● قرار مجلس الأمن حول الصحراء الغربية يصطدم بجدار القانون الدولي و إرادة شعب
● لماذا لا يملك مجلس الأمن صلاحية فرض الحل ولماذا القرار مستحيل التطبيق؟
رغم وصفه بـ”الإنتصار ” من طرف المغرب ووسائل إعلامه، فإن تمرير مجلس الأمن الدولي لمشروع القرار الأمريكي حول الصحراء الغربية ليس كما تم ترويجه ،لأنه سيصطدم بجدار من العقبات القانونية والسياسية والميدانية التي تجعل تطبيقه شبه مستحيل.
● أرقام التصويت تكشف انقساماً دولياً عميقاً
صوّت لصالح القرار 11 دولة بقيادة الولايات المتحدة، شملت فرنسا وبريطانيا وسلوفينيا وكوريا الجنوبية والدانمارك واليونان وبنما وغيانا والصومال وسيراليون، فيما امتنعت ثلاث دول كبرى هي روسيا والصين وباكستان، واختارت الجزائر عدم المشاركة في التصويت احتجاجاً على ما اعتبرته “تجاوزاً لصلاحيات المجلس”.
لكن وراء هذه الأرقام، تكمن حقيقة أعمق: غياب الإجماع الدولي، وهشاشة التحالف الذي قاد القرار، وضعف الأساس القانوني الذي يستند إليه.
● العقبة الأولى: مجلس الأمن لا يملك صلاحية فرض الحل
يؤكد خبراء القانون الدولي أن مجلس الأمن، مهما بلغت قوته وتأثيره، يظل هيئة تابعة للأمم المتحدة تعمل ضمن حدود قانونية واضحة لا يمكن تجاوزها. ومن الناحية القانونية الصرفة، لا يملك المجلس صلاحية فرض أي حل سياسي على شعب لا يزال تحت عملية تصفية استعمار.
إقليم الصحراء الغربية، المصنف منذ عام 1963 كإقليم غير متمتع بالحكم الذاتي، يظل خاضعاً لإطار قانوني دولي واضح: الشعب الصحراوي وحده، وليس مجلس الأمن ولا أي دولة أخرى، هو صاحب القرار الحاسم في تقرير مستقبله السياسي.
صلاحيات مجلس الأمن في هذا الملف تنحصر في دعم المسار السياسي ومراقبة وقف إطلاق النار عبر بعثة المينورسو، دون أن تتجاوز ذلك إلى فرض حلول أو خيارات بعينها.
أما محاولة فرض الحكم الذاتي كحل نهائي، فتمثل خرقاً فاضحاً لمبدأ تقرير المصير المنصوص عليه في القرار الأممي 1514 الذي يؤكد أن إخضاع أي شعب لسيادة أجنبية هو إنكار لحقوق الإنسان وتناقض صريح مع ميثاق الأمم المتحدة.
● العقبة الثانية: الجمعية العامة يمكنها إبطال القرار
حتى مع تمرير القرار في مجلس الأمن، تبقى هناك عقبات مؤسسية كبرى داخل الأمم المتحدة نفسها. فالجمعية العامة ولجنتها الرابعة تملكان سلطة مراجعة أي تجاوز قانوني من قِبَل مجلس الأمن، باعتبار أن قضايا تصفية الاستعمار تندرج حصرياً ضمن اختصاصهما.
في هذه الحالة، يمكن للجمعية أن تصدر قراراً مضاداً يُبطل مفاعيل قرار المجلس ويؤكد مجدداً على حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره. وهذا السيناريو ليس بعيد المنال، خاصة في ظل الدعم الواسع الذي تحظى به قضية الصحراء الغربية في الجمعية العامة.
علاوة على ذلك، فإن امتناع روسيا والصين وباكستان عن التصويت يعني أن لا يوجد توافق دولي حقيقي حول الملف. وهذا الانقسام يجعل أي خطوات تنفيذية لاحقة محل خلاف ومواجهة.
● العقبة الثالثة: الواقع الميداني يرفض الإملاءات
حتى لو افترضنا جدلاً أن القرار صدر وتم تبنيه، فإنّه لن يجد طريقه إلى التطبيق على أرض الواقع. فالشعب الصحراوي، الذي يملك تنظيماً سياسياً معترفاً به دولياً (جبهة البوليساريو) ويسيطر فعلياً على جزء من الأرض، سيرفض القرار باعتباره انتهاكاً لحقه التاريخي.
كما أن الاتحاد الإفريقي، الذي يعترف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية كدولة عضو، سيرفض هو الآخر هذا المسار، مما سيخلق أزمة شرعية إقليمية ودولية للمجلس ذاته.
الأخطر من ذلك، أن أي محاولة لفرض حل بالقوة ستفتح الباب أمام مواجهة ميدانية جديدة تعيد المنطقة إلى أجواء الحرب، بما يهدد السلم الإقليمي ويقوض الدور الذي يُفترض أن يؤديه مجلس الأمن نفسه.
● قراءة في المواقف: براغماتية وضغوط وتناقضات
الولايات المتحدة، التي قادت التصويت، نجحت في تمرير قرارها بفضل نفوذها الأطلسي والأوروبي، لكنها تدرك جيداً أن القرار غير ملزم قانونياً ولا يغير من الوضع القانوني للإقليم. الهدف الأمريكي هو دعم سياسي للمغرب في إطار صفقة أبراهام، وليس فرض حل نهائي.
أما فرنسا وبريطانيا، فموقفهما يعكس المصالح الاقتصادية والاستراتيجية مع المغرب، لكنهما يعلمان أن القرار لا يحسم القضية قانونياً. الموقف الفرنسي خاصة كلّفها علاقاتها مع الجزائر.
أما روسيا والصين، فامتناعهما يعني أنهما لم يدعما القرار، لكنهما لم يعطّلاه أيضاً. هذا الموقف البراغماتي يحفظ علاقاتهما مع المغرب دون إغضاب الجزائر.
رسالتهما واضحة: “نحن لسنا مع التجاوز القانوني، لكننا لن ندخل في صدام مع أمريكا”.
باكستان، الحليف التاريخي للمغرب، فاجأت الجميع بامتناعها، في إشارة إلى حساسية قضية تقرير المصير بالنسبة لها بسبب قضية كشمير، ورغبتها في الحفاظ على علاقاتها مع الجزائر.
أما الجزائر، فاختارت عدم المشاركة في التصويت، في موقف أقوى من الامتناع، يعني رفض شرعية العملية برمتها، وليس فقط الاعتراض على المضمون.
الجزائر تؤكد أن القضية ليست من اختصاص مجلس الأمن، بل من اختصاص الجمعية العامة ولجنتها الرابعة.
● معركة طويلة في الأفق
بنية النظام الدولي لا تسمح لمجلس الأمن أن يتحول إلى سلطة فوق القانون، فهو ليس حكومة عالمية، بل جهاز تنفيذي للأمم المتحدة يخضع لمبادئ الميثاق الذي أنشأه. وبمجرد تجاوزه لهذه المبادئ، يصبح قراره منعدم الأثر من الناحية القانونية، ولا يكتسب أي شرعية حتى لو صدر شكلياً.
تمرير القرار في مجلس الأمن لا يعني نهاية المسار، بل قد يكون بداية لمرحلة جديدة من التعقيدات تشمل:
ـ المعركة القانونية في الجمعية العامة: حيث يمكن إصدار قرارات مضادة تؤكد على حق تقرير المصير
ـ المعركة الإقليمية في الاتحاد الإفريقي: الذي يعترف بالجمهورية الصحراوية كدولة عضو
ـ الواقع الميداني: حيث لا يزال جزء من الإقليم تحت سيطرة جبهة البوليساريو، ووقف إطلاق النار هش
ـ الانقسام الدولي: امتناع روسيا والصين وباكستان يعني عدم وجود إجماع دولي
خلاصة: سراب سياسي لا سند له في القانون
من يراهن على أن مجلس الأمن يمكن أن يمنح الشرعية للسيادة المغربية على الصحراء الغربية، أو أن يفرض الحكم الذاتي كأمر واقع، إنما يطارد سراباً سياسياً لا سند له في القانون الدولي، ولا في موازين القوى داخل الأمم المتحدة.
القرار قد يمنح المغرب دعماً سياسياً ودبلوماسياً في المدى القصير، لكنه لا يغير الوضع القانوني للإقليم ولا يلغي حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير. مصير الصحراء الغربية سيبقى مرهوناً بإرادة شعبها، لا بقرارات تُصنع في نيويورك.
القانون واضح، والحدود المؤسسية أوضح: مجلس الأمن لا يملك أن يقرر نيابةً عن الشعوب مصيرها.
الشعوب هي التي تكتب التاريخ، وليس المجالس التي تصدر قرارات خارج حدودها.
المصدر:
الجزائر الآن
مصدر الصورة