هكذا أوصل ترامب مهاجرا مسلما إلى رئاسة بلدية نيويورك!
ستة أشهر من التهديدات والشتائم والتدخل الرئاسي المباشر لم تمنع فوز الاشتراكي المسلم – بل ربما صنعته
الجزائرالٱن _ في ليلة الثلاثاء، عندما صعد المهاجر المسلم زهران مامداني منصة الفوز في بروكلين ليعلن انتصاره برئاسة بلدية نيويورك، كان هناك غائب حاضر بقوة: دونالد ترامب. لم يكن الرئيس الأمريكي موجوداً جسدياً، لكن مامداني وجّه إليه رسالة مباشرة وصريحة: “دونالد ترامب، بما أنني أعلم أنك تشاهد، لدي أربع كلمات لك: ارفع مستوى الصوت”.
كانت لحظة سريالية بكل المقاييس، شاب مسلم في الرابعة والثلاثين من عمره، يصف نفسه باشتراكي ديمقراطي، يتحدى علناً الرئيس الأمريكي الذي قضى الأشهر الستة الماضية في محاولة إسقاطه بكل الوسائل. لكن الأكثر إثارة للسخرية هو أن كل محاولات ترامب لإفشال حملة مامداني ربما كانت السبب الرئيسي في نجاحها.
عندما يصبح العدو صانع الأبطال
باسل سميكلي، المحلل السياسي الديمقراطي، صرح بوضوح: “لو كنت ناخباً شاباً، فإن تدخل ترامب كان سيخيفني بشدة ويدفعني للخروج والتصويت لمامداني”. وهذا بالضبط ما حدث.
هكذا أوصل ترامب مهاجرا مسلما إلى رئاسة بلدية نيويورك!
حققت الانتخابات إقبالاً تاريخياً تجاوز مليوني ناخب للمرة الأولى منذ عام 1969، معظمهم من الشباب الذين كان تهديد ترامب حافزاً رئيسياً لهم. أليسا كاس، الاستراتيجية السياسية، ذهبت أبعد من ذلك بقولها: “لكل ناخب ديمقراطي متردد في مدينة زرقاء عميقة، نجح ترامب وعصابته في إقناعه بالتصويت لزهران”.
التدخل الرئاسي لم يكن مجرد تغريدات عابرة. لقد كان حملة منظمة، متعددة الجبهات، استمرت شهوراً. هدد ترامب بقطع التمويل الفيدرالي عن نيويورك، واصفاً مامداني بـ”الشيوعي”، وقال إن انتخابه سيكون “كارثة اقتصادية واجتماعية كاملة”. ثم أردف بتصريح أكثر مباشرة: “إذا فاز المرشح الشيوعي زهران مامداني في انتخابات عمدة نيويورك، فمن غير المرجح أن أساهم بأموال فيدرالية، باستثناء الحد الأدنى المطلوب”.
لكن في نيويورك، المدينة التي صوتت ضد ترامب بهوامش ساحقة مراراً، كان لهذه التهديدات مفعول عكسي تماماً. لم تخيف الناخبين – بل أثارت فيهم روح التحدي.
التحالف غير المقدس: عندما أيّد ترامب كومو
في الساعات الأخيرة قبل الاقتراع، قام ترامب بخطوة يائسة أخرى، أيد علناً أندرو كومو، الحاكم السابق الذي ترشح كمستقل، وحثّ الناخبين على عدم التصويت للجمهوري كورتيس سليوا لأن “التصويت لسليوا هو تصويت لمامداني”.
كان هذا التأييد بمثابة قبلة الموت السياسي. في مدينة يكره معظم ناخبيها ترامب، رؤية الرئيس يؤيد خصم مامداني الرئيسي كانت هدية سياسية مجانية. حتى كومو نفسه بدا محرجاً من هذا التأييد في هذه المدينة المميزة.
الأرقام تحكي القصة بوضوح: الناخبون الشباب تحت سن 45 عاماً أيدوا مامداني بفارق ساحق بلغ 43 نقطة عن كومو. هؤلاء هم بالضبط الناخبون الذين أثار تدخل ترامب غضبهم وحفزهم على التصويت.
الاستراتيجية التي نسخها من عدوه
المفارقة الأكبر في هذه القصة هي أن مامداني لم يهزم ترامب فقط – بل استخدم نفس أسلحته ضده. كلاهما تجاهل وسائل الإعلام التقليدية واعتمد على وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات البديلة للوصول إلى الناخبين.
صعود مامداني للشهرة يُنسب إلى استخدامه الذكي لوسائل التواصل الاجتماعي، حيث كان انتصاره المفاجئ على كومو في الانتخابات التمهيدية الديمقراطية مدفوعاً بمقاطع فيديو رائجة وتعاونه مع منشئي محتوى من مختلف الأطياف السياسية.
مقاطع الفيديو التي أنتجها مامداني لم تكن خطب سياسية تقليدية – بل كانت محتوى ممتعاً، جذاباً، ينتشر بسرعة. مامداني شرح أهمية وسائل التواصل الاجتماعي لحملته قائلاً: “إذا استعددت لفيديو إنستغرام بنفس الطريقة التي تستعد بها لمقابلة صحفية مطبوعة، ستجد أن هناك إمكانية للوصول إلى أشخاص أكثر بكثير”.
حتى استضاف مؤتمراً صحفياً حصرياً لصانعي المحتوى – خطوة مباشرة من دليل ترامب الانتخابي. كوستاس باناغوبولوس، أستاذ العلوم السياسية في جامعة نورث إيسترن، قال: “هناك شيء ما في مامداني، تماماً كما في ترامب، يجعل جهود التواصل غير التقليدية تلقى صدى أكبر لدى الناخبين. قد يكون ذلك لأن كليهما غريبان عن المؤسسة وشعبويان”.
لكن بينما استخدم ترامب هذه الأدوات لنشر الغضب والانقسام، استخدمها مامداني لبناء حركة مبنية على الأمل والتغيير. رسالته كانت بسيطة ومباشرة ومركزة: القدرة على تحمل تكاليف المعيشة. في مدينة حيث يعاني الناس من أزمة إسكان خانقة وأسعار باهظة، كانت هذه الرسالة تجد صدى عميقاً.
ليلة سيئة لترامب على كل الجبهات
فوز مامداني لم يكن الهزيمة الوحيدة لترامب تلك الليلة. الديمقراطيون حققوا انتصارات ساحقة في ثلاثة من أكبر السباقات الانتخابية: مامداني في نيويورك، ميكي شيريل في نيوجيرسي، وأبيجيل سبانبرغر في فيرجينيا. كانت ليلة كارثية للحزب الجمهوري في أول انتخابات كبرى منذ بداية ولاية ترامب الثانية.
تشاك شومر، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الذي رفض دعم مامداني قبل الانتخابات، صرح: “نتائج الليلة هي رفض لأجندة ترامب. القسوة والفوضى والجشع التي تحدد التطرف الماغوي ورفع الأسعار رفضها الشعب الأمريكي بحزم”.
حتى ترامب نفسه اضطر للاعتراف بحجم الهزيمة، وإن بطريقته الخاصة. نشر على وسائل التواصل الاجتماعي أن “محللين” خلصوا إلى أن سبب خسارة الجمهوريين كان عدم وجوده على بطاقات الاقتراع، وبسبب إغلاق الحكومة الفيدرالية المستمر منذ أكتوبر.
الثمن الذي قد يدفعه مامداني
لكن النصر لا يعني نهاية المواجهة – بل بدايتها الفعلية. فوز مامداني سيرفع من مكانته كهدف رئيسي لترامب، الذي هدد بحجب التمويل عن المدينة وإرسال قوات فيدرالية.
وفقاً لتقرير مراقب الحسابات في ولاية نيويورك، تحتاج المدينة إلى 7.4 مليار دولار من التمويل الفيدرالي للسنة المالية 2026، وهو ما يمثل 6.4% من إجمالي الإنفاق. معظم هذه الأموال تذهب لوكالات الإسكان والخدمات الاجتماعية، مما يعني أن أي قطع في التمويل سيؤثر مباشرة على الفئات الأكثر ضعفاً.
لكن الخبراء يشيرون إلى أن قدرة ترامب على تنفيذ تهديداته محدودة قانونياً. الكونغرس هو الذي يقرر تخصيص الأموال الفيدرالية، وقد فازت ولاية نيويورك مؤخراً بدعوى قضائية ضد وزارة الأمن الداخلي بسبب حجب أموال الإغاثة من الكوارث لأسباب سياسية.
ماذا يعني هذا للديمقراطيين؟
فوز مامداني يطرح سؤالاً محورياً على الحزب الديمقراطي: هل المستقبل مع المؤسسة التقليدية أم مع الجيل الجديد التقدمي؟
بينما حقق مامداني الفوز بأجندة تقدمية ملهمة للناخبين الجدد، فإن سبانبرغر وشيريل اتجهتا أكثر نحو الوسط وجذبتا تحالفاً أوسع من المؤيدين. ليس هناك إجابة واحدة تناسب كل المعارك الانتخابية.
لكن ما أثبته مامداني هو أن الشجاعة السياسية تنجح. رفضه الانصياع لتهديدات ترامب، واحتضانه لأجندة تقدمية جريئة، وقدرته على تعبئة الناخبين الشباب – كل هذا يقدم نموذجاً محتملاً للديمقراطيين في انتخابات أخرى.
استطلاعات الرأي عند الخروج من صناديق الاقتراع أظهرت أن الناخبين في فيرجينيا ونيوجيرسي وكاليفورنيا ونيويورك كلهم قالوا إن القضايا الاقتصادية كانت أهم ما يشغل بالهم في هذه الانتخابات. إذا استمر هذا الاتجاه، فقد ينذر بمشاكل لترامب في انتخابات التجديد النصفي العام المقبل.
في نيويورك، الظلام يلتقي بالنور
في خطاب النصر، قال مامداني: “في هذه اللحظة من الظلام السياسي، ستكون نيويورك هي النور. هنا، نؤمن بالدفاع عن من نحبهم، سواء كنت مهاجراً، أو عضواً في مجتمع المتحولين جنسياً، أو واحدة من النساء السود الكثيرات اللاتي فصلهن دونالد ترامب من وظائفهن الفيدرالية، أو أماً عزباء لا تزال تنتظر انخفاض أسعار البقالة، أو أي شخص آخر ظهره إلى الحائط. نضالك هو نضالنا أيضاً”.
ثم أضاف بنبرة تحدٍ: “هذه ليست فقط الطريقة التي نوقف بها ترامب، إنها الطريقة التي نوقف بها التالي”.
الرسالة واضحة: في وقت يشعر فيه كثيرون بأن الديمقراطية الأمريكية في خطر، أثبتت نيويورك أن المقاومة ممكنة، وأن التهديدات قد تتحول إلى وقود للتغيير، وأن أكثر ما يخشاه المستبدون ليس الاسترضاء – بل التحدي.
فوز زهران مامداني ليس مجرد انتصار انتخابي محلي. إنه بيان سياسي، رسالة للبلاد بأكملها: في زمن ترامب، المواجهة المباشرة قد تكون أفضل استراتيجية من التراجع والتنازل. وربما، بشكل ساخر، يكون أفضل حليف للتقدميين هو عدوهم اللدود نفسه – عندما يبالغ في تدخله ويحول كل معركة إلى معركة وجودية.
عندما ارتفع صوت مامداني تلك الليلة يخاطب ترامب: “ارفع مستوى الصوت”، لم يكن يتحداه فقط – بل كان يشكره ضمنياً. فكل تهديد من الرئيس كان يضيف أصواتاً جديدة لمامداني. كل تغريدة غاضبة كانت إعلاناً مجانياً لحملته. وكل محاولة لإسقاطه كانت تبني له سلماً نحو الفوز.
في النهاية، ربما يكون درس هذه الانتخابات بسيطاً: عندما يتدخل الطغاة في الديمقراطية، قد تنقلب اللعبة ضدهم. وفي نيويورك، انقلبت تماماً.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة