آخر الأخبار

تحليل | كيف عززت الجزائر حضورها في البنية التحتية الرقمية بإطلاق الكابل البحري “ميدوسا”؟

شارك
بواسطة سليم محمدي
صحفي جزائري مختص في الشأن الوطني .
مصدر الصورة
الكاتب: سليم محمدي

الجزائر الآن _ في خطوة جديدة تعكس تسارع التحول الرقمي في الجزائر، أشرف وزير البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية، سيد علي زروقي أمس الخميس، على إعطاء إشارة الانطلاق الرسمية لمشروع الكابل البحري للألياف الضوئية “ميدوسا” (Medusa)، الذي ينطلق من ميناء الجزائر العاصمة باتجاه البحر الأبيض المتوسط.

ويمثل هذا المشروع بحسب المختصين رهانًا استراتيجيًا لتعزيز مكانة الجزائر كقطب محوري في شبكات الاتصال الدولية، وكجسر حيوي بين أوروبا وإفريقيا في مجال البنية التحتية الرقمية.

● مشروع جزائري استراتيجي عابر للحدود

يمتد كابل “ميدوسا” على طول يفوق 8700 كيلومتر، ويربط أكثر من 10 دول متوسطية، من بينها الجزائر، فرنسا، إسبانيا، المغرب، تونس، إيطاليا، ومصر.

ويُعدّ من أضخم مشاريع الربط البحري في المنطقة، بفضل سعته التقنية العالية التي تصل إلى 20 تيرابيت في الثانية لكل زوج من الألياف، ما يجعله أحد أهم مشاريع السيادة الرقمية في الفضاء المتوسطي.

وسيكون للجزائر في إطار هذا المشروع نقطتا هبوط رئيسيتان بكلٍّ من الجزائر العاصمة ومدينة القل (ولاية سكيكدة)، ليتصل الكابل عبرهما بمحطات رئيسية في جنوب أوروبا على مسافات تقارب 900 كيلومتر.

هذه التعددية في نقاط الاتصال تمنح البلاد مرونة واستقلالية أكبر في تدفق البيانات الدولية، وتحدّ من اعتمادها على مسار واحد نحو أوروبا.

● الأبعاد الاقتصادية والتكنولوجية للمشروع

يمثل “ميدوسا” أكثر من مجرد مشروع تقني، فهو محرك اقتصادي واستثماري لمستقبل الجزائر الرقمي.
إذ سيساهم في تحسين جودة الإنترنت الوطنية ورفع سرعة الاتصال، تماشياً مع التحضيرات الجارية لإطلاق شبكات الجيل الخامس (5G)، وتوسيع خدمات الحوسبة السحابية ومراكز البيانات.

كما أن تعزيز الكابلات البحرية سيقلل من مخاطر الانقطاع والاختناقات التقنية، ويمنح الجزائر هامشاً أوسع من الأمن السيبراني والسيادة الرقمية، في ظل تصاعد التهديدات والهجمات الإلكترونية العابرة للحدود.

● رؤية متكاملة نحو “الجزائر الرقمية 2030”

يتقاطع هذا المشروع مع الرؤية الاستراتيجية التي وضعها الرئيس تبون في إطار “الجزائر الرقمية 2030″، والتي تسعى إلى جعل البلاد بوابة رقمية لإفريقيا، عبر استقطاب الاستثمارات في مجال الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.

كما يعكس المشروع تحوّل الجزائر من مجرد مستهلك للتكنولوجيا إلى فاعل بنيوي في شبكات البيانات العالمية، بما يعزز حضورها في الاقتصاد الرقمي الإقليمي.

● البعد الجيوسياسي للمشروع

من زاوية تحليلية، يحمل مشروع “ميدوسا” بعداً جيوسياسيا واضحا، إذ يُعيد رسم موازين الاتصال في حوض المتوسط، ويمنح الجزائر موقعاً استراتيجياً في البنية التحتية العالمية للبيانات.

فبينما تتنافس قوى كبرى كفرنسا وإسبانيا وإيطاليا على احتكار ممرات الألياف البصرية، يأتي هذا المشروع ليمنح الجزائر موقع الندّ والشريك الموثوق، بدل أن تبقى مجرد طرف مستهلك للخدمة.

كما ينسجم مع توجه الجزائر نحو تنويع شراكاتها التقنية، بعيدًا عن الهيمنة الغربية، بالانفتاح على الشراكات الأوروبية-المتوسطية المتوازنة.

● نحو اقتصاد بيانات سيادي

من المنتظر أن يبدأ تشغيل الجزء المتوسطي الغربي من المشروع، الذي يشمل الجزائر، خلال المرحلة المقبلة (2026)، على أن يدخل الكابل الخدمة الكاملة مطلع سنة 2027.

وبذلك، تضع الجزائر اللبنة الأساسية لبناء اقتصاد بيانات سيادي، يكون فيه الاتصال والسرعة والأمن المعلوماتي مكونات للسيادة الوطنية الجديدة.

بهذا المشروع، لا تكتفي الجزائر بحسب ذات المختصين، بتوسيع شبكتها الرقمية ، بل ترسّخ حضورها كفاعل مؤثر في خريطة الاتصالات العالمية، وتؤسس لمرحلة جديدة من الأمن التكنولوجي والريادة الإقليمية.

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا