آخر الأخبار

العلاقات الجزائرية – الروسية: شراكة استراتيجية تتعزز سياسيًا واقتصاديًا رغم التحديات

شارك
بواسطة محمد بلقور
مصدر الصورة
الكاتب: محمد بلقور

العلاقات الجزائرية – الروسية: شراكة استراتيجية تتعزز سياسيًا واقتصاديًا رغم التحديات

الجزائر الآن _ تتواصل مؤشرات التقارب الاستراتيجي بين الجزائر وروسيا على أكثر من صعيد، في سياق ديناميكية جديدة تشهدها العلاقات الثنائية بين البلدين، تتجلى في تكثيف التشاور السياسي وتوسيع آفاق التعاون الاقتصادي والاستثماري رغم تحديات ملف الساحل تحديدا .

اتصال دبلوماسي يعكس تطابق المواقف بخصوص الملف الصحراوي

أجرى وزير الدولة، وزير الشؤون الخارجية والجالية الوطنية بالخارج والشؤون الإفريقية، أحمد عطاف، مكالمة هاتفية مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، تبادل خلالها الطرفان الرؤى حول أبرز الملفات المطروحة على جدول أعمال مجلس الأمن الدولي خلال الرئاسة الروسية الحالية، وفي مقدمتها قضية تصفية الاستعمار في الصحراء الغربية، التي يُنتظر أن يصدر بشأنها قرار قبل نهاية الشهر الجاري.

مصدر الصورة

ويأتي هذا الاتصال ليؤكد تطابق المواقف السياسية بين الجزائر وموسكو إزاء العديد من القضايا الدولية العادلة، وفي مقدمتها حق الشعوب في تقرير مصيرها، انسجامًا مع المبادئ الثابتة للدبلوماسية الجزائرية والسياسة الخارجية الروسية الداعمة لهذا المبدأ.

البعد الاقتصادي في الشراكة الثنائية

استقبل رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، بمقر رئاسة الجمهورية، اليوم الأربعاء ،رئيس منظمة أرباب الأعمال الروسية (بزنس روسيا) أليكسي ريبيك، في لقاء حضره كل من بوعلام بوعلام، مدير ديوان رئاسة الجمهورية، عمر ركاش، المدير العام للوكالة الجزائرية لترقية الاستثمار، كمال مولى، رئيس مجلس التجديد الاقتصادي الجزائري.

وشكّل اللقاء فرصة لتأكيد الإرادة المشتركة في الارتقاء بالتعاون الاقتصادي إلى مستوى الشراكة السياسية القائمة بين البلدين، من خلال تشجيع الاستثمارات الروسية في السوق الجزائرية، خصوصًا في مجالات الطاقة، الصناعة، الزراعة، والتكنولوجيا، ضمن رؤية جديدة تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني وتعزيز دوره الإقليمي والدولي.

مصدر الصورة

إن تكامل المسارين السياسي والاقتصادي في العلاقات الجزائرية – الروسية يعكس بحسب المتابعين رؤية الجزائر بقيادة الرئيس عبد المجيد تبون نحو بناء شراكات متوازنة ومتعددة الأقطاب، ترتكز على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة، وتنسجم مع موقعها كفاعل محوري في الفضاءين الإفريقي والمتوسطي.

العلاقات الجزائرية – الروسية: شراكة استراتيجية تتعزز سياسيًا واقتصاديًا رغم التحديات

من إرث الثورة إلى تحالف المستقبل

يرى الخبراء أن العلاقات الجزائرية – الروسية تجاوزت الأبعاد الظرفية لتستند إلى منظور استراتيجي طويل المدى، يجمع بين التاريخ المشترك والتعاون المتجدد وتبادل المصالح، مع الحرص على الاحتفاظ باستقلالية القرار الوطني لكل طرف.

ورغم وجود بعض التباينات في المقاربات السياسية الإقليمية، خاصة ما يتعلق بمنطقة الساحل الإفريقي، تظل الروابط الاقتصادية والثقافية والتاريخية عنوانًا ثابتًا في مسار علاقةٍ تعي جيدًا معنى التوازن بين المبادئ والمصالح في عالم سريع التحول.

الذاكرة المشتركة أساس الثقة المتجددة

تعود جذور العلاقات الجزائرية – الروسية إلى حقبة الاتحاد السوفيتي، حين دعم الثورة الجزائرية وطرح قضيتها في الأمم المتحدة عام 1956 ضمن مسار تصفية الاستعمار. وفي عام 1960، اعترف الاتحاد السوفيتي رسميًا بالحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، ليكون من أوائل الداعمين لاستقلال الجزائر بعد اتفاقيات إيفيان سنة 1962، حيث افتتحت موسكو أول سفارة لها بالجزائر في أكتوبر من نفس العام.

العلاقات الجزائرية – الروسية: شراكة استراتيجية تتعزز سياسيًا واقتصاديًا رغم التحديات

هذا التاريخ المشترك جعل من التعاون الثنائي إرثًا سياسيًا واقتصاديًا متجذرًا، خاصة في مرحلة بناء الدولة الجزائرية الحديثة، حيث ساهم الاتحاد السوفيتي في تكوين الكفاءات التقنية والعسكرية الجزائرية ودعم مشاريع كبرى في مجالات الصناعة والطاقة والتعليم.

تعاون جزائري – روسي متجدد يعزز الشراكة الاقتصادية والعلمية

مصدر الصورة

تشهد العلاقات الجزائرية – الروسية اليوم تنوعًا وتوسعًا متزايدين في مجالات التعاون الاقتصادي والعلمي والثقافي.

الطاقة والصناعة في قلب الشراكة

يبرز قطاع الطاقة كأحد أهم محاور التعاون من خلال اللقاءات المنتظمة بين مسؤولي شركات المحروقات في الجانبين لمناقشة فرص الاستثمار المشترك في مجالات الاستكشاف والإنتاج ونقل التكنولوجيا الحديثة.

كما يتنامى التعاون في قطاع الصناعات الدوائية، حيث تعمل مؤسسات جزائرية وروسية على مشاريع لإنتاج الأدوية واللقاحات محليًا، بما يعزز الأمن الصحي ويتيح نقل الخبرة التقنية إلى الكفاءات الجزائرية.

من الفضاء إلى الاقتصاد الزراعي

امتد التعاون أيضًا إلى الفضاء الخارجي لأغراض علمية وسلمية ضمن اتفاقيات جديدة تفتح آفاقًا أمام البحث العلمي والتطوير التكنولوجي المشترك. أما في الجانب التجاري، فقد بلغ حجم التبادل بين البلدين نحو 1.7 مليار دولار خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2024، منها أكثر من 850 مليون دولار صادرات زراعية روسية، أغلبها من القمح والشعير والبقوليات، لتصبح الجزائر واحدة من أبرز وجهات الحبوب الروسية في القارة الإفريقية.

هذا التنوع يعكس رغبة متبادلة في ترسيخ الشراكة الاقتصادية والعلمية على أسس متوازنة تعود بالنفع على الشعبين، وتنسجم مع رؤية الجزائر لبناء علاقات دولية قائمة على المصالح المشتركة واحترام السيادة الوطنية.

العلاقات الجزائرية – الروسية.. تباين في المقاربات ووحدة في الأهداف

اختلاف في الزوايا لا في المبادئ

مصدر الصورة

يرى عدد من الخبراء أن التعاون الجزائري – الروسي يشهد في بعض محطاته تباينًا ناتجًا عن اختلاف أولويات كل طرف، رغم ما يبدو من تقارب في الرؤى السياسية والاستراتيجية.

فالتشابه الظاهري لا يعني بالضرورة تطابقًا تامًا في التصورات أو انسجامًا دائمًا في المواقف، خصوصًا في الملفات الإقليمية الحساسة مثل منطقة الساحل الإفريقي.

العلاقات الجزائرية – الروسية: شراكة استراتيجية تتعزز سياسيًا واقتصاديًا رغم التحديات

وترى الجزائر من حيث المبدأ أن أي شكل من أشكال التدخل الأجنبي في أزمات المنطقة يزيد من تعقيد الأوضاع ويُطيل أمد الصراعات، فضلًا عن فتح المجال أمام تمدد الجماعات المتطرفة. فالأزمة في الساحل – كما يراها المراقبون – ليست عسكرية بالأساس، بل ترتبط بجذور اجتماعية وتنموية عميقة تتطلب حلولًا شاملة تراعي خصوصيات المجتمعات المحلية.

شراكة مرنة في عالم متعدد الأقطاب

تعتمد الجزائر سياسة “فصل الملفات” في تعاملها مع الشركاء الدوليين، ما يجعلها تفصل بين التعاون الاقتصادي أو الأمني وبين المواقف السياسية في القضايا الدولية، وهو ما قد يؤدي أحيانًا إلى اختلاف في زوايا النظر دون أن يصل إلى مستوى التناقض.

ورغم ذلك، تبقى هذه التباينات انعكاسًا طبيعيًا لاختلاف المقاربات بين شريكين استراتيجيين لكل منهما أولوياته الخاصة ورؤيته المستقلة لإدارة الملفات الدولية.

آفاق جديدة في التوازن الدولي

يؤكد محللون أن التحدي الحقيقي لا يكمن في وجود الخلافات، بل في كيفية إدارة الأهداف المشتركة بما يخدم المصالح الاستراتيجية للطرفين.

فعودة روسيا إلى إفريقيا تأتي ضمن إطار أوسع لتفعيل مفهوم “الأغلبية العالمية” الهادف إلى بناء نظام دولي أكثر توازنًا وعدالة يقوم على تعدد الأقطاب بدلًا من الهيمنة الأحادية.

وتنظر الجزائر إلى روسيا كشريك موثوق يُكمل رؤيتها المستقلة للعلاقات الدولية، بينما ترى موسكو في الجزائر قوة إقليمية ذات ثقل سياسي واستقرار داخلي، يمكن الاعتماد عليها في ترسيخ حضور روسي متوازن في القارة الإفريقية .

شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا