آخر الأخبار

باريس تُقلّل من تصويت البرلمان وتُؤكد تمسّكها بالحوار مع الجزائر.. قراءة خبيرة في خلفيات الموقف الفرنسي

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

● باريس تُقلّل من تصويت البرلمان وتُؤكد تمسّكها بالحوار مع الجزائر.. قراءة خبيرة في خلفيات الموقف الفرنسي

الجزائر الآن _ في لحظة سياسية دقيقة تشهد فيها العلاقات الجزائرية–الفرنسية تقاطعات معقّدة بين الذاكرة والمصالح، يعود ملف اتفاقية الهجرة لعام 1968 إلى الواجهة من جديد، بعد تصويت في الجمعية الوطنية الفرنسية يدعو إلى إلغائها.

ورغم الجدل الواسع الذي أثاره القرار، فإن المؤشرات الصادرة من باريس تعكس رغبة رسمية واضحة في احتواء التوتر والحفاظ على مسار الحوار الاستراتيجي مع الجزائر، باعتبارها شريكًا أساسياً في ملفات الأمن والطاقة والاستقرار الإقليمي.

● باريس تُقلّل من أهمية تصويت البرلمان

أكدت مصادر رسمية فرنسية لصحيفة لوفيغارو أن اللائحة التي صوّت عليها نواب الجمعية الوطنية لإلغاء اتفاقية الهجرة المبرمة مع الجزائر عام 1968 لا تعدو أن تكون محاولة جديدة من اليمين المتطرف لإفشال الجهود الدبلوماسية الجارية مع الجزائر.

ونقلت الصحيفة عن مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الفرنسية قوله إن الحكومة ذكّرت البرلمان بموقفها الرافض لإلغاء الاتفاقية، مشيرًا إلى أن الموقف الرسمي لفرنسا يتمثل في الدعوة إلى إعادة التفاوض مع الجزائر بما يتلاءم مع تطورات المرحلة، مع الحفاظ على روح الشراكة الإستراتيجية التي تجمع البلدين.

● الإليزيه: السياسة الخارجية من صلاحيات الرئيس

وفي السياق ذاته، عبّر أحد مستشاري قصر الإليزيه عن استغرابه مما جرى في البرلمان الفرنسي، قائلاً بنبرة ساخرة: “لم أكن أعلم أن السياسة الخارجية أصبحت من اختصاص النواب”، في إشارة إلى أن القرار لا يحمل أي أثر قانوني.

مصدر الصورة

وأوضح أن السياسة الخارجية وإبرام أو إلغاء الاتفاقيات الدولية من صلاحيات رئيس الجمهورية وحده.

ووصف مصدر مطّلع على الملف التصويت بأنه حدث رمزي بلا قيمة قانونية، مضيفًا أن الجزائر تدرك تمامًا أن ما جرى لا يمثل موقف الدولة الفرنسية، بل مجرد خطوة سياسية داخلية يقودها اليمين المتطرف.

وأكد المصدر أن الأولوية في الوقت الراهن هي استئناف التعاون الأمني وتعزيز الحوار الثنائي، مشيرًا إلى أن مثل هذه المزايدات لا تعرقل الجهود القائمة، بل تبرز أكثر الحاجة إلى بناء علاقة هادئة قائمة على الثقة والنتائج الملموسة.

● رباحي: الخطوة تعكس صعود الخطاب اليميني المتطرف

قالت البروفيسور أمينة رباحي، أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية بجامعة الجزائر 3، لصحيفة” الجزائر الآن” ، إن الجدل الدائر في الساحة السياسية الفرنسية حول إلغاء اتفاقية 1968 الخاصة بتنظيم شؤون الهجرة الجزائرية يعكس تحوّل الخطاب السياسي الفرنسي نحو مزيد من التشدد والعداء للأجانب، في ظل صعود اليمين المتطرف الذي يوظّف ملف الهجرة كورقة انتخابية داخلية.

وأضافت أن الاتفاقية وُقعت في ظرف تاريخي خاص عقب استقلال الجزائر، ونظمت الإقامة والعمل والتنقل للجالية الجزائرية التي ساهمت حينها في إعادة بناء الاقتصاد الفرنسي بعد الحرب. كما منحت الجزائريين امتيازات قانونية وإنسانية مهمة، أبرزها بطاقة الإقامة طويلة الأمد لعشر سنوات، وحق لمّ الشمل العائلي، إضافة إلى تسهيلات للطلبة الجزائريين في الجامعات الفرنسية الذين عوملوا على قدم المساواة مع نظرائهم الفرنسيين.

مصدر الصورة

وأوضحت أن هذه المعاملة التفضيلية أثارت، مع مرور الوقت، رفضًا متزايدًا من التيارات اليمينية المتطرفة التي اعتبرت الاتفاقية خرقًا لمبدأ المساواة بين الجاليات الأجنبية.

واستذكرت في هذا السياق تصريح الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي الذي وصف الاتفاقية بأنها “تمنح أفضلية غير مبررة للجالية الجزائرية”، معتبرة أن ذلك شكّل منطلقًا لخطاب سياسي يغلب عليه الطابع الشعبوي والعنصري.

وبيّنت أن الاتفاقية خضعت لعدة تعديلات، أبرزها تعديل سنة 2001 الذي شدّد شروط منح التأشيرات والإقامة للجزائريين، ما جعلها تفقد تدريجيًا مضمونها الإنساني الأصلي. ومع ذلك، ظل اليمين المتطرف بقيادة مارين لوبان يرفع شعار إلغائها نهائيًا تحت ذريعة تحقيق المساواة، في حين يخفي هذا الخطاب نزعات عنصرية وإسلاموفوبية تعكس المناخ المتوتر الذي يطبع المجتمع الفرنسي اليوم.

وأكدت أن تصويت الجمعية الوطنية الأخير لا يترتب عليه أي أثر قانوني مباشر، لأن البرلمان الفرنسي لا يمتلك صلاحية إلغاء الاتفاقيات الدولية، إذ يُعد هذا الاختصاص من صلاحيات السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية .

مصدر الصورة

وتوقعت أن يؤدي هذا التوجه اليميني المتطرف إلى زيادة حدة التوتر بين الجزائر وفرنسا إذا تمادت باريس في خطوات أحادية الجانب تمسّ بمصالح الجالية الجزائرية، التي تفوق مليوني شخص.

واعتبرت أن الجزائر “لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام أي تصعيد من هذا النوع”، وقد تلجأ إلى الرد بالمثل أو مراجعة الاتفاقيات الثنائية لحماية مصالحها ومصالح جاليتها.

وختمت بالقول إن ما يجري في فرنسا يعكس أزمة سياسية داخلية عميقة أكثر مما يعبر عن خلاف حقيقي مع الجزائر، إذ يسعى اليمين المتطرف إلى توجيه الرأي العام وإلهائه عن الأزمات الاقتصادية والاجتماعية من خلال شيطنة المهاجرين الجزائريين وتحويلهم إلى شماعة سياسية جاهزة.

● باريس بين ضغوط اليمين وخيار الحوار

في تطور جديد يعكس تصاعد نفوذ اليمين المتطرف في المشهد السياسي الفرنسي، صادقت الجمعية الوطنية بفارق صوت واحد فقط على لائحة تقدّم بها حزب التجمّع الوطني تدعو إلى مراجعة أو إلغاء اتفاقية الهجرة الموقعة بين الجزائر وفرنسا سنة 1968، وهي الاتفاقية التي تُعد أحد أعمدة العلاقات الثنائية منذ أكثر من خمسة عقود.

ورغم معارضة الحكومة وأحزاب الأغلبية، تمكن نواب اليمين المتطرف من تمرير اللائحة بـ185 صوتًا مقابل 184، في تصويتٍ رمزيٍّ يعكس تحولًا سياسيًا حساسًا وتناميًا واضحًا للخطاب الشعبوي المعادي للمهاجرين.

ويرى خبراء أن هذه الخطوة تعبّر عن أزمة داخلية في فرنسا أكثر مما تعكس تحوّلًا فعليًا في السياسة الخارجية، إذ يسعى اليمين المتطرف إلى استثمار ورقة الهجرة والذاكرة التاريخية للضغط على الحكومة، في حين يفضّل الإليزيه التمسك بخيار الحوار الهادئ وإعادة بناء الثقة مع الجزائر بالنظر إلى أهمية التعاون في ملفات الأمن والطاقة والاستقرار الإقليمي.

● الجزائر تردّ ببرودة دبلوماسية

مصدر الصورة

من جانبها، تتابع الجزائر هذه التطورات بـ”برودة دبلوماسية محسوبة”، مؤكدة أن أي تعديل أو مراجعة للاتفاقيات الثنائية يجب أن يتم عبر القنوات الرسمية والتفاوض المباشر بين الحكومتين، لا عبر قرارات رمزية ذات طابع سياسي داخلي.

وترى الجزائر أن اتفاقية 1968 تحمل بعدًا سياديًا وتاريخيًا خاصًا، وأن المساس بها من شأنه أن يفتح ملفات حساسة تتعلق بالذاكرة والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين.

ويُجمع المحللون على أن الخطوة البرلمانية الأخيرة تمثل تحديًا للعلاقات الجزائرية–الفرنسية، لكنها لن تغيّر من الموقف الرسمي الفرنسي، الذي يؤكد أن إلغاء أو تعديل الاتفاقيات الدولية يظل من صلاحيات رئيس الجمهورية.

كما يتفق الخبراء على أن البلدين يسعيان إلى تجنّب التصعيد الدبلوماسي والحفاظ على مسار الحوار الذي أُعيد بعثه مؤخرًا، خصوصًا في ظل التحديات الإقليمية والأمنية المتزايدة في الساحل والمتوسط.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا