● هل صوّتت الدول على تمديد عهدة المينورسو أم على الحكم الذاتي؟ قراءة في تصريحات الأعضاء تكشف الحقيقة
الجزائر الآن _ في مفارقة دبلوماسية تكشف هشاشة “الانتصار المغربي” المزعوم، أكدت غالبية الدول التي صوتت لصالح القرار الأمريكي حول الصحراء الغربية، في تصريحاتها الرسمية بعد التصويت مباشرة، على حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير، ونفت ولو بشكل غير مباشر أن يكون تصويتها اعترافاً بالسيادة المغربية على الإقليم.
هذه التصريحات، التي وردت في سجلات الأمم المتحدة الرسمية، تطرح سؤالاً محورياً: هل صوتت هذه الدول فعلاً على مضمون القرار السياسي، أم أنها صوتت فقط على تمديد ولاية بعثة المينورسو لمدة سنة واحدة، تحت ضغوط دبلوماسية لا علاقة لها بالقناعة القانونية أو السياسية؟
● سلوفينيا: “ملتزمون بحل سياسي يوفر حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”
في تصريح واضح وموثق رسمياً، أكد ممثل سلوفينيا صامويل جبوغار أن بلاده صوتت لصالح القرار دعماً لبعثة المينورسو ولمعالجة “الحاجة والفرصة لتحقيق تقدم حقيقي نحو حل عادل ودائم ومقبول للطرفين” للصراع الذي استمر قرابة 50 عاماً.
وفي تصريح مكتوب على الموقع الرسمي لسلوفينيا، جاء فيه: “بينما نقترب من العام الخمسين لهذا الصراع، نؤكد مجدداً التزامنا بحل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، يوفر حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية، بما يتماشى مع أهداف ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة”.
كما أكد أن العملية السياسية يجب أن “تجري على قدم المساواة وتأخذ في الاعتبار مواقف ومقترحات جميع الأطراف”.
هذا التصريح الواضح من سلوفينيا يهدم الرواية القائلة بأن التصويت كان دعماً لفرض الحكم الذاتي المغربي.
● الدنمارك: “تصويتنا لا يعني الاعتراف بالسيادة المغربية”
في تصريح حاسم، قالت ممثلة الدنمارك إن خطة الحكم الذاتي المغربية تمثل “أساساً جيداً لحل متفق عليه بين الطرفين”. لكنها أضافت بوضوح تام: “تصويت وفدنا لصالح القرار لا يشكل اعترافاً بالسيادة المغربية على الصحراء الغربية”.
وشددت على أن أي حل يجب أن يتم الاتفاق عليه بين الأطراف، داعية إياهم إلى الانخراط بشكل بناء وبحسن نية نحو حل مقبول للطرفين.
● غيانا: “الحل يجب أن يوفر حق تقرير المصير“
في موقف أكثر وضوحاً، شدد ممثل غيانا على أن التسوية السياسية يجب أن تكون “تسوية توفر حق تقرير المصير لشعب الصحراء الغربية”.
هذا التصريح يتعارض كلياً مع التفسير المغربي للقرار، ويؤكد أن غيانا صوتت على أساس احترام حق تقرير المصير، وليس على إلغائه.
● كوريا الجنوبية: “القرار لا يحدد مسبقاً نتيجة المفاوضات“
ممثل كوريا الجنوبية، رغم تصويته لصالح القرار، أعرب عن أمله في أن يشجع القرار الأطراف على الانخراط الفوري في المفاوضات. لكنه أضاف بوضوح: “النص لا ينبغي أن يُفسر على أنه يحدد مسبقاً نتيجة تلك المحادثات”.
هذا التصريح يعني أن كوريا الجنوبية لا تعتبر القرار فرضاً لحل الحكم الذاتي، بل دعوة لمفاوضات مفتوحة النتائج.
● اليونان والصومال وسيراليون: “مفاوضات بحسن نية نحو حل متفق عليه“
انضم ممثلو اليونان والصومال وسيراليون إلى الدول الأخرى في التعبير عن الأمل في أن تنخرط الأطراف، بعد اعتماد القرار، في مفاوضات بحسن نية نحو حل مقبول للطرفين.
● الدول الممتنعة: انتقادات صريحة للقرار
روسيا: “نص غير متوازن“
ممثل روسيا كان صريحاً في انتقاده، قائلاً إن وفده امتنع لأنه “لم يتمكن من دعم نص غير متوازن إلى هذا الحد”. لكنه أضاف أن روسيا “قررت عدم تعطيل” قرار المجلس بتمديد ولاية المينورسو “لإعطاء فرصة أخرى لعملية السلام”.
وأعرب عن أمله في أن يبذل المبعوث الشخصي “كل ما في وسعه” للتوصل إلى حل مقبول للطرفين يمكّن الشعب الصحراوي من ممارسة حق تقرير المصير.
● الصين: “القرار فشل في أخذ المواقف بعين الاعتبار“
ممثل الصين أعرب عن دعم بلاده لتمديد ولاية المينورسو لمدة عام واحد، لكنه أوضح أن وفده امتنع عن التصويت “لأن القرار فشل في أخذ المواقف في الاعتبار بشكل كافٍ”.
وشدد على أن “الحل السياسي هو الطريقة الأساسية للخروج”، مع الأمم المتحدة كقناة رئيسية والحوار والمفاوضات كنهج صحيح.
● باكستان: “النص لا يعالج مبدأ تقرير المصير“
ممثل باكستان أوضح أن بلاده امتنعت عن التصويت لأن النص “لا يعالج بشكل كامل مبادئ مهمة، مثل مبدأ تقرير المصير، المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة”.
هذا الموقف من باكستان، الحليف التاريخي للمغرب، يكشف عمق التناقض بين الضغوط الدبلوماسية والقناعات القانونية.
● الجزائر: “رفض شرعية العملية برمتها”
ممثل الجزائر، عمار بن جامع، كان الأكثر حدة في موقفه. قال بعد عدم مشاركة بلاده في التصويت: “القرار النهائي بشأن المستقبل لا يمكن، ولا يجب، أن يعود لأي شخص آخر غير الشعب الواقع تحت السيطرة الاستعمارية”.
وأضاف: “هذا النص يتجاهل مقترحات جبهة البوليساريو… إنهم طرف في النزاع، ويجب الاستماع إلى رأيهم”.
الاستثناءان: أمريكا وفرنسا
القراءة الحقيقية للتصويت
التحليل الدقيق للتصريحات الرسمية الموثقة يكشف حقيقة واضحة:
باستثناء أمريكا وفرنسا، فإن غالبية الدول التي صوتت لصالح القرار:
ـ أكدت على حق تقرير المصير (سلوفينيا، غيانا)
ـ نفت أن يكون تصويتها اعترافاً بالسيادة المغربية (الدنمارك)
ـ شددت على أن القرار لا يحدد مسبقاً نتيجة المفاوضات (كوريا الجنوبية)
ـ دعت إلى حل متفق عليه بين الطرفين (اليونان، الصومال)
أما الدول الممتنعة (روسيا، الصين، باكستان)، فقد:
ـ انتقدت القرار بوصفه “غير متوازن” (روسيا)
ـ أكدت أنه “فشل في أخذ المواقف بعين الاعتبار” (الصين)
ـ اعتبرت أنه لا يعالج مبدأ تقرير المصير (باكستان)
ماذا يعني هذا؟
قانونياً: لا اعتراف بالسيادة المغربية
التصريح الواضح من الدنمارك بأن تصويتها “لا يشكل اعتراف بالسيادة المغربية”، وتأكيد سلوفينيا وغيانا على حق تقرير المصير، يعني أن القرار لا يتضمن أي اعتراف دولي بالسيادة المغربية.
سياسياً: القرار إجرائي وليس سياسياً
تأكيد كوريا الجنوبية أن النص “لا ينبغي أن يُفسر على أنه يحدد مسبقاً نتيجة المفاوضات”، يعني أن الدول تنظر إلى القرار باعتباره إجرائياً (تمديد المينورسو) وليس سياسياً (فرض الحكم الذاتي)
ميدانياً: لا قيمة تنفيذية للقرار
انتقادات روسيا والصين وباكستان، بالإضافة إلى رفض الجزائر والبوليساريو، تعني أن أي محاولة لفرض الحكم الذاتي بالقوة ستواجه رفضاً دولياً وميدانياً.
الخلاصة: تصويت على تمديد المينورسو وليس على الحكم الذاتي
التصريحات الرسمية الموثقة تكشف أن غالبية الدول المصوتة لم تكن تصوت على فرض الحكم الذاتي كحل نهائي، بل على:
ـ تمديد ولاية المينورسو (الجزء الإجرائي)
ـ استمرار المفاوضات (دون تحديد النتيجة مسبقاً)
ـ احترام حق تقرير المصير (المبدأ الأساسي)
القرار الذي وصفه المغاربة بأنه “تاريخي” يبقى، بحسب تصريحات الدول نفسها، مجرد تمديد إجرائي لبعثة المينورسو، وليس فرضاً لحل سياسي نهائي.
الشعوب لا تُستعمر بقرارات مجلس الأمن، بل تتحرر بإرادتها وكفاحها.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة