سفير الاتحاد الأوروبي: ” شراكتنا مع الجزائر تتجاوز الاتفاقيات التقليدية”
الجزائرالٱن _ أكد سفير الاتحاد الأوروبي لدى الجزائر، دييغو ميلادو باسكوا، أن النقاش حول مراجعة اتفاق الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي يندرج ضمن مسار شامل لإعادة ضبط العلاقات الثنائية، بعيدًا عن أي وصف للأمر كأزمة أو خلاف سياسي.
وأوضح السفير أن هذا المسار يشمل جميع المستويات، بالتوازي مع التحضير لزيارات مرتقبة لمسؤولين رفيعي المستوى من المفوضية الأوروبية ومؤسسات الاتحاد، في خطوة تهدف إلى الارتقاء بالملف من معالجة تقنية إلى مستوى القرار السياسي.
الجزائر شريك أساسي واستراتيجي
وأشار السفير في حديثه لجريدة “المجاهد” إلى أن الاتحاد الأوروبي يعتبر الجزائر شريكًا أساسيًا لا غنى عنه، ليس فقط في إطار اتفاق الشراكة، بل أيضًا في الشراكة الطاقوية والإطار الجديد الذي أطلقه الاتحاد تحت مسمى “ميثاق من أجل المتوسط”.
هذا الميثاق، الذي تمت المصادقة عليه خلال اجتماع برشلونة في 28 نوفمبر، يشكل إطارًا عمليًا للتعاون يتجاوز اتفاق الشراكة مع الحفاظ على جميع المكتسبات القانونية والمؤسساتية.
من النصوص إلى الإجراءات العملية
وأوضح السفير أن ميثاق من أجل المتوسط يهدف إلى الانتقال من النصوص العامة إلى إجراءات تنفيذية ملموسة، تشمل تحديث العلاقات التجارية، مراجعة الإجراءات الجمركية، تسهيل اعتماد الشهادات العضوية للمنتجات الزراعية، واستحداث أدوات جديدة لترقية وحماية الاستثمارات، بما في ذلك اتفاق تسهيل الاستثمارات المستدامة.
وأكد أن الجزائر كانت من أول الدول التي تجاوبت مع المشروع وقدمت مقترحات تفصيلية، ما يعكس رغبتها في تطوير الشراكة على أسس أكثر توازنًا وفعالية.
التوازن في تقييم العلاقات
فيما يخص اختلال الميزان التجاري، أوضح السفير أن تقييم العلاقة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي لا يجب أن يقتصر على الأرقام التجارية، بل يشمل أيضًا الشراكة الطاقوية وميزان المدفوعات والإجراءات التجارية.
وأشار إلى وجود إمكانات معتبرة لتطوير الصادرات الزراعية الجزائرية وتعزيز الشراكات التكنولوجية، مؤكّدًا أن إدماج الجزائر في سلاسل القيم الأوروبية يندرج ضمن توجه أوروبي لتقليص الاعتماد على سلاسل توريد بعيدة وغير مستقرة، في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية.
الأمن الاقتصادي الأوروبي والتحالفات الاستراتيجية
وضع السفير هذا التوجه في سياق أوسع مرتبط بالأمن الاقتصادي الأوروبي، حيث يسعى الاتحاد لإعادة التصنيع وتنويع مصادر الطاقة والشركاء، بعد تجربة الاعتماد المكثف على سلاسل إنتاج آسيوية ومصادر طاقة روسية.
وأوضح أن اللجوء إلى آليات التحكيم التجاري منصوص عليه تقنيًا في اتفاق الشراكة، وأن تبادل المراسلات مع الجزائر جارٍ، فيما سيتم مناقشة هذه الملفات على المستوى الوزاري في الفترة المقبلة.
الهجرة وحركية الكفاءات
فصل السفير بين ملف التحكيم التجاري وملف تنقل الأشخاص، موضحًا أن قضايا التأشيرات والهجرة تندرج ضمن ميثاق من أجل المتوسط، وأن القرارات الفردية تبقى من صلاحيات الدول الأعضاء في فضاء شنغن.
وطرح مقاربة تقوم على “حركية منظمة للكفاءات” بدل الهجرة غير المضبوطة، مع تجنب هجرة الأدمغة، واقتراح تسهيلات لفئات محددة مثل الطلبة، في إطار تبادل متوازن يشمل تنقل الأوروبيين نحو الجزائر أيضًا.
التحديات والفرص في العلاقات الأوروبية
اعترف السفير بوجود انقسامات داخل الاتحاد حول بعض الملفات الاقتصادية والتجارية، واعتبرها جزءًا من آلية تفاوض داخلية طبيعية. وأكد أن الاتحاد بات يعتبر الوحدة شرطًا للحفاظ على السيادة الاقتصادية في ظل التنافس الحاد مع القوى الكبرى، ما يفسر إطلاق ميثاق من أجل المتوسط.
وأضاف أن الجزائر تمتلك نسيجًا صناعيًا نشطًا وإمكانات معتبرة في الاستثمار والتنويع، وأن المستقبل يقوم على سلاسل قيم مشتركة، نقل التكنولوجيا، الشراكات الإنتاجية، والطاقات المتجددة بما في ذلك الهيدروجين الأخضر، إلى جانب الموارد التقليدية.
قرب السوق الأوروبي وأهمية التعاون المستمر
وقدم السفير الاتحاد الأوروبي كسوق قريب يضم نحو 600 مليون مستهلك عند احتساب الفضاء الاقتصادي الأوروبي والعلاقات التجارية الخاصة، معتبرًا أن هذا القرب الجغرافي والسوق الواسعة يشكلان عامل جذب استراتيجي للجزائر، بينما تستفيد أوروبا من شريك مستقر وقريب.
وأكد أن الموقف الأوروبي يعترف بشرعية الجزائر في الدفاع عن مصالحها، ويقر بإمكانية الاختلاف في بعض الملفات.
دون أن يؤثر ذلك على مسار العلاقة، مع التأكيد على أن تحويل الخطاب إلى نتائج ملموسة يعتمد على قدرة الطرفين على ترجمة ميثاق من أجل المتوسط إلى إجراءات عملية، خصوصًا في مجالات التجارة، الاستثمار وسلاسل القيم، بعيدًا عن الشعارات العامة.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة