● باريس ترفض إلغاء اتفاقية 1968 وتدعو لإعادة التفاوض مع الجزائر
● رئيس الوزراء الفرنسي يعارض مطالب اليمين المتطرف
الجزائر الآن _ في تطور لافت يعكس تراجعاً واضحاً عن الخطاب الشعبوي الذي تبنته الجمعية الوطنية الفرنسية مؤخراً، عبّر رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو، اليوم الثلاثاء، عن رغبته في إعادة التفاوض حول اتفاقية الهجرة الموقعة عام 1968 بين فرنسا والجزائر ، رافضاً بشكل قاطع مطالب إلغائها التي يتبناها اليمين المتطرف.
● رفض صريح لمطالب لوبان وحزب التجمع الوطني
أكد المسؤول الفرنسي خلال جلسة في الجمعية الوطنية، رداً على سؤال من زعيمة حزب التجمع الوطني مارين لوبان ، معارضته الصريحة لإلغاء الاتفاقية رغم تصويت الجمعية الوطنية “الرمزي” ضدها الأسبوع الماضي.
وحسب وسائل إعلام فرنسية، قال لوكورنو بوضوح: “لا أؤمن بإلغاء اتفاق 1968، بل بإعادة التفاوض بشأنه”، في رسالة واضحة تؤكد أن الحكومة الفرنسية تدرك خطورة المواجهة المباشرة مع الجزائر.
وأضاف رئيس الوزراء: “يجب الآن أن تبدأ مرحلة إعادة التفاوض في أقرب وقت ممكن”، مقترحاً العودة إلى اللجنة الحكومية المشتركة رفيعة المستوى بين البلدين لعام 2022، التي “أقرت بضرورة إعادة التفاوض حول هذا الاتفاق”.
وشدد على أن المسألة تتجاوز بكثير ملف الهجرة، قائلاً: “يجب الانطلاق من مصالحنا الأوسع، فالمسألة لا تتعلق فقط بالهجرة”.
● وزير الداخلية يحذر: سياسة لَي الذراع لن تنجح
في السياق ذاته، انتقد وزير الداخلية الفرنسي لوران نونيز التصويت البرلماني بشدة، قائلاً في مقابلة صحفية إن “الأساليب الغليظة لا تجدي نفعاً، وسياسة لَي الذراع مع الجزائر لن تكون مفيدة في أي مجال”.
هذا التصريح يعكس إدراكاً متأخراً للحكومة الفرنسية بأن المواجهة الصدامية مع الجزائر تأتي بنتائج عكسية تضر بالمصالح الفرنسية نفسها.
وكرر نونيز دعوته إلى استئناف الحوار الفرنسي مع الجزائر بشأن قضايا الأمن وتبادل المعلومات، مؤكداً أن جميع قنوات التواصل مع الجزائر مقطوعة تماماً حالياً، مما يعقّد التعاون في الملفات الأمنية الحساسة. هذا الاعتراف يكشف حجم الأزمة التي وقعت فيها باريس جراء تعاملها المتعالي مع الجزائر.
● تداعيات كارثية: انهيار الترحيل بنسبة 65%
كشف وزير الداخلية الفرنسي عن تداعيات خطيرة لهذه القطيعة، موضحاً أن عدد الجزائريين المرحلين من فرنسا خلال العام الجاري انخفض بنسبة 65% مقارنة بالعام الماضي، في مؤشر واضح على تعثر التعاون وفشل سياسة الضغط الفرنسية. هذا الانهيار الحاد في عمليات الترحيل يعكس قدرة الجزائر على الرد بفعالية على السياسات العدائية.
وأضاف نونيز أن المهاجرين الجزائريين يشغلون 40% من مراكز الاحتجاز في فرنسا، وهو ما يبرز أهمية إعادة التعاون مع الجزائر في قبول مواطنيها المرحلين، وفق تصريحاته الأخيرة. هذه الأرقام تكشف أن فرنسا باتت في موقف ضعيف، وأن سياسة المواجهة التي فرضها الخطاب الشعبوي أدت إلى نتائج كارثية على الأرض.
في المقابل، تعاملت الجزائر مع الأزمة بهدوء وثقة، معتبرة التصويت على إدانة اتفاقية الهجرة شأناً فرنسياً داخلياً لا يستحق الكثير من الاهتمام. وقال وزير الخارجية أحمد عطاف خلال حوار تلفزيوني: “من المؤسف أن نرى دولة بحجم فرنسا تجعل من تاريخ دولة أخرى مستقلة وذات سيادة مادة للتنافس الانتخابي المبكر”.
هذا الرد الهادئ لكن الحاسم يعكس ثقة الجزائر بنفسها، ورفضها الانجرار إلى لعبة الاستفزازات التي يمارسها اليمين المتطرف الفرنسي. الجزائر أدركت مبكراً أن التصويت البرلماني مجرد مناورة سياسية داخلية، وأن الحكومة الفرنسية ستضطر في النهاية للعودة إلى طاولة الحوار.
● فشل الشعبوية وانتصار الواقعية السياسية
ما يحدث اليوم في باريس هو اعتراف ضمني بفشل الخطاب الشعبوي الذي حاول استغلال ملف الهجرة لأغراض انتخابية ضيقة. رئيس الوزراء ووزير الداخلية يدركان الآن أن العلاقة مع الجزائر معقدة ومتشعبة، وأن ملف الهجرة مجرد جزء صغير من منظومة أوسع تشمل الأمن والطاقة والتعاون الاقتصادي والمصالح الاستراتيجية المشتركة.
التراجع الفرنسي عن خطاب الإلغاء واللجوء إلى خيار إعادة التفاوض يؤكد أن الجزائر نجحت في فرض معادلة جديدة قوامها الاحترام المتبادل والتعامل الندي. والأهم من ذلك، أن هذا التراجع يأتي بعد أسابيع قليلة فقط من التصويت البرلماني، ما يعني أن الضغوط الواقعية على الأرض أجبرت باريس على تعديل موقفها بسرعة.
في النهاية، تبقى الرسالة واضحة: الجزائر لم تعد الدولة التي يمكن الضغط عليها بسهولة، والسياسة الفرنسية القائمة على الاستعلاء والإملاءات أصبحت من الماضي.
العلاقة الجديدة يجب أن تُبنى على الاحترام والمصالح المشتركة، وليس على الابتزاز السياسي أو استغلال الملفات الحساسة لخدمة أجندات انتخابية ضيقة.
وما تراجع لوكورنو ونونيز إلا تأكيد على أن هذا الدرس بدأت باريس تستوعبه، وإن متأخرة.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة