آخر الأخبار

تحليل | الحكومة تدفع نحو إصلاح شامل لمنظومة النقل السككي والبحري... سعيود يرسم ملامح الرؤية الاقتصادية

شارك
بواسطة سليم محمدي
صحفي جزائري مختص في الشأن الوطني .
مصدر الصورة
الكاتب: سليم محمدي

تحليل | الحكومة تدفع نحو إصلاح شامل لمنظومة النقل السككي والبحري… سعيود يرسم ملامح الرؤية الاقتصادية

الجزائر الآن _ أشرف وزير الداخلية والجماعات المحلية والنقل، السعيد سعيود، ظهيرة اليوم بمقر قصر الحكومة، على اجتماع تأطيري خصص لتقييم قطاع النقل، ركز في بدايته على محور النقل بالسكك الحديدية وما تم تحقيقه منذ آخر اجتماع تأطيري، في إطار متابعة مستمرة لتحسين الأداء والمردودية.

وخلال عرضه، شدّد الوزير على الاستدراك العاجل للاختلالات المسجّلة في بعض خطوط النقل، خاصة التأخرات والأعطاب التقنية، مع التأكيد على ضرورة رفع نوعية الخدمة بما يستجيب لتطلعات المواطن ويعزز الثقة في المرفق العام.

كما وجه الوزير تعليمات بتسريع وتيرة التكفل بمحور نقل البضائع عبر السكك الحديدية، داعيًا إلى رفع تنافسية المؤسسة الوطنية للسكك الحديدية وتحسين مردوديتها الاقتصادية، باعتبارها ركيزة من ركائز التنمية المستدامة وتخفيف الضغط على الطرق الوطنية.

يأتي هذا الاجتماع في سياق وطني يشهد تحولًا في النظرة الحكومية إلى قطاع النقل باعتباره أداة استراتيجية للتنمية الاقتصادية.

فالسكك الحديدية بحسب المختصين ،لم تعد مجرد وسيلة لنقل الأفراد، بل أصبحت عنصراً محورياً في معادلة الأمن الاقتصادي، بالنظر إلى دورها في تخفيض كلفة نقل المواد الأولية ودعم سلاسل الإمداد الصناعي.

إنّ التركيز على البنى التحتية للنقل يعكس رغبة واضحة في الانتقال من “إدارة الأزمات” إلى “إدارة الفعالية”، أي من إصلاح الأعطاب إلى بناء منظومة ذكية للنقل الوطني.

تعليمات صارمة للوزير سعيود

وجه الوزير السعيد سعيود تعليمات صارمة بـتكثيف المراقبة داخل محطات القطارات وعند تقاطعات السكك الحديدية، للحد من السلوكات غير الحضارية التي تمسّ بأمن القطارات وتتسبب في أعطالها، مشيراً إلى إمكانية تفويض خدمات الحراسة الأمنية لمؤسسات متخصصة وفق دفاتر شروط دقيقة تحدد المسؤوليات بدقة.

كما نوّه بالأثر الإيجابي لتعزيز عدد من الخطوط خلال الصيف الماضي بعد إعادة إدماج سبعة قطارات من نوع “كوراديا” عقب عمليات صيانة وتأهيل ناجحة، وأوعز بتسريع استكمال إصلاح باقي القطارات وإدماجها في الخدمة خلال أقرب الآجال.

وفي السياق ذاته، شدّد الوزير على مواصلة النهج الإصلاحي في تسيير محور نقل البضائع، من خلال تقييم دوري للمؤشرات الاقتصادية، واستشراف التطورات المستقبلية، إلى جانب دعم جهود صيانة وتطوير البنى التحتية والهياكل المرتبطة بالنقل السككي.

مصدر الصورة

نموذج إداري جديد

و تؤكد هذه التوجيهات بحسب ذات المتابعين ،أن الحكومة تسعى لتأسيس نموذج إداري جديد في مؤسسات النقل العمومي، يقوم على الرقمنة والمساءلة والشراكة بين القطاعين العام والخاص.

فإشراك مؤسسات أمنية متخصصة في حماية الخطوط السككية، مثلًا، يمثل تحوّلًا من “التسيير البيروقراطي” إلى “التسيير بالمردودية”.

كما أن إعادة تأهيل القطارات الحديثة من نوع “كوراديا” لا يحمل بُعدًا تقنيًا فقط، بل هو رسالة سياسية-اقتصادية حول رغبة الدولة في تقديم خدمات حضرية تليق بالمواطن وتواكب المعايير العالمية في النقل الذكي والمستدام.

الوزير يشيد بالنتائج المحققة

أشاد السيد الوزير بالنتائج المحققة في إزالة الرمال عن خطوط الجنوب، مشيرًا إلى أن القطاع حقق لأول مرة منذ سنوات مؤشرات إيجابية تمثلت في صفر حالة إلغاء للرحلات منذ بداية 2025، بعد أن كانت تتجاوز الألف حالة سنويًا قبل 2022.

كما ذكّر بأهمية الاستعانة بالخبرة الوطنية والشركات الناشئة لإيجاد حلول تقنية ذكية للإشكاليات التشغيلية، مشددًا على ضرورة تمكين الشباب المبادر من المساهمة في تحديث القطاع عبر الابتكار التكنولوجي.

وفي الشق الثاني من الاجتماع، تطرّق الوزير إلى محور النقل البحري للسلع والبضائع، حيث تم استعراض وضعية الأسطول البحري الوطني التابع لشركة “كنان الجزائر”، ومؤشرات أدائه في التسيير والاستغلال.

اجتماع واحد جمعة النقل السككي و البحري

يشكل الجمع بين النقل السككي والبحري في اجتماع واحد مؤشراً على تبنّي رؤية حكومية متكاملة نحو “اقتصاد اللوجستيات”، أي الربط بين البرّ والبحر لتقوية المنظومة الإنتاجية الوطنية. فالنجاح في إزالة الرمال عن خطوط الجنوب ليس مجرد إنجاز تقني، بل يعكس قدرة الدولة على السيطرة على بيئة النقل في المناطق الاستراتيجية، وهو ما يمنح الجزائر ميزة تنافسية في ربط مناطقها الداخلية بالموانئ الساحلية، وبالتالي بالأسواق الإفريقية والدولية.

وفيما يتعلق بالنقل البحري، أسدى الوزير تعليمات برفع نجاعة التسيير داخل شركة كنان الجزائر، ودعا إلى متابعة دقيقة لأشغال الصيانة وتأهيل البواخر، مع تبني مقاربة اقتصادية دقيقة لقياس أثر هذه العمليات على مردودية المؤسسة.

كما شدّد على ضرورة توسيع الآفاق التجارية للشركة بما يتناسب مع الديناميكية الاقتصادية للبلاد، ودعا إلى التنسيق المستمر مع وزارة التجارة الخارجية ومجلس التجديد الاقتصادي، في إطار استراتيجية وطنية لتطوير الصادرات وتقليص التبعية في النقل البحري.

الموانيء الجزائرية

وأشار الوزير أيضًا إلى أهمية العصرنة التقنية للموانئ الجزائرية عبر تحديث الورشات وتجهيزاتها وتحسين عمليات الشحن والتفريغ والتخزين، بما يضمن الانسيابية في سلسلة النقل ويقلّص التكاليف والآجال.

و يعكس هذا المحور بحسب المراقبين توجهًا استراتيجيًا نحو تحويل الموانئ الجزائرية إلى منصات لوجستية إقليمية قادرة على منافسة الموانئ المتوسطية.

فالمسألة لا تتعلق فقط بصيانة البواخر، بل بإعادة تعريف دور النقل البحري كرافعة للسيادة الاقتصادية.

عندما تتحكم الدولة في نقل بضائعها عبر أسطولها الوطني، فهي تتحكم في جزء من قرارها التجاري والسيادي، وتكسر التبعية اللوجستية للخارج.

عصرنة مطار الجزائر

من جهة أخرى، ناقش الاجتماع تطور مشروع عصرنة مطار الجزائر الدولي، وأهمية رفع جودة الخدمات داخله، خاصة في مجالات الاستقبال والنظافة والأمن.

كما تطرّق الوزير إلى متابعة عملية استيراد 10 آلاف حافلة ضمن خطة تجديد الحظيرة الوطنية للنقل البري للمسافرين، مشيرًا إلى ضرورة مراجعة دفاتر الشروط لتحسين نوعية الخدمات في النقل الحضري وشبه الحضري.

وشملت التعليمات كذلك ضمان التزويد المنتظم بالمياه الصالحة للشرب ومتابعة مشاريع تأهيل شبكات التوزيع ومنشآت التخزين، إضافة إلى ملف النظافة العمومية، حيث أعلن الوزير عن اجتماع قادم لعرض نتائج التفتيشات الفجائية التي شملت عدداً من الولايات.

مصدر الصورة

تؤكد هذه المحاور المتعددة أن الحكومة تسير نحو مقاربة شمولية للتسيير ، حيث لا يُنظر إلى النقل والماء والنظافة كمجالات منفصلة، بل كمنظومة واحدة تُقاس من خلالها جودة الحياة والاستقرار الاجتماعي.

فالتكامل بين السياسات القطاعية هو ما يمنحها بعدها الاستراتيجي الحقيقي.

ومن هنا يمكن القول إنّ اجتماع الوزير سعيود لم يكن تقنياً بحتاً، بل هو اجتماع توجيهي لمرحلة جديدة من الحوكمة المحلية يسعى لتنفيذها و التي تضع المواطن والاقتصاد الوطني في قلب القرار التنفيذي.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا