آخر الأخبار

من شجرة واحدة إلى غابة وطنية: الجزائر تتحدى التصحر بمليون شجرة في يوم واحد

شارك
بواسطة محمد،قادري
صحفي جزائري مختص في الشأن السياسي الوطني و الدولي .
مصدر الصورة
الكاتب: محمد،قادري

من شجرة واحدة إلى غابة وطنية: الجزائر تتحدى التصحر بمليون شجرة في يوم واحد

حين يتحول حلم شاب من باتنة إلى ثورة خضراء تشارك فيها 58 ولاية

هذا السبت 25 أكتوبر 2025، لن يكون يوماً عادياً في تاريخ الجزائر البيئي. سيكون يوم التحدي الأكبر: غرس مليون شجرة خلال 24 ساعة فقط، من الشمال إلى الجنوب، من الشرق إلى الغرب، في مبادرة تروي كيف يمكن لحلم فردي أن يتحول إلى مشروع وطني، وكيف يمكن للدولة أن تحتضن طموحات شبابها بدل أن تصادرها.

البداية من شجرة واحدة في حي منسي

القصة بدأت عام 2013 في حي (الباطوار) بباتنة، حيث قرر شاب اسمه فؤاد معلى – مهندس ميكانيكي وتاجر – أن يزرع شجرة أمام بيته. لم يكن يعرف وقتها أن تلك الشجرة الواحدة ستنمو لتصبح غابة من الأحلام تمتد عبر 58 ولاية.

أنشأ فؤاد صفحة على (فايسبوك) سماها “أمام كل بيت شجرة”، فكرة بسيطة لكنها ثورية في بلد يلتهم فيه الإسمنت الأخضر، وتزحف فيه الصحراء شمالاً كل عام. الفكرة انتشرت كالنار في الهشيم، أو بالأحرى كالماء في الصحراء. اليوم، تتابع الصفحة قرابة (مليون) متابع، وتحولت المبادرة الفردية إلى جمعية وطنية اسمها “الجزائر الخضراء” يرأسها فؤاد نفسه.

تقديراً لجهوده، أسدى وزير الشباب مصطفى حيداوي وسام “الشاب المتطوع” لفؤاد معلى، معلناً إياه “سفيراً للشباب المتطوع” لسنة 2025. لكن الوسام الحقيقي ليس من ذهب أو فضة، بل من خضرة تملأ الولايات، ومن أمل يزرع في قلوب الأجيال الجديدة.

عندما تحتضن الدولة الحلم بدل أن تصادره

ما يميز هذه القصة أن الدولة لم تقف متفرجة، ولم تحاول احتكار المبادرة أو تحويلها إلى فولكلور رسمي. بل احتضنتها، دعمتها، وشاركت فيها كشريك لا كراعٍ أبوي.

أعلن وزير الفلاحة والتنمية الريفية، ياسين وليد، عن تنظيم وزارة الفلاحة والمديرية العامة للغابات بالشراكة الكاملة مع جمعية “الجزائر الخضراء”، أكبر حملة وطنية للتشجير في تاريخ البلاد. ليست مجرد مشاركة شكلية، بل تعبئة كاملة لكل الإمكانيات: شتلات، لوجستيك، تنسيق، متابعة.

حتى الوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار انضمت إلى المعركة الخضراء، داعية جميع المستثمرين والمتعاملين الاقتصاديين للمشاركة، في رسالة واضحة: البيئة ليست ترفاً، بل استثماراً في المستقبل.

هذا التحول في العلاقة بين الدولة والمجتمع المدني يستحق أن يُدرس، كيف يمكن للسلطة أن تتخلى عن غريزة الاحتكار، وتقبل أن تكون شريكاً في مشروع بدأه شاب من حي شعبي؟

مليون شجرة ليست خيالاً .. الحساب البسيط لحلم كبير

“قد يعتقد البعض أن مليون شجرة رقم كبير”، يقول فؤاد معلى بابتسامة واثقة، “لكن بحساب بسيط نجد أن عدد البلديات في الجزائر (1541) بلدية، وإذا غُرسَت (600) شجرة فقط في كل بلدية، فإننا سنصل إلى مليون شجرة بسهولة”.

الرجل لا يتحدث من فراغ. خلال أكثر من عشر سنوات من العمل الميداني، غرس مشروع “الجزائر الخضراء” مئات الآلاف من الأشجار عبر كل الولايات. التجربة موجودة، الخبرة متراكمة، والشبكة الميدانية واسعة.

“نسعى لتحقيق رقم مليون شجرة في يوم واحد”، يضيف فؤاد، “ولدينا تنسيق واسع مع مختلف الفاعلين والمتدخلين في المجال البيئي. تشارك جميع مديريات الغابات في الولايات، إلى جانب عدد كبير من المشاتل. وقد اخترنا الشتلات المناسبة لكل منطقة وفقاً لخصوصياتها البيئية وحاجاتها الطبيعية”.

خريطة الأمل .. كل ولاية قصة، كل شجرة وعد

التوزيع الجغرافي للحملة يعكس دقة التخطيط وواقعية الطموح:

قسنطينة قررت أن تكتب التاريخ: (17 ألف) شجرة في يوم واحد، رقم لم تحققه الولاية من قبل. ستمتد العملية من المناطق الحضرية قرب قاعة العروض الكبرى أحمد باي، حيث ستُغرس أشجار الزينة، إلى غابة ذراع الناقة في المريج، حيث ستعود الحياة للغابات المتضررة.

المدية تستعد لزرع (30 ألف) شجيرة عبر مختلف بلدياتها، في محاولة لإعادة الخضرة إلى مناطق فقدتها في حرائق الصيف.

الجزائر العاصمة، وهران، عنابة، بجاية، تيزي وزو: ستستقبل حصصاً كبيرة تتراوح بين (12000) و(25000) شتلة، مزيج من أشجار الزينة والصنوبر والبلوط والزيتون.

أما الولايات الصحراوية مثل بشار، ورقلة، تمنراست، فستحصل على أنواع خاصة: الأكاسيا، الشجيرات التحريشية، كل ما يقاوم الجفاف ويوقف زحف الرمال.

ليست كل الأشجار سواء

يؤكد فؤاد معلى”اخترنا الشتلات المناسبة لكل منطقة وفقاً لخصوصياتها البيئية”. هذه الجملة تختصر الفرق بين حملة عاطفية فوضوية وبين مشروع علمي مدروس.

ـ الصنوبر الحلبي وأشجار البلوط: في المناطق الشمالية والجبلية، مقاومة للحرائق، تحمي التربة من الانجراف.

ـ أشجار الزيتون والمثمرة: في السهول والتلال، ليست مجرد خضرة بل أمن غذائي ومصدر دخل للعائلات.

ـ الأكاسيا والشجيرات التحريشية: في الجنوب، تثبت الكثبان الرملية، تقاوم الجفاف، تصنع حاجزاً أخضر أمام الصحراء.

ـ أشجار الزينة: في المدن، تحسّن جودة الهواء، تخفض درجات الحرارة، تعيد للإسمنت روحه المسروقة.

عندما يتحدث الفاعلون

يرى عفان سفيان، رئيس المنظمة الجزائرية للبيئة والمواطنة، في المبادرة “التزام الدولة الراسخ بحماية البيئة ومكافحة التغيرات المناخية”.

يقول عفان: “الهدف من هذه الحملة يتمثل في التقليل من حدة تلوث الهواء، حماية التنوع البيولوجي، وإعادة تأهيل الفضاءات الطبيعية والغابات المتضررة جراء الحرائق”.

ويضيف: “التشجير سلوك حضاري وثقافة مستدامة يجب أن تترسخ في عقول الأجيال القادمة. نعمل حالياً على تنظيم ورشات تحسيسية داخل المدارس ومراكز التكوين، لتعريف التلاميذ بأهمية الأشجار في امتصاص الكربون وإنتاج الأوكسجين”.

الامتحان الحقيقي بعد الغرس

فؤاد معلى واضح في هذه النقطة: “هذه العملية تعد الأكبر من نوعها في تاريخ الجزائر، وهي بحاجة إلى تضافر جميع الجهود لإنجاحها، وذلك لن يتم فقط بعدد الأشجار المزروعة، بل من خلال مواصلة الاعتناء بها وحمايتها ومتابعتها بعد الغرس، عن طريق السقي المنتظم ومنع الرعي العشوائي”.

برنامج المتابعة محدد بدقة:

ـ الري المنتظم: خاصة في الأشهر الأولى والصيف

ـ الحماية من الحرائق: تعزيز أنظمة المراقبة

ـ منع الرعي العشوائي: حماية الشتلات من الحيوانات

ـ المراقبة الدورية: متابعة حالة الأشجار عبر الفصول

ـ التوعية المستمرة: لأن الوعي يحمي أكثر من الأسوار

إعادة إحياء مشروع “السد الأخضر”

لا يمكن فهم حجم هذه المبادرة دون استحضار ما عاشته الجزائر من تدهور بيئي متسارع:

ـ صيف2021 كان كابوساً: (69) شخصاً قضوا في الحرائق، بينهم (28) عسكرياً، و(100 ألف) هكتار من الغابات تحولت إلى رماد. السنوات التالية لم تكن أفضل كثيراً.

ـ التصحر يزحف شمالاً، والتغيرات المناخية تجعل الجزائر أكثر حرارة وجفافاً كل عام.

لهذا، تطمح الجزائر إلى زيادة الغطاء الغابي إلى (4.7 مليون) هكتار بحلول (2035)، وإعادة إحياء مشروع “السد الأخضر” الذي انطلق في السبعينات لوقف زحف الرمال.

حملة (25 أكتوبر) ليست معزولة، بل جزء من معركة طويلة. وهي أيضاً بداية مبادرة أكبر: “(60 مليون شجرة)” تخليداً لستينية الاستقلال.

نجاح المبادرة يعني ثورة في المواطنة

ما يحدث أعمق من مجرد زرع أشجار. إنه تحول في مفهوم المواطنة نفسه.

لا يكتفي فؤاد معلى بغرس الأشجار، بل يغرس الوعي. عبر فيديوهات يومية على مواقع التواصل، يشرح كيف تساهم الأشجار في تحسين جودة الهواء، تقليل درجات الحرارة، توفير الظل. يدعو الجميع للمشاركة، ويختم دائماً بشعاره الذي صار علامة فارقة: “خضراء بإذن الله”.

هذا الشعار يختصر روح المبادرة، مزيج من الإيمان والعمل، من الدعاء والأخذ بالأسباب، من الروحانية والعقلانية.

المبادرة تعيد تعريف العلاقة بين المواطن والدولة، من “ماذا ستفعلون لي؟” إلى “ماذا يمكنني أن أفعل؟”. من المطالبة إلى المشاركة. من الشكوى إلى الحل.

الجميع مدعوون ولا أحد يُستثنى

وزير الفلاحة كان واضحاً، عندما قال: “ندعو جميع فئات المجتمع للمشاركة الفعالة في هذا التحدي الوطني”.

لهذا فالدعوة موجهة للجميع:

ـ العائلات: اصطحبوا أطفالكم، علموهم أن الوطن يُبنى بالأيدي

ـ المدارس: اجعلوا من 25 أكتوبر درساً حياً في التربية البيئية

ـ المستثمرون: ازرعوا في مصانعكم، في محيطها، في المناطق الصناعية

ـ الجمعيات: نسقوا، نظموا، وحّدوا الجهود

ـ الشباب: أنتم الطاقة، أنتم المستقبل

ـ المتقاعدون: خبرتكم ثروة، وقتكم فرصة

حتى وزارة التكوين والتعليم المهنيين أعلنت مشاركة جميع مؤسساتها عبر الوطن.

السؤال الكبير: هل سننجح؟

التحدي ضخم، والرهان كبير. لكن المؤشرات إيجابية:

ـ التخطيط المحكم: كل ولاية تعرف حصتها، كل منطقة حددت مواقعها

ـ التنسيق الواسع: بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص

ـ التعبئة الشعبية: آلاف المتطوعين جاهزون

ـ الخبرة المتراكمة: أكثر من عشر سنوات من العمل الميداني

ـ الإرادة السياسية: دعم حكومي كامل

لكن النجاح الحقيقي لن يُقاس يوم 25 أكتوبر، بل بعد سنة، سنتين، خمس سنوات. كم شجرة نجت؟ كم شجرة نمت؟ كم منطقة اخضرّت فعلاً؟

النجاح لن يُقاس بالعدد فقط، بل بتحول الثقافة، هل سنصبح شعباً يحب الشجرة ويحميها؟ هل ستتحول البيئة من شعار إلى ممارسة يومية؟

من شجرة إلى وطن أخضر

من شجرة واحدة زرعها شاب في حي شعبي، إلى مليون شجرة تزرعها أمة بأكملها في يوم واحد. هذه هي المسافة بين الحلم والواقع عندما تلتقي الإرادة الفردية بالدعم المؤسساتي والوعي الجماعي.

25 أكتوبر 2025، لن يكون يوماً عادياً. سيكون يوم الامتحان، هل يمكن للجزائريين أن يجتمعوا على هدف واحد؟ هل يمكن للدولة والمجتمع أن يعملا معاً كشركاء حقيقيين؟ هل يمكن لبلد يعاني من التصحر والحرائق أن يقول للطبيعة: “نحن هنا، ولن نستسلم؟”

فؤاد معلى، ذلك الشاب من (باتنة) الذي بدأ بشجرة واحدة، أثبت أن التغيير ممكن. والجزائر، بـ(58) ولاية و(مليون شجرة)، على وشك أن تثبت أن الأحلام الكبيرة ليست خيالاً، بل مشاريع تحتاج إلى إيمان وعمل.

“خضراء بإذن الله” ليس مجرد شعار. إنه وعد. وعد جيل لجيل، وعد شعب لأرضه، وعد دولة لمستقبلها.

ويبقى السؤال معلقاً في سماء الجزائر، بعد 24 ساعة، كم شجرة ستُزرع؟ وبعد عشر سنوات، كم غابة ستنمو؟

الجواب يكتبه كل جزائري يحمل شتلة، يحفر حفرة، يسقي شجرة، يحمي غابة.

الجواب يكتبه الجميع. أو لن يُكتب.

قائمة المشاركة في مشروع “المليون شجرة”

تتميز هذه الحملة بمشاركة غير مسبوقة من مختلف القطاعات:

1 ـالجهات الرسمية:

ـ وزارة الفلاحة والتنمية الريفية

ـ المديرية العامة للغابات

ـ محافظات الغابات في جميع الولايات

ـ وزارة التكوين والتعليم المهنيين

2 ـ المجتمع المدني:

ـ جمعية الجزائر الخضراء

ـ المنظمة الجزائرية للبيئة والمواطنة

ـ جمعيات محلية وبيئية في مختلف الولايات

3 ـ القطاع الخاص:

ـ المستثمرون والمتعاملون الاقتصاديون

ـ المؤسسات الاقتصادية في إطار المسؤولية الاجتماعية

4 ـ المواطنون:

ـ العائلات

ـ المدارس والمؤسسات التربوية

ـ مراكز التكوين المهني

ـ المتطوعون من مختلف الأعمار

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا