تحليل | الجزائر تنتهج مقاربة جديدة …من منطق الردع بعد الحادث إلى الوقاية قبل الخطر
تحليل سياسي
الجزائرالٱن _ ترأس الوزير الأول سيفي غريب ، اليوم الأربعاء، اجتماعاً للحكومة خُصص لملفات استراتيجية تمس حياة المواطن مباشرة، شملت إصلاح قانون المرور ، وتعزيز مكافحة المخدرات، وإطلاق معهد وطني للتداوي بالخلايا الجذعية.
اجتماع حمل في جوهره دلالات سياسية واضحة تؤكد أن الدولة ماضية في بناء نموذج حكم يقوم على الوقاية، والحوكمة، والابتكار كأعمدة رئيسية للسياسات العمومية الجديدة.
● قانون مرور جديد… من الردع إلى ثقافة السلامة
هذا و تطبيقاً لتوجيهات رئيس الجمهورية، درست الحكومة المشروع التمهيدي لقانون المرور الجديد، الذي يُعدّ تحوّلاً تشريعياً يهدف إلى تقليص حوادث الطرقات وتحويل السلامة المرورية إلى قضية أمن وطني وسلوك مجتمعي.
القانون لا يقتصر على العقوبات، بل يؤسس لمنظومة متكاملة تشمل التربية المرورية، المراقبة الذكية، وإدارة المخاطر المرتبطة بالبنية التحتية.
بهذه المقاربة، تنتقل الجزائر من منطق “الردع بعد الحادث” إلى منطق “الوقاية قبل الخطر”، وهو ما يعكس نضج الدولة في قراءة الأسباب العميقة للمشكلات بدل الاكتفاء بمعالجة نتائجها.
● مكافحة المخدرات… الأمن الاجتماعي في قلب الرؤية الوطنية
في الشق الاجتماعي والأمني، ناقشت الحكومة مشروعي مرسومين يتعلقان بـ الكشف المبكر عن تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية داخل المؤسسات التربوية وعند التوظيف في القطاعين العام والخاص.
وبحسب الخبراء ،هذه الخطوة تمثّل انتقالاً نوعياً في مقاربة الدولة لمكافحة المخدرات، حيث تتحول السياسة العامة من التركيز على الردع وحده إلى منظومة متكاملة تشمل التحسيس، الوقاية، العلاج، والمتابعة.
الرسالة السياسية هنا واضحة: الدولة تعيد بناء أمنها المجتمعي من المدرسة والعمل، وتعتبر أن مواجهة المخدرات ليست قضية شرطة فقط، بل قضية أمة وقيم وطنية.
● الطب الجذعي… الجزائر تدخل نادي الدول الرائدة في الطب الحيوي
أما في المجال العلمي والصحي، فاستمعت الحكومة إلى عرض حول مشروع إنشاء معهد وطني للتداوي بالخلايا الجذعية، يضم أقطاباً علاجية للأورام والطب التجديدي، ومنصة وطنية للتكنولوجيا الحيوية.
هذا المشروع ليس طبياً فحسب، بل هو استثمار في السيادة الصحية، يهدف إلى تقليص عمليات العلاج في الخارج وتوطين البحث العلمي في الجزائر.
من خلاله، تضع الدولة لبنة جديدة في مسار بناء منظومة علمية وطنية مستقلة، تعكس الرؤية الرئاسية لبناء “الجزائر القادرة على علاج نفسها بنفسها”.
● الدولة كمنظومة وقاية واستباق
ما يجمع بين هذه الملفات الثلاثة هو التحول العميق في فلسفة الدولة الجزائرية: من إدارة الأزمات إلى الاستباق الاستراتيجي.
فمن المرور إلى الصحة مروراً بالمجتمع، تتبنى الحكومة نهجاً جديداً يجعل الإنسان محور كل السياسات، ضمن تصور شامل لـ”الجزائر يقوم على الأمن، والسيادة، والعقلانية في التخطيط.