أديداس” قميص إحماء المنتخب الجزائري لكرة القدم مستوحى من زليج قصر المشور بتلمسان، اندلعت حملة مغربية شرسة للادعاء بأن التصميم “مسروق من التراث المغربي”. وصل الأمر إلى حد توجيه وزارة الثقافة المغربية إنذارًا قضائيًا للشركة الألمانية!
ردت “أديداس” بوضوح تام: “التصميم مستوحى من قصر المشور في مدينة تلمسان الجزائرية”، مؤكدة الحقيقة التاريخية. لكن ذلك لم يوقف حملة التضليل المنظمة.
● محاولات أخرى
لم يقتصر الأمر على الزليج، بل شمل:
ـ القفطان الجزائري: محاولة نسبه للمغرب رغم أنه لباس تقليدي جزائري
ـ الكسكس: رغم تسجيله كتراث مغاربي مشترك
ـ الطاجين: الذي يُعتبر طبقًا مغاربيًا مشتركًا
هذه الحملات الممنهجة تهدف إلى تزوير التاريخ ومحو الهوية الثقافية الجزائرية.
● الرد الجزائري الحاسم
لم تقف الجزائر مكتوفة الأيدي أمام هذه المحاولات، بل تحركت على عدة مستويات:
1 ـ التسجيل في اليونسكو
أودعت الجزائر ملف الزليج لدى اليونسكو عام 2023، متضمنًا:
ـ وثائق تاريخية: تثبت نشأة الزليج في قلعة بني حماد
ـ أدلة أثرية: من المواقع المسجلة كتراث عالمي
ـ شهادات حرفيين: من تلمسان ومناطق أخرى
ـ تحليل تقني: للمواد الأولية والتقنيات المستخدمة
تطلب إعداد الملف أربع سنوات من العمل الشاق بمشاركة مختصين وباحثين وحرفيين.
● 2 ـ التسجيل الدولي للملكية الفكرية
سبق للمغرب أن سجل “الزليج الفاسي” لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) عام 2016 في محاولة للاستحواذ على هذا التراث. لكن هذا التسجيل لا يلغي الحقيقة التاريخية، بل يُظهر نية السطو.
● الجزائر بدورها تعمل على تسجيل عناصر تراثها لحمايتها من السرقة.
3 ـ حماية الحرفيين
تنظم مديرية الثقافة الجزائرية:
ـ ورشات تدريبية: لتكوين جيل جديد من الحرفيين
ـ أيام دراسية: حول تاريخ الزليج الجزائري
ـ دعم مادي: للحرفيين المتخصصين في هذا الفن
كما تم إنشاء معاهد متخصصة لتعليم حرفة الزليج التقليدية، خاصة في تلمسان.
● التراث الجزائري المسجل في اليونسكو
نجحت الجزائر في تسجيل 13 عنصرًا ثقافيًا غير مادي في قائمة التراث الثقافي للإنسانية لدى اليونسكو بين عامي 2008 و2024، منها:
ـ الأهليل: فن موسيقي من الصحراء الجزائرية
ـ الراي: الموسيقى الشعبية الجزائرية
ـ الكسكس: كتراث مغاربي مشترك
ـ اللباس النسوي للغرب الجزائري
ـ اللباس النسوي الاحتفالي للشرق الجزائري (2024)
ـ الفوقارة: نظام الري التقليدي في الصحراء
كما تحضر الجزائر ملفات جديدة لتسجيل:
ـ البرنوس الجزائري
ـ الحايك
ـ الحوزي (الموسيقى الأندلسية الجزائرية)
ـ الألعاب التقليدية
● الأهمية الثقافية والاقتصادية للزليج
يمثل الزليج ثروة ثقافية واقتصادية للجزائر:
القيمة الثقافية
ـ رمز الهوية الوطنية: يُعبر عن عراقة الحضارة الجزائرية
ـ استمرارية تاريخية: يربط الحاضر بالماضي المجيد
ـ تنوع فني: كل منطقة طورت أسلوبها الخاص
● القيمة الاقتصادية
ـ صناعة حرفية: توفر فرص عمل لآلاف الحرفيين
ـ جذب سياحي: المعالم المزينة بالزليج تستقطب السياح
ـ تصدير: إمكانية تصدير الزليج للأسواق العالمية
ـ قيمة عالية: يصل سعر المتر المربع إلى 600 دولار في الأصناف الراقية
● موقف المجتمع الدولي
تلقى الجزائر دعمًا واسعًا من المجتمع الدولي في حماية تراثها:
ـ المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم: تدعم الموقف الجزائري
ـ الاتحاد الإفريقي: يعترف بالتراث الجزائري
●ـ خبراء دوليون: يؤكدون الأصل الجزائري للزليج
حتى “الموسوعة الإسلامية” (Encyclopaedia of Islam) التي نُشرت تحت إشراف الأكاديمية الملكية الهولندية تؤكد أن الزليج ظهر لأول مرة في شمال إفريقيا بقلعة بني حماد في بداية القرن الحادي عشر الميلادي.
اعتماد اليونسكو للزليج كموروث ثقافي جزائري في 2026 يمثل انتصارًا تاريخيًا للحقيقة على التزوير، وللتاريخ على الادعاءات الفارغة.
هذا الاعتراف الأممي يضع حدًا للمحاولات المتكررة للسطو على التراث الجزائري، ويؤكد أن العلم والتوثيق هما السبيل الوحيد لحماية الهوية الثقافية.
● الزليج شاهد على حضارة عريقة
الزليج الجزائري ليس مجرد فن زخرفي، بل هو رمز للحضارة الجزائرية العريقة، شاهد على عبقرية الأجداد، وجسر يربط الماضي بالحاضر. والأهم من التسجيل الرسمي هو الحفاظ على هذا الفن الحي، ونقله للأجيال القادمة، وتطويره ليبقى نابضًا بالحياة.
على الجزائريين اليوم مسؤولية كبيرة: حماية تراثهم من السرقة، وتوثيقه علميًا، ودعم حرفييه، والاعتزاز به محليًا وعالميًا. فالتراث لا يُحمى بالشعارات، بل بالعمل الجاد والتوثيق الدقيق والاعتزاز الحقيقي.
وفي النهاية، التاريخ لا يُزوّر، والحقيقة تبقى حقيقة مهما حاول المزورون طمسها. والزليج الجزائري، بشهادة الآثار والوثائق والمنظمات الدولية، هو جزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية الجزائرية، وستبقى قلعة بني حماد وقصر المشور شاهدًا على هذه الحقيقة عبر القرون.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة