مقال رأي| بين يد محمد ويد عمر
في السياسة، كما في المسرح، لا يكفي أن تحفظ النص، بل عليك أن تتقن التمثيل. والمغرب، هذه المرة، نسي أن الجمهور لم يعد ساذجًا. ففي اليوم الذي مدّ فيه الملك محمد السادس يده بالكلمات نحو الجزائر، متحدثًا عن “الأخوة” و”النية الصادقة”، مدّ مندوبه في الأمم المتحدة عمر هلال يده هو الآخر، لكن لا ليصافح، بل ليخفي العلم الجزائري في قاعة الأمم المتحدة . يدان خرجتا من بلد واحد، لكنهما تسيران في اتجاهين متعاكسين، الأولى ترتدي القفاز الدبلوماسي، والثانية تمسك مقصّ الاستفزاز .
مشهد يختصر تمامًا المدرسة المغربية في التعامل مع الجزائر، كلمة ناعمة، وفعل خشن. فبين خطاب ملكي مشبع بالمجاملات وعبارات “القلب المفتوح”، وبين حركة مرتجفة لمندوبٍ يعجز عن تقبّل رؤية الراية الجزائرية، يظهر التناقض لا كحادثة، بل كمنهج متجذّر. كأن الرباط تريد أن تقول: نحن نحب الجزائر… لكن من بعيد، بشرط ألا ترفرف رايتها أمامنا !
الملك محمد السادس تحدث عن اليد الممدودة، لكنّ يد المندوب عمر هلال كانت أسرع إلى الميدان، تمارس “الديبلوماسية باليد العارية”.
تصرّف صغير في الشكل، لكنه كبير في المعنى، لأن الأعلام في لغة الدول ليست قماشًا يغطى، بل رموزًا تمثّل الوجود والسيادة. لذلك، ما فعله عمر هلال لم يكن حركة عفوية، بل زلّة كشفت عن عقدةٍ سياسيةٍ أعمق من قماشٍ ملون. والأسوأ أنه اختار لحجب العلم الجزائري علم الولايات المتحدة الأمريكية، وكأنها صدفة رمزية لا يمكن تجاهلها، فالجميع يعرف أن واشنطن كانت هي من دفعت بمشروع “الحكم الذاتي” الذي تبناه مجلس الأمن. هكذا اجتمعت يد المندوب وعلم الحليف على صورةٍ تختصر التبعية في أوضح معانيها .
لقد ظنّ المغرب أن بإمكانه الجمع بين صورتين، وجهٍ يبتسم للكاميرات من القصر، وآخر يقطب حاجبيه في المحافل الدولية. لكن المشهدين تداخلا، وانكشف ما كان يُراد إخفاؤه. لم يعد ممكنًا تغليف الخطاب السياسي بالبلاغة حين تسقط الأفعال في فخّ الطفولة. فاليد التي تغطي علم الجزائر، هي نفسها التي تمزّق مضمون كل خطاب عن “المصالحة والأخوة “.
من المثير للسخرية أن هذه الواقعة حدثت في الأمم المتحدة، المكان الذي يُفترض أنه يرمز للتعايش واحترام الرموز الوطنية. وهنا المفارقة المؤلمة، يد الملك تلوّح بـ”السلام”، بينما يد المندوب تتصرّف وكأنها في ساحة خصومة، لا في قاعة دولية. إنه سلام شفهي وعداء حركي، وربما لا شيء يلخّص السياسة المغربية أكثر من هذا التناقض الفجّ بين اللسان واليد .
الجزائر، بطبيعتها، لا تحتاج إلى ردّ، لأن الأعلام لا تردّ على الأيدي الصغيرة. رايتها ظلت في مكانها، تنظر من علٍ إلى مندوبٍ ضائع بين تعليمات مكتوبة وهواجس دفينة. فالمشهد، رغم سخريته، كان دليلاً على شيء واحد: الجزائر أكبر من أن تُغطى، والمغرب أصغر من أن يُخفيها .
بين يد محمد التي تكتب رسائل الود، ويد عمر التي تمحوها أمام العالم، تختصر الرباط حكايتها مع الجزائر: سياسة تكتب بالريشة وتتصرف بالممحاة .
الفرق أن الريشة لا تترك أثرًا حين تكون اليد الأخرى مبلّلة بالغيرة.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة